العدسة – بسام الظاهر

يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فرض سيطرته التامة على الأوضاع في المملكة، ليس ذلك النوع من السيطرة على الشعوب الذي يقوم به الحكام، ولكن تحجيم وتقويض دور العائلة الحاكمة.

وتشهد العائلة المالكة في السعودية حالة غضب شديدة جراء تحركات “بن سلمان” التي يحاول بها ترسيخ حكمه المنتظر بعد وفاة والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أو من خلال تنازله عن العرش لنجله.

هذا الغضب نابع من عدة تحركات من ولي العهد تجاه العائلة المالكة، من دون استبعاد وجود رفض لسياسات “بن سلمان” المتهور، التي قد تؤثر على أمن واستقرار المملكة، وتدخلها في صراعات مع عدة أطراف في آن واحد.

قيود “بن سلمان”

هذا الغضب من العائلة المالكة واجهه “بن سلمان” بعدة إجراءات كان أحدثها، ما كشفت عنه تسريبات لقرار وصف بـ “السري” صادر من وزير الداخلية السعودية لمدير إدارة الجوازات.

القرار السري، يعطي تعليمات محددة تجاه التعامل مع الأسرة المالكة وكبار المسؤولين في الدولة دون استثناء، إذ يقضي بتفتيش الأمتعة والحقائب والطائرات الخاصة، وكبار المسؤولين في الدولة ومرافقيهم.

ونص القرار الذي حصلت “العدسة” على نسخة منه، “عدم تطبيق أي استثناءات في تفتيش أمتعة كل من يقدم للمملكة أيًّا كان، ودون استثناء أو تساهل لكافة الشخصيات والمناصب”.

وأكدت التعليمات “تطبيق التفتيش على الأمراء ومرافقيهم، والوزراء وكبار المسؤولين، دون استثناء، وإجراء التفتيش الدقيق على كل الأمتعة بلا استثناء، بما في ذلك الحقائب اليدوية، والطرود الخاصة، بجميع منافذ الدخول والخروج جوًّا وبرًّا وبحرًا، بمن في ذلك مستخدمو طائرات الأسطول الملكي، والطائرات الخاصة، والطائرات الأخرى، ووسائل النقل كافة”.

هذا القرار صدر في أعقاب اعتقال محمد بن سلمان عددا كبيرا من الأمراء والمسؤولين مطلع الشهر الجاري، بدعوى اتهامهم في قضايا فساد، بعد أمر ملكي بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد.

الأمير ” الوليد بن طلال “

 

الأمير ” متعب بن عبد الله “

وقد يبدو من هذا القرار أنه يساوي بين الجميع في المملكة، كما حاولت بعض الحسابات التي ربما تتبع لجانا إلكترونية خاصة بولي العهد، وسط محاولات توجيهه لتجميل صورة “بن سلمان”.

ولكن هذه المحاولات يمكن فهمها إذا صدرت في غير التوقيت الذي صدر فيه القرار من وزير الداخلية، إذ إنه جاء خصيصا لمنع مغادرة أي أمير للمملكة، بما يؤكد وجود رغبة من “بن سلمان” لتوسيع دائرة الاعتقالات للأمراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، وهو ما حدث بالفعل إذ زاد عدد المعتقلين لما يزيد عن 200 شخص.

كما أن القرار يعبر عن رغبة دفينة من ولي العهد في السيطرة على الأسرة الحاكمة التي تمثل له صداعا كبيرا في رأسه، خاصة وأن الأمراء والأعيان ورجال الأعمال هم القادرون وحدهم على تهديد وصوله للعرش، ولذلك فضل الإطاحة بهم.

رأت وكالة “بلومبرج” أن قرار إقالة الأمير متعب من المؤسسة التي تسيطر عليها قبيلة الملك عبد الله قد يؤدي إلى مزيد من الشقوق” داخل العائلة المالكة في السعودية.

واعتبرت أن جملة القرارات التي اتخذها الملك سلمان في 4 نوفمبر 2017 بمثابة “تهميش” لأعضاء آخرين من العائلة المالكة لمنع أي معارضة لولي العهد.

” نص القرار “

إحكام السيطرة

لا شك أن قرارات الاعتقال لم تكن بسبب ما جاء في الأمر الملكي السعودي بالتورط في الفساد، خاصة وأن هذه المسألة جاءت في توقيت غريب بعد خطوات متلاحقة مع “بن سلمان” للسيطرة والإطاحة بكل معارضيه.

