يوماً يعد الآخر، يزداد السباق المحموم  نحو التطبيع من قبل بعض الأنظمة العربية، حيث يدور الحديث مؤخرا عن اقتراب لحوق السودان بركب التطبيع مع إسرائيل، في ظل تزايد للضغوط الأمريكية والإماراتية لإجبار السودان على إبرام صفقة تطبيع مجانية على غرار ما فعلته الإمارات والبحرين وفق ما يري مراقبون.

استعداد سوداني

وفي تطور لافت، ذكرت دبلوماسية إسرائيلية، أن السودان يبدي استعداده لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، مقابل رفع الولايات المتحدة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مشيرة إلى أن الكرة بملعب الخرطوم. 

وقالت الدبلوماسية الإسرائيلية رينا باسيست في مقالها على موقع المونيتور، إن “السودان قد يكون مستعدا لإقامة علاقات مع إسرائيل، لكنه يحتاج أولا أن تزيله الولايات المتحدة من قائمة الدول الراعية للإرهاب، رغم الحديث الإسرائيلي عن وجود الكرة الآن في ملعب الخرطوم، التي يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستقبل أم لا، بالاقتراح الذي قدمه المسؤولون الأمريكيون في أبو ظبي قبل 10 أيام لصفقة رباعية”.

وأضافت أن “هذه الصفقة قيد التنفيذ بعيدة عن البساطة، حيث ستحقق إسرائيل علاقات مع دولة أفريقية ذات أهمية استراتيجية على شواطئ البحر الأحمر، وتحصل الولايات المتحدة على نظام انتقالي معزز، فيما يستفيد السودان من شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ويتلقى مساعدات مالية سخية؛ فيما تنال الإمارات العربية المتحدة على إنجاز دبلوماسي للتوسط بهذه الصفقة، بجانب فاتورة ضخمة للدفع المالي”.

وأوضحت باسيست، الموظفة السابقة بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ومساعدة السفير بكولومبيا، وتعمل بوكالة الأنباء الأمريكية وجيروزاليم بوست، أن “الخرطوم صحيح لم تتخذ قرارا علنيا بتجديد العلاقات مع تل أبيب، لكن المؤشرات تشير إلى أنها تسير على هذه الخطوة”.

وأشارت إلى أن “السودان تحكمه الآن حكومة انتقالية مؤلفة من ضباط عسكريين ومدنيين، ويبدو أن الجيش يدفع لتجديد العلاقات مع تل أبيب، فيما تخشى القيادة المدنية أن يرفض الشعب قبول هذه الخطوة، خاصة بعض القوى الإسلامية التي تم تنحيتها جانبا بعد سقوط البشير، لأن إثارة الغضب العام بهذه الفترة الانتقالية آخر شيء تحتاجه الحكومة الآن”.

وختمت بالقول بأن “تل أبيب تدرك جيدا الآراء المتباينة داخل القيادة السودانية حول إقامة علاقات دبلوماسية معها، وتسمح لواشنطن القيام بهذه المهمة الثقيلة، وعلى عكس الإمارات، فلا تتوقع إسرائيل تدفق العلاقات التجارية إذا أقيمت العلاقات مع السودان، ولا حماسا كبيرا في شوارع الخرطوم، ولا تدفق السائحين الإسرائيليين للسودان، بعكس أنهم يحلمون بالسفر لدبي، حتى لو تم توقيع اتفاق التطبيع”.

خلاف داخلي

وفي سياق متصل، تطرق كاتب إسرائيلي إلى الخلافات الداخلية التي تعصف في السودان؛ إزاء الإقدام على تطبيع العلاقات مع “تل أبيب”.

ويقول إيتمار أيخنر، في تقريره على صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن تطلع السودان للدعم الأمريكي لاقتصاده، وتسريع إزالته من قائمة الإرهاب، يواجه “تخوفا من تأجيل الكونغرس لهذه الخطوة؛ بسبب الاتهامات الموجهة لنظام البشير السابق”.

وشددت الصحيفة على أن “موضوع التطبيع يعتبر خلافيا بدرجة عالية بدرجة قد يؤدي إلى زعزعة استقرار البلد الخارج من ثورة أطاحت بنظام سابق العام الماضي.

ووفقا للكاتب، فإن مجلس السيادة العسكري والحكومة المدنية الانتقالية “يفضلان” الانتظار حتى انتخابات

2022، من أجل اتخاذ مثل هذا “القرار التاريخي”.

وأضاف أن “السودان، الدولة الفقيرة المنكوبة، لم تخرج بعد من المأزق الاقتصادي الناتج عن إدراجه في قائمة الإرهاب الأمريكية، ورغم أن مجلس السيادة العسكري السوداني أقر بالفعل بأن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ستسرع بشكل كبير من الإجراءات التسهيلية، لكن الحكومة الانتقالية المدنية ترى في ذلك خطوة بعيدة المدى، وترفضها”.

