يتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات مجلس نواب جديد في مسار شكلي يسعى من خلاله العسكري الانقلابي عبد الفتاح السيسي إلى إيهام الرأي العام الداخلي والخارجي أنه يستند إلى شرعية انتخابية وأن كل الخيارات التي يتخذها نابعة من الشعب وهو بالتالي يمارس حكما ديمقراطيا حقيقيا . ورغم أن جميع المطلعين على ما يدور في مصر الكنانة يدركون تماما أن محاولات تزييف وجه الحقيقة وحجبها عن الأعين باتت مكشوفة وفاشلة تماما، إلا أنه لا شيء يقنع الانقلابيين بالرجوع عن هذا النهج البائس.

وقد ضم المجلس النيابي الذي تمّ انتخابه في العام 2015 بعد عام من تولي السيسي الحكم، أغلبية مؤيدة له، ومجموعة صغيرة من نواب المعارضة، وبعد خمس سنوات من التشريع، يرى مراقبون أن عمل النواب كان “محبطا”. إذ أصبح المجلس جهازا تابعا للسلطة التنفيذية وليس سلطة تشريعية حقيقية.  فلم يراجع البرلمان سياسات الحكومة ولو في مناسبة وحيدة كما لم يؤد الوظائف المنوطة بالبرلمانات عادة.

وفي ظل هذا الوضع المتردي، قابل الشعب المصري دعوات الذهاب إلى الانتخابات بالتجاهل التام والسخرية على اعتبار أن المسار السياسي كله أصبح بلا جدوى ولا مصلحة للمواطنين في كل ما يجري بعد أن أصبحت السلطة الرسمية في واد وباقي المصريين في واد آخر. 

ويرجح مراقبون أن الانتخابات التشريعية ستتسم بنسبة مشاركة ضعيفة جدا بسبب عدم اكتراث الناخبين.

ورغم الأبواق الإعلامية التي جيشها السيسي لفائدته في محاولة لإقناع الناخبين بالإنجازات الوهمية التي قام بها ورغم حملات الترغيب بل وحتى الترهيب لمن يقاطعون الانتخابات ووصفهم بأوصاف كثيرة مثل المتواطئين مع العدو وعديمي الوطنية وغيرها، فإن عموم الشعب المصري الذي اكتشف الخديعة الكبرى التي تعرض لها إبان الانقلاب على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي لم تعد تنطل عليه كل هذه الترهات وبات محصنا من السموم التي تبثها وسائل الدعاية الرسمية بل أصبح لا يتابعها أصلا ويكتفي باستقاء الأخبار من الفضائيات التي تبث من الخارج.

وعوضا عن اتباع سياسة أكثر لينا وانكبابا على مشاغل الناس ومعالجة آلامهم، اختار العسكري المسعور نهج العناد والمكابرة وزاد الهروب إلى الأمام بتشديد القبضة الحديدية على كل نفس مخالف إذ تم مؤخرا إعلان  تنفيذ 49 حكما بالإعدام خلال أقل من 10 أيام فقط. وهو ما علق عليه جو ستورك نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش بقوله إن “اعتياد السلطات المصرية على تنفيذ أحكام إعدام تجعل وقف تلك الإعدامات أكثر إلحاحا”. وبحسب المنظمة، فإن مصر باتت تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي واحدة من أكثر عشر دول في العالم في إصدار أحكام الإعدام.

ومنذ الإطاحة بالرئيس الشرعي محمد مرسي على يد الجيش سنة 2013، واستحواذ الانقلابي عبد الفتاح السيسي على السلطة في العام التالي، طال قمع متصاعد كل أطياف المعارضة المصرية الإسلامية واليسارية والليبرالية. وهو ما دفع المنظمات الحقوقية غير الحكومية وكذلك الأمم المتحدة إلى توجيه انتقادات إلى النظام القضائي وإدانة محاكمات المعارضين وخصوصا الإسلاميين وزيادة عدد أحكام الإعدام واللجوء الى الحبس الاحتياطي كعقوبة.

هذا النهج الذي يصر عليه الانقلابيون يضمن لهم حسب ظنهم البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة ليقينهم أن الديمقراطية لو اعتمدوها بشكل صحيح وشفاف سوف ترمي بهم بعيدا ولن يكون لهم أي موقع في الخارطة السياسية، وعلاوة على رغبتهم الدفينة في التشبث بكراسيهم الوثيرة فإن الدعم الخارجي الذي يجدونه من أمراء البترول المارقين عن القانون الدولي والعابثين بإرادة شعوبهم وعلى رأسهم حكام الإمارات العربية المتحدة التي تحولت بجرة قلم الى إقليم تابع لإسرائيل، أو السعودية سيدة مؤامرات الخيانة والعمالة لإسرائيل وأمريكا معا.

غير أن التاريخ علمنا أن الشعوب لا تموت أبدا، بل هي مراحل تتعاقب بين القوة والضعف وسيأتي حتما من بين الصفوف المصرية الصابرة من يضع حدا للعبث ويصفي التركة الثقيلة ويحيل الغاصبين على محاكم الشعب، ثم يلقون في المزابل البعيدة تنهشهم الكلاب السائبة.