وتحرك “بن سلمان” واعتقال الأمراء؛ إما أنه كان عفويا للإطاحة بالتكتل المعارض لتوجهاته في السيطرة على الحكم، وعدم رغبته في وجود أي نوع من المعارضة له، خاصة من الأمراء ورجال الأعمال النافذين.

أما السيناريو الثاني فهو أنه كانت هناك بالفعل نية للإطاحة بمحمد بن سلمان من الحكم، ومنع وصوله إلى كرسي الحكم بشكل رسمي، وبالتالي استبق ولي العهد هذه التحركات وقطع الطريق عليهم، من خلال القضاء على هذا المخطط.

خطوة اعتقال الأمراء كان لها صدى واسع غاضب داخل العائلة المالكة، خاصة وقد ظهر “بن سلمان” وكأنه سيقتلع كل من يقف أمامه في سبيل حلمه بالوصول للحكم.

” محمد بن سلمان “

وفي هذا الإطار تذهب بعض التقديرات إلى أن “بن سلمان” ربما كان متورطا في مقتل عبد العزيز بن فهد خلال القبض عليه، واستهداف طائرة منصور بن مقرن نائب أمير عسير.

مكمن الغضب بالعائلة المالكة يتعدى كل هذه القضايا- وحتى يتعدى إطاحة “بن سلمان” بولي العهد السابق والرجل القوي محمد بن نايف لكي يحل محله، والذي يتردد أنه قيد الإقامة الجبرية في منزله- ولكن في الأساس لاختيار الأمير الشاب في منصب ولي العهد، باعتبار أن هناك من أبناء الملك المؤسس- مثل الأمير أحمد بن عبد العزيز- من هو أحق بولاية العهد.

وكان أحمد بن عبد العزيز، أحد ثلاثة يخشاهم “بن سلمان” في طريقه للحكم، بحسب ما ذكر تقارير إخبارية.

الأمير ” أحمد بن عبد العزيز “

ولكن كانت الإطاحة بمحمد بن نايف وهو أحد أبرز أمراء العائلة الحاكمة ولديه علاقات مع دوائر صناعة القرار في أمريكا وعدة دول كبيرة، كانت بمثابة مؤشر لما يمكن أن يقوم به “بن سلمان” تجاه كل أمراء العائلة المالكة.

حساب “مجتهد” الشهير الذي يزعم أنه ينقل من داخل دوائر صنع القرار بالمملكة، أكد اتخاذ “بن سلمان” لهذه الخطوات تجاه الأمراء بعد الإطاحة بمحمد بن نايف.

وقال في يونيو الماضي: “إن الخطوات التالية من انقلاب محمد سلمان هي إصدار قرارات تجميلية تحسن صورة ولد سلمان، وحملة اعتقالات ضخمة تشمل أشخاصا في الأسرة الحاكمة، ثم خلال أيام سيتنازل الملك سلمان عن الحكم لابنه”.

وأضاف: “المعلومات التي بحوزتي تؤكد أن هناك غضبا داخل آل سعود واتصالات ساخنة لكن لم يتبين إن كان سيتمخض عنها تمرد على هذه القرارات أو ستُـحتوى”.

الأمير ” محمد بن نايف “

معارضة بالخارج

ثمة جانب هام لقرار وزير الخارجية الذي بالتأكيد كان صادرا من ولي العهد، هو عدم تسهيل خروج الأمراء من السعودية بأموال أو متعلقات ثمينة في الطائرات الخاصة أوطائرات العائلة المالكة.

وبدا من عدد الأمراء الذين تم اعتقالهم أن بعضهم ربما تم القبض عليه خلال محاولة مغادرة السعودية في أعقاب اعتقال الأمراء مطلع الشهر الجاري.

وهنا فإن تخوفات “بن سلمان” يمكن فهمها ليس في إطار الحرص على السيطرة فحسب، ولكن أيضا لضمان عدم تشكيل تكتلات معارضة لسياساته من الأمراء خارج المملكة.

وتكرار تجارب سابقة في ظهور أمراء معارضين لنظام الحكم في السعودية، بداية من تنظيم “الأمراء الأحرار“، والذي كان يتزعمه الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، والد الأمير المعتقل الوليد.

الأمير ” طلال بن عبد العزيز آل سعود “

كما أن السعودية اختطفت ثلاثة أمراء كانوا يقيمون في أوروبا خلال العامين الماضيين، وهو ما تم الكشف عنه بشكل كبير في وثائقي لقناة “بي بي سي”.

وبالتأكيد فإن عدم السماح للأمراء بمغاردة المملكة دون أي أموال يعزز من فرص عدم القدرة على السفر والإقامة بالخارج، أو القيام بأي تحركات ضد “بن سلمان”.