ترجمة العدسة عن صحيفة لوس أنجلوس الأمريكية

مع استطلاعات الرأي التي تظهر أن الرئيس ترامب يتخلف في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأت بعض الدول تنظر إلى الأشهر القليلة المقبلة على أنها قد تكون فرصتها الأخيرة للقيام بتحركات “استفزازية” أو قمع المنافسين من أجل تعزيز المكاسب قبل أن تتبنى الولايات المتحدة سياسية أكثر تقليدية تمنع أو تدين مثل هذه خطوات التي نفذتها خلال إدارة ترامب.

في الواقع، فإن العديد من الأنظمة وجدوا في إدارة ترامب فرصة ذهبية لتثبيت أركانهم بكافة الوسائل الممكنة، حتى غير المشروعة منها.

السعودية تُعد أكبر مثال على هذا، حيث ارتكب النظام سلسلة بشعة من الانتهاكات ضد الإنسانية، ولم يجد رادع قوي يدفعه للتراجع عن هذا بسبب الدعم المستمر من قبل دونالد ترامب وإدارته.

على سبيل المثال لا الحصر، تم اعتقال نجلي رجل المخابرات السعودي السابق سعد الجبري، عمر وسارة، واتخاذهم كرهائن للضغط عليه للعودة إلى السعودية من منفاه في كندا، بعد أن فر إليها من بطش محمد بن سلمان، الذي يسعى جاهداً لإعادته بسبب الأسرار الخطيرة التي بحوزته، والتي يعتقد الخبراء أنها قد تدين بن سلمان.

وصف النقاد ما يتم مع الجبري بأنها أحدث حملة قمع من قبل الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية المدعوم من قبل إدارة ترامب التي أبدت القليل من الاهتمام في إدانة انتهاكات الأنظمة الاستبدادية أو حتى الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث تجاهل ترامب بصورة تامة مسألة تورط ولي العهد في القتل البشع لصحفي سعودي مقيم في الولايات المتحدة قبل عامين.

وعلق محمد سلطان، رئيس منظمة لحقوق الإنسان مقرها واشنطن، على الدعم الأمريكي لابن سلمان قائلاً “إنه بدون المساءلة التي طالبت بها الحكومات الأمريكية السابقة… أصبح الأمير محمد أكثر قسوة، مضيفاً “ما كان هذا ليحدث لولا إدارة ترامب.”

إسرائيل أيضاً استفادت بشكل كبير من ترامب، الذي نقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس وانحاز إلى جانب إسرائيل بلا خجل ضد الفلسطينيين في محادثات السلام، وحتى وقت قريب، بدا أن إسرائيل كانت تخطط للاستفادة من تلك العلاقة المريحة مع ترامب للشروع في الخطوة النهائية لإحكام سلطتها: ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.

تسببت فكرة الضم، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدول، في إدانة عالمية واسعة النطاق، بل وحتى داخل إسرائيل، ومع ذلك، استمرت إدارة ترامب في تأييد الخطة، التي من غير المرجح أن يقف الرئيس المستقبلي المحتمل “بايدن” إلى جانب هذه الخطوة الاستفزازية.

يعتقد المحللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر التراجع عن خطط الضم في الوقت الحالي خوفًا من أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تعقيد حملة إعادة انتخاب ترامب.

ولكن في حين أن مسألة الضم ستظل شائكة حتى بعد الانتخابات الأمريكية، فقد تجد إسرائيل طرقًا أخرى للاستفادة من علاقتها الوثيقة بترامب الذي يسهل كافة الخطط الإسرائيلية، بخلاف ما كان يحدث في فترة حكم أوباما، الذي غالباً ما وجدت إسرائيل نفسها مقيدة خلال إدارته، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة محتملة مع إيران، لذلك، كان من الطبيعي أن تتجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل والتكهن باحتمالية وقوفها وراء سلسلة من الانفجارات الغامضة طالت منشآت متصلة بالطاقة النووية في إيران خلال الأسابيع الأخيرة.

السناتور ميت رومني من يوتا، وهو مسؤول جمهوري منتخب، ومن غير المؤيدين لترامب، قال في جلسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ هذا الشهر إن سياسات الإدارة ]الأمريكية[ قد أعطت مثالاً سيئًا لبقية العالم وأضعفت دور الولايات المتحدة التقليدي كزعيم وموحد عالمي.

ضغطت عدة دول عربية ذات سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، على البيت الأبيض في الأشهر الأخيرة للتحايل على معارضة الكونجرس الأمريكي ودفع عمليات الاستحواذ الرئيسية على الأسلحة الأمريكية.

