تردد مؤخراً اعتزام مصر على الانسحاب من تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي بقيادة الولايات المتحدة (الناتو العربي)، إلا أنه وحتى الآن لم يتم الإعلان رسمياً عن ذلك القرار، لما له من تداعيات على التطور المستقبلي للكتلة الأمنية.

 وكالة رويترز ذكرت في مقال لها نُشر في 10 أبريل/نيسان الماضي، أنه وبحسب أربعة مصادر صرحوا لها بشكل حصري، فإن مصر انسحبت بالفعل من تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (MESA)، حيث شككت القاهرة في “جدية المبادرة”، ما ضاعف من قلقها بشأن أي رد فعل غير محمود العواقب قد ينعكس عليها في حال استمرت في التحالف، كما أفاد مصدر عربي رفض الإفصاح عن هويته أن “الخطة” ستزيد من توتر العلاقات مع إيران.

تردد أيضاً وبقوة أن القاهرة أبلغت الولايات المتحدة وبقية دول التحالف العربية قرارها بالانسحاب من التحالف الأمني قبل أيام من اجتماع عُقد في الرياض، حيث لم ترسل مصر أي وفد لحضور الاجتماع، والذي كان يهدف إلى تتويج الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة بعقد اتفاقية أمنية وسياسية واقتصادية مع الحلفاء العرب “السُنة”.

انسحاب مصر يعني توجيه ضربة لجهود إدارة ترامب، والتي تسعى بكل قوتها لوقف التمدد الإيراني في الشرق الأوسط.

 

ما هو تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي؟

 تم الإعلان لأول مرة عن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، أو كما هو متعارف عليه بـ “الناتو العربي”، في مايو/أيار 2017 خلال زيارة قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية، حيث أعلن عن رغبته في تكوين تحالف سيساهم بصورة كبيرة في “نشر السلام والأمن في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام”.

التحالف كان يهدف أن يضم دول مجلس التعاون الخليجي الستة (السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان والكويت) والأردن ومصر مع الولايات المتحدة في كيان أمني واحد، ومنذ 2017 وكبار المسؤولين في إدارة ترامب يسعون جاهدين للضغط من أجل تأسيس تحالف عسكري إقليمي.

بالإضافة إلى الاستقرار المنشود الذي يطلع إليه الشرق الأوسط، والذي قد يتحقق بهذا التحالف، فإن للتحالف فوائد أخرى على الولايات المتحدة نفسها، حيث أعرب مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون”، ووزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو عن تفاؤلهما في أن يساعد “الناتو العربي” في الحد من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، كما كشفت رويترز عن حصولها وثيقة سرية مُسربة من البيت الأبيض العام الماضي أن واشنطن تأمل أيضاً في أن تحد الكتلة الأمنية الجديدة من “النفوذ الإقليمي المتزايد لروسيا والصين”.

الكثير من مؤيدي فكرة تحالف “الناتو العربي”، يرونه كالناتو العالمي، في أن المصالح الاقتصادية والسياسية والخوف المشترك من إيران سيكون كافياً لجمع الدول العربية في تحالف واحد، إلا أن انسحاب أكبر دول شمال إفريقيا من حيث عدد السكان، وصاحبة أحد أقوى جيوش العالم العربي من الكتلة الأمنية المأمولة قد يتسبب في انهيار المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة حتى قبل إطلاقها.

 

وأد في المهد

 فكرة التحالف العربي-الأمريكي الاستراتيجي لم تواجه إلا العديد من العقبات والعراقيل منذ طرحها لأول مرة في مايو/أيار 2017، البداية كانت عندما قطعت كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وقاموا بفرض حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على الدولة الخليجية الصغيرة، فيما بررته اللجنة الرباعية لدول الحصار بأن الدوحة تدعم منظمات وكيانات إرهابية، كما تدعم سياسيات إيران في المنطقة.

اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان بمثابة عقبة أخرى أمام تشكيل “الناتو العربي” بقيادة الولايات المتحدة، حيث تبع تلك العملية

غضب دولي كبير، أعقبه توتر في العلاقات بين الرياض وواشنطن لا زالت آثاره موجودة حتى الآن، على الرغم من نفي الرياض المستمر تورطها في عملية القتل حيث اتهم المسؤولين الأتراك وبعض المشرعين الأمريكيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بإصدار أوامره المباشرة لتنفيذ عملية الاغتيال.

تلك العقبات أحبطت جهود واشنطن المتسمرة لمحاولة جمع الأعضاء المحتملين في تحالف “الناتو العربي” لحضور قمة في الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق مبدئي لتأسيس التحالف، كما تردد أن مصر أرجعت تخوفها من الانضمام للتحالف إلى توقعاتها بأن ترامب لن يُنتخب لولاية ثانية، لتتكون لديها شكوك حول رؤية الرئيس الجديد الذي سيخلفه لمبادرة “الناتو العربي”، وإن كان سيدعمها أم لا.

 

طهران رحبت بانسحاب القاهرة

بهرام قاسمي- المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، علق على قرار انسحاب مصر من التحالف العربي-الأمريكي الاستراتيجي قائلاً “إذا تم تأكيد انسحاب القاهرة من الناتو العربي فإن طهران سترحب بهذه الخطوة”، مضيفاً في تصريحات لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية “مصر بلد مهم وقوي في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، يمكنها أن تلعب دوراً رئيسياً في إحلال السلام والاستقرار والأمن في منطقة غرب آسيا”.

كما استبعد قاسمي أن تحقق المبادرة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة أي نجاح في المستقبل، حيث قال “ربما نجح حلف الناتو في العالم الغربي، إلا أن هذا تم في ظل ظروف تاريخية وجغرافية معينة، وبناءً على سلسلة من القيم والضروريات المعينة، ومع ذلك فمن غير المرجح أن يُعاد إنتاج تحالف مماثل في العالم العربي.

على الرغم من التدابير الواضحة التي تتخذها مصر تعبيراً عن رغبتها في الانسحاب من “الناتو العربي”، إلا أن بقية أعضاء الكتلة الأمنية المحتملين لا زالوا متمسكين بالمبادرة ويسعون في إتمامها، بل ومن المرجح أن يقوموا بالضغط على مصر دبلوماسياً لإلغاء انسحابها- بحسب مصادر لرويترز.

جميعها محاولات لا يمكن الجزم بنجاحها، خاصة في ظل مكافحة الرياض للهروب من شبح اغتيال خاشقجي ومواجهة أزماتها الخليجية الأخرى، إلا أنه لا زال هناك حافزاً ضئيلاً لأن تظل القاهرة جزءً من التحالف العسكري لواشنطن.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا