تجلس تلك الفتاة العشرينية على مكتبها، الدموع تملأ عينَيها، الغرفة مُظلِمَة تماماً، ضوء القمر هو الذي يُدخِل إلى تلك الغرفة بعضَ الضوء، تمسك تلك الفتاة القلمَ بيد مرتجفة، نعم الآن ستكتب رسالة، ولكنها ليست كأي رسالة ممكن أن تكتبها فتاة عشرينية، هي رسالة لا يستطيع أحد كتابتها، هي رسالة وداع للحياة التي لم تبدأها بعد.

نعم لقد قررت تلك الفتاة أن تضع حداً لتلك الظلمة التي تعيش فيها، لتلك الظلمة التي بدأت بعد أن قرر القدر نهاية كل مَن تحبهم، وظلَّت هي حبيسة تلك الغرفة في وحدة تامة، لم تستطِع نفسها أن تتحمل، لقد حاولت أن تتعايش وتتأقلم، تخلَّى عنها الجميع، وسطَّرت نهايتها بيدَيها مع تساقط العَبَرات.

الفشل، الاكتئاب، الشعور بعدم تقبّل الآخرين، كره الحياة، لا تستطيع تخطّي الخوف والوحدة وكل ذلك القرف الموجود في الحياة، التسليم للموت بكل سهولة، الجسد والروح لا يستطيعان الاقتران، المرض الذي يوجد في تلافيف عقلها، انهيار عصبي، الشعور بأنه لا أمل في الحياة، اليأس القاتل، لا تستطيع ملء ذلك الخلل الموجود في قلبها، لا تستطيع تخيل بأنها فانية، التشنج الدائم في النفس، اليأس الأسود نعم شنقت تلك الفتاة نفسها، وانتقلت إلى عالم آخر، عالم اختارته عسى يخلصها من كل ذلك العناء النفسي الموجود في حياتها، ماتت هي منذ سنوات بعد أن سطرت قصة انتحارها، لأجد أنا بعد سنوات كثيرة من انتحارها رسالتها لأقرأها، لطالما كرهت كل من يُقبِل على الانتحار، أو كل مَن يتقبل فكرة الانتحار، لم أصدق أي مختل هذا يستطيع أن ينهي حياته بيديه، أي مختل يريد أن يضمن لنفسه جهنم ويحجز مكاناً فيها.

لطالما بعدت عن قصصهم، عن معرفة مبرراتهم لفعلتهم هذه، ولكن لا أعلم لمَ تلك الفتاة قرأت رسالتها، شعرت أن رسالتها كانت تشرح لي فيها مدى كانت حالتها النفسية الصفرية التي أجبرتها على التخلي عن حياتها تلك، وهي ما زالت في مقتبل العمر.

نعم هناك فترات تأتي للجميع يشعر فيها باليأس، الرغبة في العزلة عن الناس، وعدم تقبل الآخرين، ومشاكل الحياة الكثيرة، وعدم تقبل فقدان مَن أحبهم وأحبوه، والذي يزيد من هذه الحالة هو سوء تعاملنا مع بعضنا في تلك الفترات، الاستهزاء والسخرية، الحدة في التعامل، الضغط عليهم، مما يشعرهم بالضعف المستمر، مما يجعلهم يقدمون على تلك الفعلة رغبةً منهم في طلب المساعدة من الآخرين؛ ليعلم الآخرون أنهم يعانون من شيء ما، فعلينا أن نكف عن تجاهل مشاعر بعضنا البعض، ونسمع من بعضنا، وكفانا تلك السخرية من الآخرين، ولا نتعامل مع كل مكتئب بأنه مختل عقلياً؛ لأن الاكتئاب أبداً ما كان علامة على الاختلال العقلي، بل هو عبارة عن ضغط نفسي، فعلينا أن نتعامل مع صاحبه بجدية ووعي تام.

إن الاكتئاب مرض يؤلم الإنسان فعلياً، فعند التعامل مع المكتئب يجب عدم إظهار الشفقة المستفزة عليه حتى لا تشعره بعدم الثقة في نفسه، عند بعث الأمل في نفسه يجب أن يكون بواقعية تامة أن تعيده إلى حب تلك الحياة مرة أخرى بأسباب حقيقية، فالمكتئب لم يعد ينظر إلى الأمور بطريقة سليمة، فعلينا أن نستمر بطمأنته بصفة مستمرة وواقعية، لا تفاجئ المكتئب بحقائق لا تحتمل؛ لأن ذلك أسرع سبب لإقدامه على الانتحار.

لا تجعل أبداً المكتئب يشعر بالوحدة، فواحدة من وسائل علاج الاكتئاب هي زيادة التواصل الاجتماعي، ومن صفات الشخص المكتئب أيضاً التي قرأت عنها الشخص المكتئب يفهم كم هو صعب إخفاء مشاعره وأفكاره عن الآخرين، وهو يدرك تماماً أنه يمكن أن يجلب للآخرين الشعور بالحزن، بالتالي يفضل الانسحاب بعيداً كي لا يؤثر سلباً على أي شخص، ويشعر طوال الوقت أنه لا يريد أن يشكل عبئاً على الآخرين، ولكن المشكلة أن الاستسلام للوحدة يفاقم المشكلة، الشخص المصاب بالاكتئاب يكون في معركة كبيرة جداً في حياته، وهو في هذه الحالة يكون بحاجة للدعم وليس للتخويف، وفي هذه اللحظات الحالكة من حياته يحتاج للأصدقاء الذين يشبهون الملاك الحارس، الذين يساعدونه ويشجعونه على الاستمرار في المعركة.

فعلينا أن نساعد في خفض نسبة الانتحار في العالم، وكفانا وضع مصطلحات فرضها المجتمع وثقافته علينا، فجراح النفس أصعب بكثير من جراح الجسد.

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة