كلما بات جليا أن المجتمع السعودي لم يعد يحتمل ضغطا استبداديا أكبر بعدما قضى ابن سلمان تقريبا على كل بادرة أمل فيه، تأبى السلطات السعودية إلا وتضغط بمزيد من الاستبداد والقمع واستهداف النشطاء وتعيد حملاتها القمعية بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والناشطين في المملكة.

وفي تقرير مشترك لمنظمتي القسط لحقوق الإنسان ومنّا لحقوق الإنسان المعنيتان بالانتهاكات الحقوقية في المملكة، استعرضت المنظمتان أبرز الإجراءات وملامح حملة القمع والانتهاكات السعودية بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان منذ بداية العام 2021م.

وأدان التقرير حملة القمع المتجددة ضد المدافعين والمدافعات والمنتقدين السلميين الذين قُدموا للمحاكمة أو حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة أو تم تأييد إدانتهم أو زيادتها عند الاستئناف، مشيرا إلى أن النظام السعودي أصدر سلسلة أحكام على عدد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والنقاد السلميين في بداية عام 2021 بالسجن لمدد طويلة بتهم نابعة مباشرة من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية.

وجاءت تلك المحكوميات بعد محاكمات لم تفي بضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، حيث يواجه نشطاء حقوق الإنسان الآخرون في الوقت الحالي خطرًا كبيرًا من أن يصدروا مثل هذه الأحكام القاسية بالسجن فيما يتعلق بأنشطتهم السلمية.

صورة قاتمة

وفي العام 2018، خرج أبرز تقرير أممي حقوقي يتهم السعودية باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب بشكل ممنهج لتبرير التعذيب وقمع المعارضين وسجن المدافعين عن حقوق الإنسان. وجاء هذا الاتهام في ظل ملاحقة واعتقال العديد من الناشطين، وقمع كل صوت معارض بحسب التقرير.

وخلصت الأمم المتحدة إلى هذه النتيجة بعد عملية تفتيش ميدانية استغرقت خمسة أيام في المملكة بدعوة من حكومة الرياض، وانتهت بصدور تقرير يرسم صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في السعودية، كما يفند الصورة التي يتم ترويجها للمملكة بأنها تشهد إصلاحا، وفق ما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية.

وأكد التقرير الذي أعده المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب بين إيمرسون، أن السعودية تحت حكم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمر بأشرس تضييق على المعارضة السياسية فيها منذ عقود. وقال إيمرسون إن السلطات السعودية لم تسمح له بالولوج إلى عدد من السجون أو مقابلة بعض ناشطي حقوق الإنسان المعتقلين الذين كان يرغب في التحدث إليهم.

محاكمات ظالمة

وفي حالات أخرى، رأى نشطاء حقوق الإنسان أن أحكام السجن الصادرة بحقهم قد تم تأييدها أو حتى زيادتها بشكل ملحوظ بعد الطعن في إدانتهم عند الاستئناف، وهو ما حدث جليا في 14 أبريل 2021، حين رفعت المنظمتان الحقوقيتان عدة قضايا لمدافعين عن حقوق الإنسان انتهكت حقوقهم الإنسانية الأساسية في بداية عام 2021، وذلك في رسالة موجهة إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.

وكان من أبرز الدعاوى القضائية ضد نظام المملكة، حالة الناشط عبد الرحمن السدحان، الموظف في الهلال الأحمر السعودي، الذي اعتقل في مارس 2018 واختفى قسرياً قرابة ثلاث سنوات، وخلال هذا الوقت، سُمح له بإجراء مكالمتين هاتفيتين قصيرتين مع عائلته. ثم في 5 أبريل 2021 ، حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا ، ستليها حظر سفر لمدة 20 عامًا ، لإدارته حسابين ساخرين على تويتر.

كما حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في فبراير 2021، على ستة نشطاء، بالسجن لمدد طويلة بتهم تتعلق بالاحتجاج السلمي أو نشاطاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بينهم إسراء الغمغام وزوجها موسى الهاشم من المنطقة الشرقية، الذين تم القبض عليهما بعد مشاركتهما في احتجاجات تطالب بإنهاء التمييز في المملكة، ثم تم استبدال حكمها الأولي بالإعدام بالسجن ثماني سنوات، واستئنافها قيد النظر.