ولفت إلى أن رئيس وزراء السودان، عبد الله حمدوك، يعتبر أن التطبيع مع إسرائيل “ينطوي على الكثير من المشاكل، ويدعو لمناقشة الخطوة بعمق”، في المقابل، فإن رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، يقول إنه “يجب اغتنام الفرصة لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب”. ما يشير إلى “خلافات سودانية داخلية واضحة تجاه التقارب مع إسرائيل”.

 وأكد “إيخنر”، أن “جزءا من الخلاف الداخلي في السودان حول التطبيع مع إسرائيل ينبع من حقيقة أن الأجنحة الليبرالية للحكومة الانتقالية تجعل من الصعب إقامة علاقات معها، فقد دافعوا لسنوات عن مطالب الفلسطينيين بإقامة دولة ذات سيادة، ما يجعل من إقامة علاقات مع إسرائيل خطوة حساسة بالنسبة للسودان، لأنه حتى وقت قريب، في عهد عمر البشير، كانت السودان دولة معادية، بل إن إسرائيل هاجمت أهدافا على أراضيه في الماضي”.

وأشار إلى “التوجه الذي يقوده رئيس الوزراء حمدوك بأن الحكومة الانتقالية ليس لديها تفويض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتفضل التركيز على تحقيق الاستقرار في البلاد قبل انتخابات 2022، رغم أن رفع السودان عن قائمة الإرهاب أمر يثير خلاف داخلي أيضا في المؤسسة الأمريكية، بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية من جهة، والكونغرس من جهة أخرى”. 

رفض شعبي

ومع تزايد الحديث حول اقتراب السودان من التطبيع، تزداد ردود الأفعال الرافضة من قبل هيئات رسمية وأخري شعبية، حيث أصدر مجمع الفقه الإسلامي، في السودان، فتوى بتحريم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في كافة المجالات، بعد تصريحات لعدد من المسؤولين السودانيين عن التباحث مع الإدارة الأمريكية بشأنه.

وقال المجمع إن حماية وتحرير المقدسات الإسلامية من المغتصبين ومنها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، واجب على المسلمين.

وأضاف: “إسرائيل دولة محتلة معتدية على حقوق الشعب الفلسطيني، ومغتصبة لأرض ليست لها، وهذا أمر تتفق عليه الشرائع السماوية والاتفاقيات الدولية، والضمير الإنساني الحر، باعتباره ظلما وعدوانا”، وشدد على أن المصلحة المقصودة من تطبيع السودان، “متوهمة، والمفسدة الدينية والدنيوية راجحة”.

وتصاعدت في السودان، خلال الأيام الأخيرة، المواقف الرافضة لأي استجابة من السلطة الانتقالية، للضغوط الإقليمية والأميركية للقبول بالتطبيع مع إسرائيل، حيث دشن رئيس حزب “الأمة القومي”، رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي حملة شعبية من خلال ندوة سياسية، لمناهضة التطبيع مع إسرائيل. وتعهد في الندوة بتبيان الحقائق للمواطنين “حتى لا يُخدعوا بعبارة السلام ونبذ الشعار التهريجي: السلام مقابل السلام” وفق قوله.

 وأشار المهدي إلى أن حزبه سيدعو القوى السياسية والمدنية، واللجان الثورية، والتكوينات التقليدية القبلية، والصوفية، وسائر المنظمات الإسلامية لاتخاذ موقف شعبي موحد.

من جانبه،  رأى الكاتب الصحافي عبد الماجد عبد الحميد، أن القاعدة السياسية والشعبية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل في تنامٍ وتصاعد مستمر، منبهاً إلى وجود أفراد، حتى داخل المكون العسكري، يرفضون هذا التوجه من ناحية مبدئية وأخلاقية، عدا مواقف غالب القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إضافة للتيار الشعبي العريض. 

وأوضح “عبد الحميد”، أن الكثير من المؤيدين للتطبيع لا يتخذون مواقفهم تلك عن قناعة بل بموجب فقه الضرورة، غير أنه أبدى خشيته من أن يستسلم التيار المناهض في نهاية المطاف للأمر مع اشتداد الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تواجه المواطن السوداني.

 وأكد الصحفي السوداني، أنه حال حدث ذلك الاستسلام، ورفرف علم الكيان الصهيوني في سماء الخرطوم، فإنه سيكون مجرد تطبيع شكلي، لن يأبه به الشعب السوداني، شأنه شأن كل الشعوب التي وجدت نفسها مُجبرة أمام توجهات أنظمتها.