انتشرت أخباراً في الآونة الأخيرة حول قيام عشرات رجال الأعمال والمسؤولين في الإمارات بضخ الملايين لشراء منازل وعقارات من الفلسطينيين في القدس الشرقية، وهو ما يعتبره الفلسطينيون خطوة أخيرة في عملية إخراج الشعب الفلسطيني من أرضه خاصة وأن البعض يؤكد تورط السلطة الفلسطينية في الأمر.

تعتبر القدس الشرقية العاصمة الثقافية للشعب الفلسطيني والعاصمة المحتملة لأي دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل، لهذا السبب، كانت هدفاً لحركة الاستيطان الإسرائيلية “غير القانونية” منذ الثمانينيات وربما من قبل هذا التاريخ، ومنذ ذلك الحين، والعديد من منظمات المستوطنين الإسرائيليين تحاول شراء العقارات في المناطق الفلسطينية بالقدس.

على الرغم من حقيقة أن الدولة الإسرائيلية تسيطر على “استراتيجية الإسكان” في القدس الشرقية المحتلة، إلا أن تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل في أغلب الأحيان، حيث لا يزال بيع الممتلكات لليهود من المحرمات بالنسبة للفلسطينيين، كونه يساعد على التوسع الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية.
ومع ذلك، يبدو أن بعض منظمات المستوطنين الإسرائيليين قد وجدت طريقة للتغلب على عقبة العند الفلسطيني، تمكنها من السيطرة على الأرض بالكامل.

سكان القدس الشرقية قالوا ان منظمات المستوطنين الإسرائيليين تستخدم الفلسطينيين كوسطاء من أجل شراء العقارات في المناطق الفلسطينية، والكثير منها يقع بالقرب من الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية مثل المسجد الأقصى وكنيسة القبر المقدس، حيث يتم إيهام أصحاب العقارات ان تلك المنازل يتم شرائها لإماراتيين، لتصبح هذه هي الطريقة الجديدة التي سيتعامل بها المستوطنون من أجل طرد الفلسطينيين، فعلى الرغم من أن الاماراتيين هم من يشترون المنازل والعقارات، إلا ان المستوطنين الإسرائيليين هم الذين سينتقلون فعلياً إلى المنزل.

لا يمكن الجزم بفشل تلك المحاولات أو نجاحها، فالأمر المعقد، قد يرفض الفلسطينيون، ومع ذلك من المؤكد أن يستمر الضغط عليهم مع إغرائهم بالمال في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لذلك فمن المحتمل ان يدفع المشترون أكثر بكثير من القيمة الحقيقية للمنزل.

عند الحصول على عقار، يقوم “السمسار” الفلسطيني بالتوقيع على ملكية العقار لشركة خارجية، ثم يتم نقل الملكية إلى منظمة المستوطنين في وقت لاحق، ومن الأمثلة على ذلك بيع منزل عائلة جودة.

باع جودة منزلهم لرجل فلسطيني يدعى خالد العطاري ، الذي قام بنقل سند الملكية على الفور إلى شركة خارجية تدعى” Daho Holdings”، لينتقل بعدها إلى المستوطنين، وقد قال العطاري بعد ذلك أنه تعرض للخداع ولم يكن يعلم أن العقار سيصبح ملكاً للمستوطنين، وعندما اكتشف الجيران ما حدث، صبوا جام غضبهم على عائلة جودة، ليساهم المخطط الاستيطاني في نشر الخلافات بين أبناء المجتمع الفلسطيني.

في عام 2014 مثلاً، قام سمساران فلسطينيان، هما شمس الدين القواسمي وفريد ​​الحاج يحيى، بشراء عدد حوالي 25 منزلاً انتهى بهم الحال في أيدي المستوطنين الإسرائيليين، وكان البائعون الفلسطينيون قد ظنوا أن القواسمي يشتري منازلهم نيابة عن الجمعيات الخيرية في الإمارات، حيث كان معروفا أنه يعمل لصالح جمعية خيرية إماراتية.

