العدسة – ربى الطاهر

من منا لم يجرب هذا الإحساس الصعب؟ .. حيث تشعر أنك في دوامة كئيبة خلال النوم مشاهد ثقيلة متتالية تحمل لك الفزع والانقباض والرعب، وغالبا ما تنتهى بمشهد يحمل لك الموت فيكون المخرج منه هو محاولة الصراخ أو تحريك أي من أطراف الجسم، محاولة تكون شديدة الصعوبة، وكأنك تزيح جبلا من فوق صدرك، وكأن الجسم دخل فيما يشبه حالة شلل ولا ينجو منها إلا بنجاحه في الصراخ أو تحريك أي من أطرافه عندها فقط يتوقف هذا “الكابوس” وينجو الإنسان بنفسه بفتح عينيه فتشعر أنك فقط لم تهرب من حلم كئيب ولكن من موت أكيد.

لم تمر حضارة على تاريخ الإنسان دون أن تحاول تفسير هذه الحالة ثم جاء العلم من ببعد الحضارات ليس فقط من أجل تقديم شرح مقنع حول الظاهرة، ولكن من أجل مقاومتها، فهي لا تسبب الألم النفسي فقط بل قد تفضي بالفعل إلى موت حقيقي.

“الجاثوم” هى الكلمة الأكثر ارتباطا عبر التاريخ بالأحلام المزعجة، يعود أصل الكلمة إلى الحضارة الرومانية التي ربطت بين هذه الصور المفزعة بالأحلام أما في الثقافة العربية فقد اشتهر بـ”ابو لبيد” في إشارة إلى التصاق هذا الإحساس الكئيب بالإنسان وكأنه شيء مادي يلتصق به ويجثم على صدره ولا يستطيع الفرار منه.

وتقول الحضارة اليونانية إن الكابوس هو أحد أبناء الإله “ست” إله الشر، وهو أصغرهم وأفسدهم ولذا يعشق اللهو بأرواح البشر خلال نومهم، ولا ينقذهم منه إلا تواجد الأرواح الطيبة في المنزل لذا دائما ما كان هؤلاء القدماء يضعون عند مدخل البيت كومة “الثوم” المجفف أو زراعة الصبار التي طالما اعتقدوا أنها تطرد الأرواح الشريرة.

أما بالكنائس الغربية القديمة فدائما ما اعتقدوا أن الكابوس هو ملاك طرد من الفردوس بسبب شهوته الزائدة ويتخذ شكل عاشق ذكر ويغتصب النساء أثناء نومهن، ويعبث بأرواح البشر خلال نومهم ويحاول أن يتحكم في قلوبهم، وكانت المقاومة عبر دق “الصليب” عند النوافذ للاعتقاد أنه يدخل منها لا من الأبواب.

ولكن الأمر يختلف تماما في الفكر الاسلامي حيث إنه لا يتخطى فكرة الحلم المزعج الذي يتطلب الاستيعاذ منه قبل النوم وقراءة بعض “الأوراد” وكذلك النصيحة بالنوم على الجانب الأيمن من الجسم.

وقد وجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقول دعاء الفزع من النوم الذى جاء فيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: “أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون” وكان   عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه…

وأيضا من آداب رؤية الكوابيس ما علمنا إياه صلى الله عليه وسلم بقوله: “إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه”.

وجاء الطب ليحاول إيجاد مخرج علمي من هذه الأزمة التي انتهت بالكثيرين إلى حالة ذبحة أو سكتة قلبية، فتم وصف ما يدور بأنه شلل مؤقت في الجسم تستغرق من ثوان إلى عدة دقائق، وخلالها يحاول بعض المرضى طلب المساعدة أو حتى البكاء؛ لكن دون جدوى، وتختفي الأعراض مع مرور الوقت أو عند ملامسة المصاب بهذه الظاهرة لأي شخص أو عند حدوث ضجيج.

وقد أظهرت الدراسات أن 2% من الناس يتعرضون لشلل النوم على الأقل مرة في الشهر. وقد يصيب هذا المرض المرء في أي عمر، ويتعرض 12% من الناس لهذه الأعراض لأول مرة خلال الطفولة.

وقد قدم لنا الطب النبوي العديد من الإرشادات خلال هدى النبي صلي الله عليه وسلم في عاداته وسنته وتمثل ذلك في كراهة النوم قبل صلاة العشاء وعدم التوجه إلى النوم قبل الوضوء مع مراعاة النوم على الشق الأيمن وقول الأوردة والاستعاذة الخاصة بالنوم وكذلك نفض الفراش قبل الجلوس عليه ووضع اليد اليمنى تحت الجانب الأيمن من الوجه والتسبيح والتكبير حتى قبل النوم.