أيضا، منذ مطلع هذا العام، استأنفت القوات الأمنية السعودية اعتقال محمد الربيعة، وهو مدافع عن حقوق الإنسان تم اعتقاله في عام 2018 في سياق حملة المملكة ضد المدافعين عن حقوق المرأة والناشطين ضد نظام ولاية الرجل، وفي 21 مارس 2021 ، تم تحويل قضيته إلى المحكمة الجزائية المتخصصة. يواجه حاليًا خطر السجن لفترة طويلة، حيث تطالب النيابة العامة بالسجن 25 عامًا ، يليه حظر من السفر.

وأما نسيمة السادة ناشطة في مجال حقوق المرأة، وقد دافعت من أجل إنهاء حظر قيادة النساء للسيارات، اعتقلت في عام 2018 بعد شهر من رفع الحظر مع نشطاء آخرين دافعوا عن إنهاء التمييز ضد المرأة، ثم في 22 مارس 2021 أيّد الاستئناف حكمها بالسجن خمس سنوات ، يليه حظر سفر لمدة خمس سنوات، والذي صدر في نوفمبر 2020 فيما يتعلق بنشاطها السلمي.

استهداف عائلي

وكان تقرير خاص أعده الكاتب ديفد هيرست ونشره موقع “ميدل إيست آي” نهاية العام 2017 قد كشف عنتعرض أمراء من آل سعود لتنكيل شديد نقلوا على إثره إلى المستشفى، وأبرزهم الأمير متعب بن عبد الله الذي كان يعتبر غريما لولي العهد محمد بن سلمان الذي يقود الحملة الراهنة على عدد من أبناء عمومته وشخصيات أخرى تحت شعار مكافحة الفساد.

وقال التقرير إن الأمير متعب (65 عاما) وزير الحرس الوطني المقال وابن الملك الراحل عبد الله تعرض للضرب والتعذيب مع خمسة أمراء آخرين حين اعتقلتهم السلطات واستجوبتهم في الرياض، كما نقل هيرست عن مصادر قولها إن الأمراء الستة نقلوا إلى المستشفى خلال الـ24 ساعة التي أعقبت اعتقالهم، وكان أحدهم في حالة صعبة اقتضت نقله إلى وحدة العناية المركزة بالمستشفى.

ووفقا للتقرير، فقد قيل للعاملين في المستشفى إن إصابات جميع هذه الحالات ناتجة عن “محاولات انتحار”. وقد تعرض الأمراء لضرب شديد، وظهرت على أجسادهم آثار ركلات بأحذية عسكرية، كما أن ما لا يقل عن 17 شخصا من مجموع المعتقلين نقلوا إلى المستشفى، لكن عدد المعتقلين الذين تعرضوا لمعاملة سيئة أكبر من ذلك.

أحكام إضافية 

وبعيدا عن الاستهداف التغيبي والقضائي، صعدت السلطات السعودية من إجراءاتها ضد المعارضين عبر سلسلة من الأحكام الإضافية، كان أبرزها إصدار سلطات آل سعود حكما إضافيا على الناشط الحقوقي محمد العتيبي بعدما حكمت عليه بالسجن 14 عامًا.

وفي عام 2020 صدر حكم إضافي بالسجن لمدة عام واحد على العتيبي، وتم رفعه إلى عقوبة بالسجن لمدة ثلاث سنوات عند الاستئناف في أوائل عام 2021 ما أدى في المجموع إلى عقوبة بالسجن لمدة 17 عامًا.

واختتم التقرير بإدانة القمع السعودي المستمر للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والنشطاء السلميين، ودعا إلى جهود إصلاحية حقيقية تشمل احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين السعوديين، مطالبا بضرورة الإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي المحتجزين حاليًا وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم ورفع الشروط التقييدية وحظر السفر المفروض على المفرج عنهم بشروط.

اقرأ أيضًا: عقابا على عرقلة التطبيع.. تقارير: السعودية دبرت انقلاب الأردن