إن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الاستجابة للمطالب الأمريكية بشأن المساعدات الغذائية لغزة أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً، ويضر بشعبية بايدن – ويفتح الباب أمام عودة دونالد ترامب.

 

الواقع في غزة يزداد قتامة يومًا بعد يوم، بعد أشهر من رؤية المدنيين يحزنون على أحبائهم الذين قتلوا بسبب القنابل والقصف الجوي، نرى الآن أطفالًا لا حول لهم يكافحون من أجل الحصول على لقمة عيش، لقد تحولوا إلى ضحايا لمجاعة -من صنع الإنسان- كما أجمعت الوكالات الإغاثية والحقوقية.

ما يحدث في غزة بالطبع يبين حجم الكارثة التي يعاني منها المدنيون في غزة الآن، لكن على صعيد آخر، يكشف عن شيء يمكن أن يكون له آثار دائمة على الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى الأميركيين، وعلى العالم أجمع، إنه يكشف صراحة ضعف رئيس الولايات المتحدة.

 

ظل جو بايدن وكبار مساعديه يطلبون من إسرائيل زيادة تدفق المساعدات الغذائية إلى غزة منذ أشهر، بعبارات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وهذا الأسبوع، استشهد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بالنتائج التي توصلت إليها وكالة مدعومة من الأمم المتحدة بأن خطر الجوع يواجه الآن “100% من سكان غزة”، مضيفًا أن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها الهيئة مثل هذا البيان، وفي وقت سابق من هذا الشهر، قالت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، لإسرائيل إنها بحاجة إلى القيام بكل ما يلزم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة: “لا توجد أعذار”، في المقابل ماذا فعلت إسرائيل؟ لا شيء… تجاهلت كل هذه المطالبات كأنها لم تكن.

 

حاولت إسرائيل أن تظهر استجابة للمطالبات الأمريكية بفتح معبر إضافي، يسمى البوابة 96، لكنها استجابة مثل العدم، إذ أنها أبقت القيود مفروضة على إدخال المساعدات، بل تفرض إسرائيل حظرًا على المواد “ذات الاستخدام المزدوج”، تلك الأشياء التي يمكن استخدامها كأسلحة إذا وقعت في أيدي حماس، وهذا الحظر يشمل أي شيء يأتي في نفس الشاحنة التي تضم هذه الأدوات، يعني أنه حتى إدراج مقص بسيط في العيادة يتم إعادة الشاحنات بأكملها.

 

ضحايا هذه القرارات أولًا وأخيرًا هم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، والذين لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وكما ذُكر أعلاه، هذا الوضع يفضح ضعف الإدارة الأمريكية، وتحديدًا بايدن الذي يجد نفسه في مأزق الآن لأنه في عام إعادة انتخابه، ويسعى إلى إعادة تجميع الائتلاف الذي جلب له النصر في عام 2020. في ذلك الوقت، كانت الدائرة الانتخابية الحاسمة هي الشباب، حيث كان الناخبون تحت سن الثلاثين يفضلون بايدن على دونالد ترامب بفارق 25 نقطة. الآن لا شك أن هناك عوامل عديدة تفسر هذا التحول، ولكن أحد هذه العوامل يتلخص في غضب الأميركيين الشباب إزاء المحنة التي يعيشها قطاع غزة.

 

ويتجلى التهديد بإعادة الانتخاب بشكل أكثر حدة في ولاية ميشيغان التي تمثل ساحة المعركة، والتي يسكنها 200 ألف أمريكي عربي يشعرون بالفزع على نحو مماثل، حيث أكد العديد منهم بشكل لا لبس فيه أنهم لن يصوتوا لصالح بايدن، حتى لو كان ذلك يهدد بعودة ترامب. وهذا الرقم أكثر من كافٍ لتحويل الولاية من الديمقراطي إلى الجمهوري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل -وقت الانتخابات-.

 

سيكون الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذا السياق بمثابة صداع لأي رئيس ديمقراطي، لكن استعداد إسرائيل لتحدي أهم حليف لها يضغط بشكل خاص على بايدن. فمن ناحية، من المفترض أن يكون الجانب الإيجابي من عمره الكبير هو خبرته في الشؤون الخارجية، وخاصة علاقاته الشخصية مع زملائه من زعماء العالم، خاصة وأنه يحب أن يقول إنه يعرف كل رئيس وزراء إسرائيلي منذ غولدا مئير، وإنه يتعامل مع نتنياهو منذ عقود.

 

وهذا هو جوهر الأمر، في معظم تاريخ إسرائيل، كان يُنظر إلى أن أي اعتراض يأتي من رئيس أمريكي يكفي لجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يغير مساره، مثلما فعل أيزنهاور حين تسبب اعتراضه إلى إنهاء حرب السويس عام 1956. كما أنهت مكالمة هاتفية من رونالد ريغان القصف الإسرائيلي لبيروت الغربية عام 1982. وفي عام 1991، دفع جورج بوش الأب رئيس وزراء الليكود لحضور مؤتمر مدريد للسلام، من خلال حجب ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار.

 

لكن هذه المرة الأمر مختلف، لقد أعرب بايدن مراراً وتكراراً عن استيائه، ومع ذلك فإن نتنياهو لم يتزحزح، موقف نتنياهو يجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة، وبالنسبة لبايدن على وجه الخصوص، فهذا أمر مميت. في تصريح لديفيد أكسلرود، المستشار الكبير السابق لباراك أوباما، في برنامج Unholy: “”المعنى الضمني للحملة الجمهورية بأكملها هو أن العالم خارج عن السيطرة وأن بايدن ليس في القيادة… هذه هي حجتهم في الأساس، وهم ينظرون إلى عمر بايدن بأنه رمز للضعف”.

 

بايدن الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأفضل هو أن تحدث انفراجة في المحادثات في قطر، والتي من شأنها أن تشهد إطلاق سراح بعض الرهائن الذين احتجزتهم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتوقف القتال، مما يسمح بتدفق المساعدات. ولكن نتنياهو يخشى مثل هذا التوقف، الذي قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، فالتعجيل بيوم الحساب لدوره في ترك المجتمعات الجنوبية في إسرائيل مكشوفة بشدة أمام حماس منذ ستة أشهر ـ سواء كان ذلك الحساب على أيدي الناخبين أو لجنة تحقيق، وهو يفضل اللعب على كسب الوقت، ومن الناحية المثالية حتى نوفمبر/تشرين الثاني، عندما يأمل نتنياهو في توديع بايدن والترحيب بعودة ترامب.

 

الخيار الثاني بالنسبة لبايدن أصعب، في الشهر الماضي، أصدر بروتوكولاً جديداً يطالب الدول التي تتلقى أسلحة أميركية بأن تؤكد كتابياً أنها تلتزم بالقانون الدولي، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، وإذا لم تصدق الولايات المتحدة على هذا الإعلان، فستتوقف جميع مبيعات الأسلحة على الفور، وفي حالة إسرائيل، فإن الموعد النهائي للتصديق هو يوم الأحد.

 

لا يريد جو بايدن أن يكون الرجل الذي توقف عن تسليح إسرائيل، لأسباب ليس أقلها أن ذلك من شأنه أن يترك البلاد عرضة للترسانة الهائلة لحزب الله عبر الحدود الشمالية مع لبنان، إن إدارته منقسمة بشأن هذه الخطوة، وربما يعتبر ذلك أكثر من اللازم، لكنه يريد الضغط من أجل إدخال المساعدات لغرة علي الفور، كل هذا ستثبته الأيام القليلة القادمة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا