العدسة – جلال إدريس

في استقبال أقل ما يوصف به أنه “مهين”، حط ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” رحاله في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم يكن في استقباله بالمطار أي من المسؤولين الأمريكيين سوى رئيس مراسم وزارة الخارجية الأمريكية، السفير سين لاولير.

زيارة “بن سلمان” لأمريكا ستستغرق أسبوعين كاملين، وفق ما صرح به وزير خارجية المملكة “عادل الجبير”، لتبدأ الزيارة أولا بلقاء “بن سلمان” مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ثم يتبعها بلقاءات أخرى مع مسؤولين أمريكيين، ويقوم خلالها بزيارة 7 ولايات أمريكية، كل ذلك بصحبة عدد كبير من مستشاريه ووزرائه، لتصبح الزيارة أشبه بالرحلة السياحية بدلا من كونها زيارة رسمية.

لكن وبعيدا عن الاستقبال المهين لـ”بن سلمان” في أمريكا، والعدد الضخم لمرافقيه، فإن تساؤلات عدة تطرح، عن دوافع وأسباب تلك الزيارة، وأهداف محمد بن سلمان منها، خصوصا أن الزيارة تأتي في وقت ملتهب وحساس بالنسبة للإدارة الأمريكية، التي تتعرض لاتهامات وضغوط واسعة خلال الفترة الحالية.

(العدسة) يحاول من خلال التقرير التالي استعراض أهداف “بن سلمان” من زيارته لأمريكا ولقائه بالرئيس “ترامب” في نقاط محددة وواضحة:

أولا: مساندته للتربع على العرش

على المستوى الداخلي للمملكة العربية السعودية، فإن الطلب الأول الذي يرغب “بن سلمان” في تحقيقه من تلك الزيارة، الحصول على وعود واضحة من الإدارة الأمريكية بمساندته في حكم المملكة، خصوصا وأن “بن سلمان” قطع شوطا كبيرا في هذا المسار، بمساعدة “ترامب” ومستشاره وصهره ” كوري كوشنر”، والذي تربطه علاقة صداقه قوية بـ “بن سلمان”.

ويرغب “بن سلمان” في أن يتربع على عرش المملكة هذا العام، سواء في حياة والده الملك سلمان، الطاعن في السن، أو بعد وفاته، خصوصا وأن “بن سلمان” قدم لـ”ترامب” خلال زيارته للرياض العام الماضي مئات المليارات من الدولارات في صورة استثمارات سعودية في “البنية التحتية الأمريكية”، وهو الأمر الذي وصف وقتها بإنها رشوة “بن سلمان” لتمكينه من حكم المملكة.

وبالفعل تمكن “بن سلمان” عقب زيارة “ترامب” للمملكة، من السيطرة على مقاليد الحكم فيها، حيث أزاح “محمد بن نايف” عن ولاية العهد وتربع مكانه، كما كبح لجام أبناء عمومته من الأمراء والمسؤولين باعتقالات نوفمبر 2017، والتي أرغمهم فيها على الخضوع له والتنازل عن جزء كبير من ثرواتهم مقابل الإفراج عنهم.

كل هذا لم يكن “بن سلمان” يستطيع فعله إن لم تكن الإدارة الأمريكية موافقة عليه وأعطت الضوء الأخضر له، وبالتالي؛ فإن الأمير الشاب يرغب في مزيد من الدعم، لينتقل للخطوة الأخيرة وهي التربع على كرسي الملك في السعودية.

ثانيا: دعمه في حرب اليمن

أما الملف الثاني الذي يحمله “بن سلمان” في حقيبته استعدادًا لعرضه على “ترامب” فهو الملف اليمني، حيث تواجه المملكة صعوبات بالغة منذ إعلان قوات التحالف العربي الحرب ضد الحوثيين في اليمن، لاسيما بعد تراجع الدعم الأمريكي اللوجستي للسعودية في هذه الحرب خلال العامين الماضيين، وهو ما زاد من صعوبة المواجهة في ظل الدعم الإيراني الكبير لقوات الحوثي.

وفي هذا الملف تحاول إدارة «ترامب» بشدة عرقلة مساعي الحزبين في الكونجرس لوقف الدعم العسكري الأمريكي لحملة القصف التي يقودها السعوديون في اليمن، خصوصا بعد تعالي الأصوات المطالبة بمحاكمة السعودية على جرائم الحرب التي ترتكبها في اليمن، ووقف أية مساعدات عسكرية لها.

وفقا للأمم المتحدة، قُتل 10 آلاف مدني، وجُرح 40 ألفا في القتال، ما أدى إلى تفاقم إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وفي الوقت الذي تدرس فيه وزارة الخارجية الموافقة على أكثر من مليار دولار من الأسلحة الجديدة للسعوديين، فإن المشرعين يدفعون باتجاه حل يقولون إنه سيمنع واشنطن من منح السعوديين ضوءا أخضر دائمًا لاستمرار النزاع.

