تعد سنة 2017، أكثر الأعوام أهمية في الساحة السودانية داخليًّا وخارجيًّا؛ حيث شهدت الخرطوم متغيرات كبيرة، بدأت برفع العقوبات الأميركية عنها.

وظلت دولة السودان لأكثر من عشرين عامًا، تسعى لرفع رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عام 1997؛ حيث أعلن في 13 يناير 2017، إنهاء سريان قرارين تنفيذيين سابقين صدرا من البيت الأبيض (الأول في 3 نوفمبر 1997، في عهد الرئيس “بيل كلينتون” و الثاني في 13 أكتوبر عام 2006، في عهد الرئيس “جورج بوش”)، قضيا بتجميد الأصول، وحظر التعامل مع الحكومة السودانية.

فضلا عن إدراجها في “القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب”، ردًا على استضافته لزعيم تنظم القاعدة “أسامة بن لادن” عام 1991، وظلت الخرطوم فيها رغم إبعاد الأخير عنها، منذ 1996.

ولا شك أن هذه العقوبات، ألحقت بالسودان خسائر اقتصادية، لكن ليس ثمة إحصائيات رسمية، في حين ذكرت تقديرات غير رسمية أن المباشر منها زهاء 500 مليار دولار، فيما تراوحت غير المباشرة بحدود 4 مليار دولار سنوياً.

وسمح القرار بالتحويلات المصرفية، وباستئناف التبادل التجاري بين الخرطوم وواشنطن، لكنه أبقى على العقوبات المفروضة على السودان، بموجب قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وحدد البيت الأبيض 180 يومًا، يتم خلالها التحقق من التزام الخرطوم بخمسة شروط أمريكية لرفع العقوبات كليًّا، عرفت بـ”خطة المسارات الخمسة”.

وتتضمن خطة المسارات الخمسة: “التعاون في مكافحة الإرهاب، ودفع سلام جنوب السودان، ووقف الحروب، ووقف دعم وإيواء “جيش الرب” الأوغندي، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لمناطق النزاعات”.

لكن “ترامب”، الذي خلف “أوباما” في البيت الأبيض، سارع بتأجيل البت في الرفع الدائم للعقوبات لثلاثة أشهر، بدأت 12 يوليو 2017، للتأكد من التزام السودان الكامل بالشروط الأمريكية.

وأجّل الرئيس الأمريكي الحالي رفع العقوبات ثلاثة أشهر، رغم تقارير الخارجية الأمريكية، التي تقول: إن “السودان أحزر تقدما كبيرا في المجالات كافة، وتعاون لتطمين مخاوف واشنطن”.

” دونالد ترامب “

 

وأغضب قرار التأجيل القيادة السودانية، ودفع الرئيس “عمر البشير” إلى “حل لجنة التفاوض” مع الإدارة الأمريكية، لكن الحديث لم يتوقف بين البلدين، إلى أن أعلن “ترمب”، في 6 أكتوبر الماضي، رفع العقوبات بشكل كامل عن السودان.

وبموجب القرار، لم يعد السودان خاضعاً لعقوبات اقتصادية وتجارية، لكنه خاضع لعقوبات يفرضها بقاؤه ضمن قائمة رعاة الإرهاب، وتشمل حظراً لمبيعات السلاح، والسلع مزدوجة الاستخدام، والمساعدات الاقتصادية، وقيود مالية تتضمن عدم استفادته من مبادرة إعفاء الديون.

قوبل القرار بحفاوة شعبية ورسمية لافتة، بأمل أن يؤدي إلى “انفراجة اقتصادية وسياسية” في مواجهة الأوضاع المتعثرة في البلاد، ورفعت فيه التصريحات الحكومية سقف توقعات المواطنين، بالقول إن رفع العقوبات سيخفف الضائقة المعيشية التي يعانونها.

وبالفعل، ارتفع سعر العملة الوطنية “الجنيه”، مقابل العملات الأجنبية (18 جنيه مقابل الدولار الأمريكي) عشية القرار، بعد أن كان قد انخفض بـ”جنون” قبيل صدور القرار بأيام (28 جنيهاً للدولار الأمريكي).

 

التسلسل الزمني لقرار فرض العقوبات

“3 نوفمبر 1997”، أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق، “بيل كلينتون”، أمرًا تنفيذيًّا (13067)، فرض بموجبه عقوبات على السودان، تضمنت تجميد الأصول السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا، وإلزام “الأشخاص” الأمريكان التعامل مع السودان.

26 أبريل 2006“، ووسع الرئيس “جورج بوش”، بأمره التنفيذي (13400) الحظر، ليشمل ممتلكات شركات وأفراد سودانيين (170 بين شركة وفرد)، ثم الأمر التنفيذي (13412)، في 13 أكتوبر من العام نفسه، اعتبر بموجبه سياسة السودان النفطية مهددا لأمن وسلام وسياسات بلاده.

17 فبراير 2015“، عمد الرئيس السابق، “باراك أوباما”، إلى تخفيف العقوبات، فسمح للشركات الأمريكية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت.

13 يناير 2017“، أصدر “أوباما” أمرًا تنفيذيًّا (13761)، برفع جزئي للعقوبات الواردة في القرارين (1307، 13412)، بسبب التقدم الذي أحرزه السودان، وذلك على خلفية تقارير أمريكية حول تعاون السودان في مجال مكافحة الإرهاب.

 

مساعي سودانية لرفع العقوبات

وفي ظل سعي السودان للاستقرار ورفع العقوبات، وقعت في أكتوبر 2002، قانون “سلام السودان”، الصادر عن الكونجرس الأمريكي، ونص على تقديم تقرير شبه سنوي عن مباحثات السلام بين السودان وجنوبها بجدية.

وبعدها بأربعة أعوام، وقعت في أكتوبر 2006، “قانون سلام دارفور”، حجز بموجبه الكونجرس ممتلكاتٍ وأوقف تعاملاتٍ مع أفراد في حكومة السودان متهمين “بالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.

ولكن مع كل ما سبق، تؤكد تقديرات الخبراء أن الطريق ما يزال شائكًا وطويلاً أمام السودان، التي تأمل أن يشهد العام 2018 تطبيعًا كاملاً لعلاقة العاصمتين.