وينصح الأطباء بتجنب بعض الممارسات قبل النوم التي تساعد على الإصابة بـ “الكابوس” منها تناول الأطعمة الدسمة أو تلك التي تحتوي على توابل، خاصة وأنها تسبب الغازات التي هى الأخرى تلعب دورا في جلب الكوابيس.

وقد يتسبب فيها كذلك النوم في غرفة زائدة الدفء أو بالتكتف بأفرشة ثقيلة أو النوم لساعات طويلة على الظهر مما يؤثر على حركة الحجاب الحاجز ولعل هذا هو التفسير الأقرب للصحة حين ربطه بالتعريف اللغوي لكلمة “الجاثوم”، أما على المستوى العام فيربط الطب النفسي بين الضغط الصعبي الزائد نتيجة الاكتئاب أو ثقل المهام التي يعيشها الإنسان خلال نهاره والتي لا تنتهى بتحقيق الهدف أو النجاح المطلوب وبين الأحلام المزعجة.

هذا بخلاف التنبيه على عدم تناول الكافيين المتوفر ببعض المشروبات مثل “الشاى والقهوة والمشروبات الغازية والنسكافية  وأيضا الشيكولاتة”  قبل النوم بـ 6 ساعات على الأقل.

ويمكن كذلك اللجوء لتناول بعض المشروبات المهدئة التى تساعد على النوم مثل الحليب الدافئ أو مشروب اليانسون أو العسل.

كما ينصح كذلك بالمشي 20 دقيقة قبل النوم والمواظبة على القيام بتمرين رياضي للاسترخاء والتى تساعد على إفراز هرمون الأدرينالين وهذا النظام يجعل من يتبعه يتمتع بنفسية جيدة.

وربما يقوم حمام دافئ بدور هام في الاستمتاع بحالة من الاسترخاء خاصة لو تم استخدام عطر مفضل قبل النوم، ولابد من الانتباه إلى عدم مشاهدة أفلام رعب أو مشاهدة الأخبار المزعجة بل يمكن الارتكان إلى قراءة كتب أو روايات مؤثرة عاطفيا.

ومن المعلوم أن الأحلام هى مجرد انعكاس نفسي لتلك المكبوتات الداخلية التى لم يتم التنفيس عنها في اليقظة، لذلك فمن المهم دائما الحديث مع أحد أصدقائك المقربين عما قد يؤرقك أو يمكن تفريغ تلك الأشياء عن طريق الكتابة ثم تمزيقها حرصا على ألا يراها أحد ..فمن المهم إخراج تلك الطاقة السلبية بأى شكل مناسب حتى لا تنفجر في شكل الكوابيس.

وقد يساعدك ترتيب غرفة نومك وتوفير وسادة مريحة أو إضاءة مناسبة وكذلك درجة حرارة لطيفة في تحقيق حالة من الهدوء التى تجنبك الكوابيس، كما يساعد التدخين لما يحتويه من مادة النيكوتين في الأحلام والكوابيس المزعجة وقد يساعدك تجنب هذه العادة قبل النوم بتفاديها.

ومن المهم كذلك للتنعم بساعات نوم هادئة اللالتزام بوقت محدد للنوم وكذلك الاستيقاظ، ويجب الانتباه أيضا إلى بداية رؤية الكوابيس مع الانتظام في تناول دواء معين فيمكن مناقشة ذلك مع الطبيب الذى قد يستبدل هذا الدواء خاصة وأن بعض الأدوية قد تساهم في ذلك.

وقد يتسبب أيضا وجود سبب عضوى في مواجهة هذه المشكلة ويمكن التأكد من ذلك من خلال بعض الفحوصات مثل فحص الدم “سي بي سي” وكذلك الاطمئنان على وظائف الكبد وكذلك سلامة الغدة الدرقية.

ومما لا شك فيه ارتباط هذه الكوابيس بكرب ما بعد الصدمات، فعند التعرض لحادث طريق مروع أو  لتجربة  موت مفاجئ لشخص قريب قد يعود الإنسان بعد شهور لحياته الطبيعية أمام من حوله ويبقى كابوسا متكررا يلاحقه لمدة سنوات.

ومن المثير للدهشة والغرابة أن يستغل بعض البشر هذه الظاهرة في عمليات القتل عن عمد، فعلميا يحدث “الكابوس” في الثلث الأخير من النوم بعد مرور ما يزيد عن 90 دقيقة حيث تكون عضلات الجسم في شبه ارتخاء كامل إذا ما تم إفزاع الإنسان من الخارج في لحظة معينة ستتوقف العضلتان الوحيدتان القادرتان على الحركة و هما العين والقلب.

وهكذا فإن الحقيقة الوحيدة الماثلة أمام أعين الجميع  حتى لو لم نتمكن من تحقيقها هو أن نوم هانئ وأحلام سعيدة بلا كوابيس يحتاج إلى حياة منظمة وخالية من الضغوط.