المحامي المقيم في القدس، خالد زبارقة، الذي يعمل مع العائلات المتضررة في القدس الشرقية، صرح للجزيرة أنه “عندما يوافق الشخص على البيع ، فهذا يعني أنه قد استنفد كافة الخيارات الأخرى، معناه أنه لم يعد بإمكانه تسديد ديونه، فبالتالي حين تعرض إحدى الجمعيات الإماراتية شراء العقار، لن يتردد في الموافقة حيث يعتبرها فرصة للخروج من الفوضى التي يعيش فيها”.

في كثير من الحالات، سيدفع المشترون ثلاثة أو أربعة أضعاف قيمة المنزل، وهو عرض سيكون شبه مستحيل رفضه لعائلة فلسطينية تمر لضائقة مالية صعبة.
وفقًا للأكاديمي عبد الستار قاسم من جامعة النجاح، فإن استخدام الوسطاء الفلسطينيين لا يتم لجعل أصحاب العقارات اكثر حماسة على البيع وحسب، ولكن لكي يثبت للعالم أن الفلسطينيين هم من باعوا، وأن من يتحمل مسؤولية تلك الصفقات هم الفلسطينيون أنفسهم وليس دول الخليج أو دول عربية أخرى.

النائب العام الفلسطيني أحمد براك ادعى أن حساب السلامين تلقى أموالاً من شركة يملكها منافس سياسي رئيسي للرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، والمقصود هو محمد دحلان، ويعمل دحلان حاليا في الإمارات العربية المتحدة كمستشار خاص لولي العهد الأمير محمد بن زايد في أبوظبي، وقد تم رجل الأعمال الفلسطيني فادي السلامين بتجميد حسابه البنكي من قبل السلطة الفلسطينية عندما حاول بيع منزله، وذلك بعد أن اتهمت السلطة الفلسطينية السلامين باستخدام الحساب للتصرف في “أموال مشبوهة”.

أدت هذه الروابط إلى تكهن الكثيرين بأن كبار المسؤولين في الإمارات العربية المتحدة يشاركون في بيع المنازل الفلسطينية للمستوطنين، حيث قال كمال الخطيب ، نائب زعيم الحركة الإسلامية في إسرائيل “رجال الأعمال الإماراتيين هم وراء هذه الصفقة”، لا شك في أنهم حصلوا على مساعدة من بعض الفلسطينيين الذين ساعدوهم على تمرير هذه الصفقات.

وفقًا للأستاذ قاسم: “معظم الوسطاء فلسطينيون وأولئك الذين يتلقون رشاوى من هؤلاء الوسطاء هم فلسطينيون مؤثرون من داخل السلطة الفلسطينية”. وهذه الأنواع من المضاربات هي التي قد تقدم تفسيراً لسبب عدم قيام السلطة الفلسطينية بعمل ما. وظيفة أفضل في البحث عن هويات المشترين المحتملين.

وعلى الرغم أن السلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية وليس لديها أي سلطة سياسية مباشرة في القدس، فإن سكان القدس الشرقية غالباً ما يطلبون من السلطة الفلسطينية استخدام قدراتهم الاستخباراتية للبحث عن خلفيات من يبيعون المنازل في المدينة، إلا أنها جميعاً تحقيقات صورية لا تسفر عن شيء.

اللافت للنظر أن عدنان الحصيني، حاكم القدس السابق التابع للسلطة الفلسطينية، وقع على الصفقة التي تمت بين العطاري وجودة، وقد حصل كل من القواسمي والحاج يحيى على موافقة السلطة الفلسطينية كذلك، نظرًا لعدم وجود سلطة مباشرة للسلطة الفلسطينية على القدس الشرقية.

الفلسطينيون يعانون الآن من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وكذلك من عدم وجود سلطة حقيقية يلجؤون إليها في حال تعرضهم لعمليات احتيال أو ابتزاز للبيع مهما كان لديهم من مستندات، لذلك فإن الأمور تتأزم أمام السكان العرب يوماً بعد يوم خاصة مع تزايد أعداد المستوطنين القادمين للعيش في القدس الشرقية، ليعد هذا بمثابة مسمار آخر في نعش أي دولة فلسطينية من المقرر ان تقام.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا