العدسة – معتز أشرف

صرخة إنسانية جديدة أطلقتها الأمم المتحدة قبل ساعات للمانحين، من أجل توفير ما يقرب من 3 مليارات دولار لمساعدة أكثر من 13 مليون يمني، قائلة: إن “هذا هو أكبر نداء إنساني موحد يطلق من أجل اليمن”، فيما قال منسق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، جيمي ماكجولدريك: “لقد أدت ثلاث سنوات من الصراع المتصاعد إلى تحويل اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر، في عصرنا هذا”، ما يلقي بظلاله الوخيمة على الوضع الإنساني المتدهور، منذ عدم إنجاز السعودية -التي تقود تحالف دعم الشرعية بالبلاد- لوعودها بالحسم وإزاحة الخصوم الحوثيين، وعودة اليمن السعيد كما كان يطلق القدماء على يمن الحاضر البئيس.
أرقام صادمة
البيان الأممي أوضح أن “22.2 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية”، بما في ذلك 13.1 مليون شخص يحتاجون لمساعدات منقذة للحياة، والذي أكد في ذات الوقت أن “المساعدات الإنسانية ليست هي الحل للمحنة التي يعيشها الشعب اليمني، لكنها شريان الحياة الوحيد للملايين منهم، خاصة في المناطق التي تتركز فيها مخاطر مجتمعة للمجاعة وتفشي الأمراض، والنزوح طويل الأمد”، وهو ما تكشفه إحصائيات أممية، قد تحدثت في وقت سابق عن أكثر من 8650 قتيلا، وأكثر من 58 ألف جريح، بسبب النزاع المسلح المستمر.
وبحسب المنظمة الأممية، يحتاج ثلاثة أرباع السكان، أي أكثر من 22 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية، من بينهم 11.3 مليون بحاجة ماسة إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، كما ذكر بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن جيلا من الأطفال اليمنيين يكبرون في معاناة وحرمان، ويحرم نحو مليوني طفل من التعليم، ويصاب حوالي 1.8 مليون طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية، منهم 400 ألفٍ مصابون بسوء التغذية الحاد.
وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، يفتقر حوالي 16.4 مليون شخص في اليمن إلى الخدمات الصحية، فيما تعاني المستشفيات والمرافق الصحية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات من نقص حاد في الأدوية والإمدادات الطبية، فضلا عن النقص الحاد في عدد العاملين في القطاع الطبي

ووفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في منتصف الشهر الجاري، ولد أكثر من ثلاثة ملايين طفل في اليمن، منذ تصاعد الصراع في مارس عام 2015، ليواجهوا آثار العنف والنزوح والأمراض والفقر وسوء التغذية، وانعدام الخدمات الصحية، على لأطفال، حيث قتل أو أصيب أكثر من 5000 طفل بسبب العنف، أي نحو خمسة أطفال كل يوم، منذ مارس 2015، فيما يحتاج أكثر من 11 مليون طفل المساعدة الإنسانية، أي كل أطفال اليمن تقريبا، كما يفتقر أكثر من نصف الأطفال إلى مياه الشرب الآمنة، أو خدمات الصرف الصحي الكافية، ما أدى إلى إصابة حوالي 1.8 مليون طفل بسوء التغذية الحاد، منهم 400 ألف طفل يكافحون للبقاء على قيد الحياة، مع حرمان 2 مليون طفل من التعليم، منهم حوالي 500 ألف تسربوا من المدارس منذ تصاعد الصراع، فيما يشتبه في إصابة أكثر من مليون شخص بالكوليرا والإسهال المائي، يمثل الأطفال تحت سن الخامسة ربع هذا العدد، بالتزامن مع أزمة الرواتب في مجال التعليم والصحة التي تؤثر على تعليم 4.5 مليون طفل.
اقتصاديا كانت الضربة أقوى، حيث شهدت العملة اليمنية، انهيارًا كبيرًا، ووصل سعر الدولار، إلى أكثر من 500 ريال يمني، والريال السعودي بلغ 130 ريالا يمنيا، وهو ما يؤكد فقدان العملة الوطنية اليمنية أكثر من ضعف قيمتها منذ بدء الحرب في البلاد، قبل حوالي ثلاثة أعوام، ما يهدد أي فرص للحصول على الغذاء وباقي مطالب الحياة، ما أدى إلى تأكيد كثير من المحللين الاقتصاديين أن الحل الأنجع لوقف انهيار العملة، يتمثل بجانب عودة الإنتاج المحلي للنفط والغاز، في طلب معونات نقدية من دول الخليج، خاصة السعودية، التي تعد طرفا في الحرب.
أما صحيا، فحدث ولا حرج، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية، منتصف الشهر الجاري، ارتفاع حالات الإصابة بمرض الخناق (الدفتيريا) في اليمن، إلى 678، منذ بدء الانتشار للمرض، خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث رصدت هذه الحالات، في 19 محافظة من أصل 23، وفي 117 مديرية من أصل 333، بعد رصد 48 حالة وفاة بهذا المرض، في تلك المحافظات، ووفقا للمنظمة، فإن محافظتي إب (وسط) والحديدة (غرب)، هما أكثر المحافظات اليمنية التي انتشر فيها هذا المرض.

ويتزامن تفشي المرض في اليمن مع انتشار وباء الكوليرا، منذ أواخر أبريل 2017، الذي أسفر عن وفاة أكثر من ألفين و200 حالة، فيما تجاوزت الحالات التي يشتبه إصابتها بالمرض مليون حالة، وفق تقارير سابقة للصحة العالمية.
الأزمة شهدت محطة قاسية، عندما فرض التحالف العربي، بقيادة السعودية، حظرًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا على اليمن، على خلفية استهداف الرياض بصواريخ باليستية أطلقها “الحوثيون”، قبل أن يرفع الحظر تدريجيًّا، وهو ما هدد العمل الإنساني الداعم، بسبب الوضع المرتبك في موانئ اليمن، والذي قالت الأمم المتحدة إن الإغلاق المفروض على اليمن أدى إلى تدهور الوضع الإنساني الصعب، في ظل توقعات متكررة بنفاد إمدادات الوقود.
ميدانيا، وبعيدا عن قعقعة الأسلحة الخاصة بالتحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين، يواصل اليمنيون إطلاق صراخات الرفض السلمي، عبر مسيرات تجوب عدة شوارع بالمدن، قبل أن تستقر أمام مقر السلطة المحلية للمحافظات، رفع المحتجون في مسيرة تعز مؤخرا (جنوب غرب اليمن) لافتات من قبيل: “لن نموت جوعا، وتدهور الوضع الاقتصادي، وعدم صرف المرتبات في آن واحد، هو حكم إعدام ضد ملايين اليمنيين”، فيما قال الناشط الحقوقي في محافظة تعز، ماهر العبسي، في تصريحات صحفية عقب المسيرة: ” أصبحت أوضاع الناس كارثية في ظل الوضع الحالي، خصوصا مع استمرار عدم تسلم العديد من الموظفين لمرتباتهم الحكومية، منذ أكثر من عام، وهذا يستلزم عمل الحكومة على معالجة هذا الأمر.. الأوضاع تتجه من سيئ لأسوأ”.

الفشل السعودي

كثير من المراقبين يتحدثون الآن عن الفشل السعودي والطمع الحوثي اللذين كبدا اليمن الجراح تلو الحراج، ولكن السعودية على الأرض تواصل المحاولات بعد سقوط ورقة التوت، حيث أعلنت إيداعها ملياري دولار، كوديعة للبنك المركزي اليمني، في سبيل وقف انهيار الريال اليمني، ودخل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على خط التصريحات، بعد نداء الأمم المتحدة بشأن الأوضاع الإنسانية في اليمن، مؤكدا أن بلاده ودول التحالف العربي الذي تقوده المملكة، تعد لإطلاق عمليات إنسانية شاملة في اليمن، وفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.
الجبير علق الأزمة على شماعة “الحوثي “، حيث اتهم جماعة الأخير “بعمليات نهب وسرقة ومصادرة للمساعدات(منذ بداية الحرب)، من أبرزها: اعتراض أكثر من 85 سفينة مساعدات، وأكثر من 124 قافلة غذائية، وأكثر من 628 شاحنة مساعدات إنسانية، وأكثر من 5500 سلة غذائية، إضافة إلى قيامها بعمليات اختطاف وقتل لعمال الإغاثة في اليمن”، وفقا لذات الوكالة، مؤكدا أن بلاده قدمت مساعدات لليمن، بقيمة تجاوزت 10.2 مليار دولار منذ بداية الحرب، شملت المساعدات الإنسانية والإنمائية والتنموية والحكومية.
هي محاولات إذن من قائد عمليات الحرب في الوقت الضائع، خاصة مع استقرار التحليلات، منها ما أكده البروفيسور بنجامين ميلر في مقال بمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، عندما قال تحت عنوان “فشل سعودي”: “لم يفلح التحالف السعودي في الإطاحة بسلطة الحوثيين الذين يسيطرون على قدر كبير من البلد، بل إن حملة السعودية العسكرية عززت من التحالف بين الحوثيين والإيرانيين، خالقة بذلك قاعدة أخرى للنفوذ الإيراني في العالم العربي”، مشيرا إلى أن السعودية، في ظل الوضع الحالي، ذهبت إلى إسرائيل لمواجهة طهران، بعد أن شكلت لهما -بحسب الكاتب- “تهديدًا”، وهو السبب الرئيسي للتقارب الأخير بين البلدين.
الأمر تخطى التحليل، فقد كشفت وكالة “رويترز” للأنباء عن مصادرها داخل البيت الأبيض، أن مسؤولا أمريكيا كبيرًا -لم تنشر اسمه- أبلغ السعودية في أواخر العام الماضي، تحذير الولايات المتحدة للسعودية من أن الغضب في الكونجرس بسبب الوضع الإنساني في اليمن قد يحد من الدعم الأمريكي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وحثت واشنطن الرياض على السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير، وهو ما من خلاله فُهم معظم تصريحات الخارجية السعودية في الفترة الأخيرة بشأن المساعدات والموانئ.
وفي السياق ذاته وصفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية اليمنيين بأنهم ” شعب أتعبه الجوع والمرض والقتل”، ونقلت عن الضابط بالاستخبارات المركزية الأمريكية بروس ريدل- الذي نشر كتابا جديدا حول التحالف الأمريكي السعودي أسماه “ملوك ورؤساء”- وصفه للصراع في اليمن بـ”الجرح النازف” للسعودية والإمارات لصالح إيران، وقدرت نفقات طهران على هذا الصراع بـ1% مما تنفقه الرياض وأبو ظبي.