وهرع مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ومسؤولون في وزارة الخارجية إلى مقر الكونجرس الأسبوع الماضي لتحذير أعضاء مجلس الشيوخ في إحاطة سرية مغلقة، مفادها أن الموافقة على إجراء مجلس الشيوخ قد يلحق ضررا بالغا بالعلاقات مع السعودية.

ثالثا: عودة أمريكا للملف السوري

يرغب “بن سلمان” من “ترامب” أيضا أن تعود “أمريكا” لتصبح طرفا فاعلا في الملف السوري، حيث يعتقد السعوديون أن دخول أمريكا كلاعب أساسي في المشهد السوري حتمًا سيعيد ترتيب الأوراق من جديد، ويسحب البساط من تحت موسكو وطهران وتركيا، لذا تتطابق وجهات النظر بين واشنطن والرياض حيال مسألة العودة من جديد.

وكانت عمليات عفرين العسكرية التي نقذتها “تركيا” داخل الأراضي السورية، وسعت من خلالها إخلاء منطقة عفرين الحدودية مع سوريا من المسلحين الأكراد الذين تدعمهم واشنطن، قد أزعجت السعودية وأمريكا معا، خصوصا أن تلك العملية زادت من التقارب الروسي التركي داخل الأراضي السورية.

رابعا: المزيد من التضييق على إيران

الملف الرابع والحساس أيضا بالنسبة لـ”بن سلمان” والذي سيناقشه ويطرحه بقوة خلال لقاءات بـ”ترامب” هو الملف الإيراني، وما يحمله الملف النووي الإيراني من تهديدات لدول المنطقة، حيث تتطابق وجهتا النظر الأمريكية والسعودية بشأن وقف التسلح النووي لطهران، فضلاً عما لوح به “ترامب” قبل ذلك بإلغاء الاتفاق النووي المبرم في 2015، وتعهده بفرض المزيد من الضغوط وتضييق الخناق على إيران، وهو عين ما يرغب محمد بن سلمان في تحقيقه من خلال تلك الزيارة.

ووفقا لتقرير سابق بموقع “نون بوست”، فإن الرغبة السعودية في تحجيم دور إيران في المنطقة بمزيد من الضغط عليها وتطويق برامج التسلح لديها، بما يعطي الفرصة للرياض لتنفس الصعداء من جديد، واستعادة دورها المفقود إقليميًّا، تتلاقى مع الرغبة الأمريكية في سحب البساط من تحت الأقدام الإيرانية في الملفات الساخنة في المنطقة، خاصة سوريا، حماية لأمن إسرائيل من جانب، وتفتيتًا للتحالف الروسي الشرق أوسطي من جانب آخر، لذا من المحتمل أن يتصدر هذا الملف جدول أعمال لقاء “ترامب” و”بن سلمان”.

خامسا: دعم حصار قطر

رغم أن محمد بن سلمان غالبا ما يدعي أن الملف القطري، هو ملف هامشي وغير هام بالنسبة للسعودية، إلا أن مراقبين يؤكدون أن الأزمة الخليجية وحصار قطر “سيتصدران” نقاشات “بن سلمان” مع الإدارة الأمريكية، حيث يسعى “بن سلمان” لفرض مزيد من الحصار على قطر، وانضمام أمريكا للجانب السعودي بقوة في هذا الملف، خصوصا بعد إقالة وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون”.

ووفقا لما كشفته شبكة “بلومبيرج” الأمريكية، فإن جهود الإدارة الأمريكية لحل الأزمة الخليجية قد تعطلت بعد إقالة “تيلرسون”، والذي كان من أشد المناهضين للحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر.

وسيستعين “بن سلمان” بصديقه اليهودي «كوشنر» صهر الرئيس الأمريكي “ترامب” في إقناع الإدارة الأمريكية بإحكام الحصار على قطر، خاصة وأن «كوشنر» من يقف وراء هذا الحصار، وفقا لتقارير دولية، حيث يعاقب قطر على رفضها ابتزازه لها ماليا أثناء انتخابات “ترامب”.

سادسا: الموافقة على خطته الاقتصادية

أيضا يسعى “بن سلمان” – من خلال تلك الزيارة- لإقناع الإدارة الأمريكية بخطته الاقتصادية، والتي يسميها رؤية “2030”، والتي تستهدف تغيير مصادر الدخل القومي للسعودية من المصدر النفطي إلى الصناعي والإنتاجي.

وبحسب تقرير لصحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، فإن هدف “بن سلمان” من الزيارة ليس مجرد تحسين العلاقات العامة، بينما قد يلتقي “بن سلمان” رجال الأعمال في وادي السليكون، وكبار مسؤولي شركات صناعة الأفلام في لوس أنجلوس، فضلاً عن كبار ممولي صناعة النفط في هيوستون ونيويورك، من أجل حشد الدعم لأجندة رؤيته الاقتصادية 2030″.

ولهذا السبب، ترى الصحيفة أنه يجب على “بن سلمان” إقناع المستثمرين الأمريكيين بسياسته، وأن قراره بحبس العشرات من كبار المسؤولين ورجال الأعمال في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض، في عملية تطهير ضد الكسب غير المشروع، لم يظهر ضعفا في حكم القانون السعودي.