لم يُحدث قرار التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل استغراب أغلبية الشعوب العربية والمسلمة، بل لعل المفاجئ كان التأخر في الكشف العلني عن حقيقة المواقف التي كان الجميع موقن بوجودها منذ زمن بعيد يعود إلى آباء الشيوخ والأمراء الحاليين فما بالطبع لا يتغير.

ولعل المضحك في قصة التطبيع الإماراتي البحريني أن من كشف الخيانة العارية هذه المرة لم يكن أحد قادة الممانعة العرب أو حتى القيادات الفلسطينية التي تعرف كل صغيرة وكبيرة عن هؤلاء الأوباش، بل كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أن أصبح الجهة التي تقدم المعطيات الدقيقة عن حقيقة ما يحدث دون أي إمكانية للإنكار أو التقصي، وهو أمر يزيد الإهانة والسخرية بأصحاب الفضيحة الذين كانوا طيلة العقود الماضية يطعنون فلسطين الجريحة في الظهر ويتظاهرون بتقديم الدعم المادي والمعنوي، وهو ما أدخل اللبس على كثيرين وكان سببا في عديد الانكسارات التي لحقت بالأمة العربية طيلة مسار كفاحها مع الصهاينة.

كشف ترامب ما كان يطبخ في البيوت المظلمة فبانت عوراتهم القبيحة معلنة عن استعداد ” خنازير النفط ” -كما كان يحلو لمعمر القذافي نعتهم-  للقيام بكل ما يطلبه منهم سيدهم الكاوبوي الأمريكي، إذ وجد في لعب هذه الورقة السياسية لجلب تعاطف اللوبي الصهيوني لمناصرته في الانتخابات الرئاسية القادمة خير سبيل فلم يفكر لا في صورتهم بين شعوبهم ولا في انعكاسات ذلك على الاستقرار في كامل المنطقة العربية، وصدع بكشف المستور، ولعله لم يقل كل الحقيقة إذ يعلم الجميع أن حبل الخيانة العربية ما زال معقودا  برقاب كثير من الساسة الآخرين وعلى رأسهم العصابة التي تحكم السعودية بكل ما تحويه من شرور ونذالة الملك الحالي المغلوب على أمره من طرف ولي عهده قاتل الأرواح صاحب مشروع جزر الدعارة واللواط المقامة على البحر الأحمر غير بعيد عن الحرم المكي الشريف.

ولم يكن كشف هذه الحقيقة ليقدم أي مكاسب للأمريكيين ولا حتى للإسرائيليين في موضوع العلاقة بين إسرائيل وعرب الخيانة باعتبار وجودها الفعلي، ولكن الاستراتيجيات تغيرت فجأة بعد رغبة ترامب في استثمارها انتخابيا، لذلك سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى التهوين من الحدث وأعلنت أن إمضاء الاتفاق في أمريكا لا يعني الموافقة الآلية حتى يتم عرض المسألة أمام الكنيست الصهيوني كما أكدت على أن ما تم ترويجه من اتفاق على سحب مخططات التوسع وبناء المستعمرات لم يلغ نهائيا، بل هو مؤجل إلى وقت لاحق، كما أن الكيان الصهيوني يعارض بشدة تزويد أي دولة بطائرات إف 35 المتطورة بشكل يهدد التفوق العسكري لإسرائيل.

وتشير مصادر متطابقة أن السبب الأساسي في إعلان التطبيع في هذا الوقت بالذات يعود إلى خطط معسكر الشر الأمريكي الصهيوني في التصدي للقوى الجديدة التي باتت تظهر في المنطقة مهددة النفوذ القديم القائم على أنقاض اتفاقية سايكس بيكو، إذ برزت إيران كقوة إقليمية نشيطة تمكنت من الإفلات من أحابيل الحصار الكثيف المضروب حولها واستطاعت مد مخالبها في اليمن وسوريا ولبنان، ولكن هناك ما يشير إلى أن إيران ليست هي الهدف المقصود من التحالف الإماراتي الإسرائيلي  باعتبار أن إسرائيل  ما فتئت منذ زمن تقول للدبلوماسيين العرب إنها لم تعد تعتبر إيران تهديدا عسكريا، بل لقد أخبر رئيس الموساد، يوسي كوهين، المسؤولين العرب بأن إيران باتت “قابلة للاحتواء”.

وجاء ما يؤكد ذلك خلال الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الدول العربية من خلال سلسلة من التصريحات المنسقة بعناية فائقة والصادرة عن الزعماء العرب الذين أكدوا على أن العدو الحقيقي ليس إيران بل هو تركيا، وقاد هذا الموقف وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي تحدث قائلاً: “إن التدخل التركي في الشؤون الداخلية للبلدان العربية لمثال واضح على التدخل السلبي في المنطقة”، متجاهلا أن الإمارات قادت طيلة السنوات الماضية حربا مدمرة على بلدين عربيين هما اليمن وليبيا، وتبع قرقاش وزير خارجية مصر سامح شكري الذي قال إن التدخلات التركية في كثير من البلدان العربية تمثل أهم تهديد للأمن القومي العربي، متجاهلا هو أيضا آلاف المرتزقة الذين تدعمهم مصر للقيام بحملات تقتيل وتخريب في ليبيا.

ولعل الدعم الذي تجده اليونان من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا في مواجهة تركيا يمثل أكبر دليل على المساعي الدولية المتربصة بها علاوة على التصريحات التي تتصاعد يوميا من بعض المستشارين للرئيس الأمريكي الذين بدأوا يلمحون لإمكانية نقل قاعدة إنجرليك التابعة لحلف الناتو إلى اليونان مما يمهد لتغير الموقف من تركيا، وضمن هذه الاستراتيجية يمكن فهم تمثيلية التطبيع التي يبدو أن الخونة العرب ليسوا سوى “كومبارس” صغير فيها.

عند هذا الحد تتضح الصورة من قرارات إعلان التطبيع بين حثالات العرب أبطال الخيانة والاستكانة، فليس الأمر سوى تمهيد للدخول في حصار للدولة التركية التي استعادت دورها في حوض البحر الأبيض المتوسط بما يهدد القوى الاستعمارية التقليدية ويزعزع هيمنتها، لذلك ليس من سبيل إلا القيام بأدوار كلاب الصيد التي تثير الطرائد وتنبح عليها لإخراجها من مكانها تمهيدا لصيدها، ولكن من حسن الحظ أن هذه الأنظمة لا تساوي شيئا في مقياس الشعوب، فهي لم تفلح سوى في تحويل دولها إلى منتجعات سياحية ومخازن للهدايا والعطاءات الممنوحة للأمريكان والصهاينة لتمرير جرائمهم والتستر على فضائحهم.