رغم ما يعانيه الاقتصاد السعودي من تدهور ملحوظ، وفي ظل تفاقم معدلات المديونية السعودية وخطط التقشف وزيادة الضرائب لثلاثة أضعاف قيمتها، شهدت الأشهر الستة الماضية نشاطا خارجيا متزايدا للصندوق السيادي السعودي الذي يرأسه ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة.
وتمثل هذا النشاط في استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصص في شركات أوروبية وأمريكية بمختلف المجالات، بالإضافة لإبرامه للعديد من الصفقات، في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد المملكة من انكماش حاد نتيجة للضربة المزدوجة المتمثلة في تداعيات تفشي وباء كورونا وانهيار أسعار النفط.
استحواذات بالجملة
وخلال الشهور القليلة الماضية تضاعفت الحصص التي استحوذ عليها بن سلمان عبر صندوقه السيادي في عدد من الشركات الأوروبية والأمريكية، إلى جانب بعض الصفقات المعلقة والتي حالت السمعة الحقوقية المتردية للمملكة دون اتمامها.
وفي الأشهر الأربعة الأولى فقط من العام 2020، قام الصندوق السعودي بالاستحواذ على حصص في نحو ٢٤ شركة أمريكية بقيمة ٨ مليارات دولار من بينها شركة بوينغ لصناعة الطائرات، ومجموعة الترفيه “والت ديزني”، وشركة الترفيه “لايف نيشن”، وشركة المقاهي “ستاربكس”، وشركة الضيافة “ماريوت” وشركة الخدمات المالية “سيتي غروب”، وشركة “فيسبوك”، وبنك أوف أمريكا، وشركة خط الرحلات البحرية “كرنفال” (وهي شركة أمريكية-بريطانية)، وشركة “سيسكو” المتخصصة في مجال الاتصالات والمعدات الشبكية، وشركة “برودكوم” المتخصصة في أشباه الموصلات والاتصالات اللاسلكية.
وتبلغ قيمة حصص الصندوق في أسهم الشركات الأمريكية التي استحوذ عليها مؤخرا، ما قيمته 713.7 مليون دولار في “بوينغ”، و522 مليون دولار في “سيتي غروب”، و522 مليون دولار في “فيسبوك”، و495.8 في “ديزني”، و416.1 مليون دولار في “لايف نيشن”، و487.6 دولار في “بنك أوف أمريكا”، و513.9 مليون دولار في “ماريوت”، و456.9 مليون دولار في “كرنفال”، و77.6 مليون دولار في “ستاربكس”، و490.9 مليون دولار في “سيسكو”، و76.6 مليون دولار في “برودكوم”.
والشهر الماضي، قام الصندوق السعودي بشراء حصة تقدر بنحو 5 بالمئة من أسهم في شركة بريتش تليكوم للاتصالات “بي تي”، وهي شركة بريطانية قابضة متعددة الجنسيات، وفقا لصحيفة “تليغراف”.
ومن أشهر الصفقات “المعلقة” التي يسعى الصندوق السعودي لإتمامها، هي صفقة الاستحواذ على 80 بالمئة من أسهم نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليون جنيه استرليني (372 مليون دولار).
وفي آيار/مايو الماضي، ذكرت 3 مصادر مطلعة لـ”رويترز” أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، يدرس طرحا عاما أوليا لشركة “علم” لأمن المعلومات، المملوكة من قبل الصندوق بالكامل.
وقال اثنان من المصادر إن الصندوق، أرسل للبنوك طلبا للتوصل إلى مقترحات بشأن كيفية المضي قدما في بيع أسهم الشركة للجمهور، دون توضيح حجم هذه الصفقة.
وبين أحد المصادر إن صندوق الاستثمارات العامة يعتزم بيع ما يصل إلى 30 بالمئة من الشركة في طرح عام أولي “متوسط الحجم”.
وكشفت بيانات اقتصادية تضاعف قيمة الأسهم التي يملكها الصندوق السعودي في أسهم الشركات المدرجة بالبورصة الأمريكية نحو 4 مرات خلال الأشهر الستة الماضية، وهو ما يتطابق مع ما بيانات نشرتها لجنة الأوراق المالية الأمريكية، إن قيمة الأسهم التي يملكها الصندوق زادت 8 مليارات دولار بعد تفشي وباء كورونا، لتصل إلى 10 مليارات دولار.
مغامرة فاشلة
ورغم ما يروج له بن سلمان من أن هذه الصفقات الغرض منها هو اغتنام الفرص، يري اقتصاديون ذلك مغامرة محفوفة بالفشل، وتحركها أهداف سياسية أكثر منها اقتصادية، ومنهم الباحث بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موغلنيسكي، في مقال نشره على موقع المعهد تحت عنوان “صندوق الاستثمارات العامة السعودي يواصل الإسراف في الإنفاق”.
ونشرت صحيفة “هاندسبلات” مقالا للكاتب الاقتصادي ألكسندر ديمينغ، قال فيه إن الصندوق السيادي السعودي يستثمر مليارات الدولارات في شركات ذات توجه مستقبلي، غير أنه يرتكب في ذلك كل الأخطاء التي يمكن ارتكابها، مؤكدا أن السياسة هي ما تحرك مسار الصندوق السيادي للمملكة خارجيا.
ووفقا لأحدث إحصاءات معهد صناديق الثروة السيادية في العالم، فقد بلغ إجمالي قيمة الأصول التي يديرها الصندوق السيادي السعودي نحو 360 مليار دولار، ليصبح تاسع أكبر صندوق سيادي في العالم، والثالث عربيا. ويستهدف ابن سلمان رفع أصول الصندوق السيادي إلى 400 مليار دولار بنهاية العام 2020، وإلى تريليوني دولار في 2030، بحسب “رؤية المملكة 2030”.
وحولت المملكة ما يقرب من 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية السعودية لتمويل استثمارات الصندوق في آذار/مارس ونيسان/إبريل الماضيين، ورفع قيمة الأصول التي يديرها الصندوق لتحقيق مستهدف ابن سلمان، وهو ما تسبب في هبوط الاحتياطيات الأجنبية بالبنك المركزي السعودي.
وتناولت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، مسألة تراجع الاحتياطات الأجنبية السعودية، بعد تحويل مليارات الدولارات إلى هيئة الاستثمار العامة، تزامنا مع مرور المملكة بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وقالت الصحيفة في تقرير لها “، إن الاحتياطي الإجمالي من الأصول الأجنبية السعودية انخفض بحوالي 21 مليار دولار، بعدما نقلت الرياض مليارات الدولارات إلى هيئة الاستثمار العامة أو الصندوق السيادي، لتمويل عمليات الإنفاق الواسعة في الخارج.
ورأت الصحيفة أن استخدام الاحتياطات الأجنبية في تمويل نشاطات الصندوق السيادي، مثير للخلاف، خصوصا أن السعودية تشهد حاليا أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، لافتة إلى أن المملكة التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، تعاني من أزمة مزدوجة تتعلق بانتشار فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط الخام.
تدهور اقتصادي
وتأتي صفقات بن سلمان المليارية في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد السعودي تراجعا حادا، حيث توقع محافظ البنك المركزي السعودي، أحمد الخليفي، السبت، أن يشهد اقتصاد المملكة خلال الربع الثاني من العام الجاري نتائج أسوأ من الربع السابق.
وقال الخليفي في نهاية اجتماع افتراضي لمسؤولي المالية بمجموعة العشرين إنه لا يتوقع تحسن الاقتصاد السعودي في الربع الثاني رغم التحسن في حزيران/يونيو.
وتوقع استطلاع رأي لـ”رويترز”، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 5.2 بالمئة في 2020. كما توقعت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية، الاثنين، أن ترتفع ديون السعودية إلى مستوى قياسي مع دول خليجية أخرى.
وشهدت معدلات الدين السعودي الخارجي قفزات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وارتفعت إلى نحو ٣٧٥ بالمئة بنهاية العام ٢٠١٩، مع توقعات بارتفاعها إلى أكثر من ٥٤ بالمئة بنهاية ٢٠٢٠، وفقا لمسح أجرته “عربي٢١” الشهر الماضي حول المديونية السعودية منذ تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد.
وقالت الباحثة بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن، كارين يونغ، في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن استمرار المستوى الحالي من أسعار النفط والمستويات الحالية من الإنفاق الحكومي، سوف يجعل جيوب المملكة خاوية من المال خلال ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، ما سيضطرها إلى تحمل مزيد من الدين.
وفي الربع الأول، هوت صادرات السعودية نحو 11 مليار دولار على أساس سنوي. وتفيد بيانات رسمية صدرت الشهر الحالي أنها انخفضت حوالي 12 مليار دولار في أبريل نيسان وحده.
وبحسب بيانات مؤسسة النقد العربي السعودية فإن أرباح القطاع المصرفي سجلت تراجعا سنويا بنحو 40 بالمئة في مايو أيار وانخفضت معاملات نقاط البيع نحو 16 بالمئة.
وقالت أرقام كابيتال في دبي “استمرت إجراءات الإغلاق وضعف الثقة في النيل من الإنفاق” متوقعة أن يكون الانفاق الاستهلاكي انخفض بنسبة 32 بالمئة على أساس سنوي الشهر الماضي بعد تراجع بنسبة 35 بالمئة في أبريل نيسان.
وقررت الحكومة زيادة ضريبة القيمة المضافة على أمل زيادة الإيرادات غير النفطية لكن الاقتصاديين يقولون إن من المرجح أن تضعف الخطوة الإنفاق الاستهلاكي وتكبح التعافي الاقتصادي مع إلغاء إجراءات احتواء فيروس كورونا.
وقدر صندوق النقد الدولي أن اقتصاد السعودية سينكمش نحو 6.8 بالمئة هذا العام.
اضف تعليقا