وقبل عام، وافق وزير الخارجية “مايك بومبيو” على إلغاء تجميد بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار للرياض على الرغم من معارضة واسعة النطاق من الكونجرس ومنظمات حقوق الإنسان.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أمر ترامب المسؤولين الأمريكيين بتجاهل أحكام الاتفاقات الدولية لتحديد الأسلحة والمضي في بيع طائرات ريبر كبيرة مسلحة إلى دول في الشرق الأوسط.

وصف السناتور روبرت مينينديز، من نيو جيرسي، أكبر ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية هذا القرار بـ “المتهور”، قائلاً “إن هذا القرار يزيد من احتمالية أننا سنصدر بعض أسلحتنا الأكثر فتكاً إلى منتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم”، مضيفاً “هذه خطوة أخرى متهورة من قبل إدارة تهدف إلى القضاء على التعاون الدولي الذي جعل الولايات المتحدة ودول أخرى أكثر أمناً لعقود.”

الحكومات المستفيدة من إدارة ترامب لم تقف حد الشرق الأوسط وحسب، فمن المجر إلى هندوراس، تستخدم الحكومات الأوتوقراطية بشكل متزايد وباء فيروس كورونا كغطاء لانتزاع السلطة ووضع تدابير رقابية “مخالفة للدستور” باسم الأمن، وكل ذلك دون احتجاج من حكومة الولايات المتحدة، التي تشتتت داخلياً بسبب أزمة كوفيد-١٩، حيث أدى هذا إلى التأثير على اقتصادها، فضلاً عن الانتقادات التي وجهت لردها القوي على احتجاجات العدالة العرقية في جميع أنحاء البلاد.

علمت العديد من دول أمريكا اللاتينية أنه ما دامت تتعاون مع ترامب في سياساته المتعلقة بالهجرة، فيمكنها أن تفلت من “تهم الفساد المتفشي بين حكوماتها”، كما يمكنها الاستمرار في القمع السياسي وتقويض القضاء- بخلاف ما كان يحدث قبل إدارة ترامب، حيث ظلت الولايات المتحدة لسنوات تدعم محاولات الإصلاح في القارة المجاورة.

ربما أيضاً ليس من قبيل المصادفة أن قادة الصين وروسيا قاموا باتخاذ خطوات خلال إدارة ترامب لتثبيت أنفسهم في السلطة مدى الحياة بشكل فعال، وهي خطوات لم تلق احتجاجاً من ترامب.

في الأسابيع الأخيرة، تخطى رئيس السلفادور، نجيب أبو كيلة (بالإسبانية ناييب بوكيلي)، أزمته أمام الهيئة التشريعية الوطنية والمحكمة العليا، ليقوم بتعزيز مكانته في خطوة تقوض عمل المؤسسات التي أنفق في سيبلها دافعو الضرائب الأمريكيون ملايين الدولارات على مر السنين.

ويقول محللون إن “أبو كيلة” قام بفعل هذا وهو واثق من أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب لن تنتقد ما حدث ولو بكلمة.

قالت جيمينا سانشيز جارزولي، الخبيرة في شؤون العديد من دول أمريكا اللاتينية”: “الاستبداد كان موجودًا قبل ترامب، ولكن في السنوات الثلاث الأخيرة ازداد الأمر سوءًا”.

في هندوراس، البلد صاحبة نسبة كبيرة من الأشخاص الفارين إلى الولايات المتحدة، يتمتع الرئيس خوان أورلاندو هيرنانديز -المتآمر غير المدان في قضية تهريب مخدرات أمريكية ضد شقيقه- بدعم لا يتزعزع من ترامب، حيث فاز هيرنانديز بإعادة انتخابه الذي شابه العديد من الانتهاكات في أواخر عام 2017، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأييد إدارة ترامب، ويعتقد أنه يناور للترشح مرة أخرى، وهي خطوة تعتبر غير قانونية وغير دستورية في هندوراس.

من ناحية أخرى، أكد العديد من الدبلوماسيين أن بعض أعداء أمريكا ربما يتطلعون أيضا إلى الأشهر القليلة المقبلة على أمل تحقيق مكاسب حتى يتمكنوا من التفاوض مع الإدارة الأمريكية القادمة من مركز قوة.

قال دانييل شابيرو، وهو متقاعد من وزارة الخارجية والأمن القومي “هناك خطر دائمًا من اعتقاد خصوم أمريكا أنه بينما تنشغل الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية، فلن يكون لديها القدرة للرد على استفزازاتهم، مضيفاً أنهم “قد يرغبون في توسيع نفوذهم”.

إيران، على سبيل المثال، كثفت دعمها لوكلائها، مما جعل قوات حزب الله في لبنان على حدودها مع إسرائيل، وفقا لمسؤولي المخابرات الإسرائيلية السابقين.

وقال ساريت زهافي، المقدم المتقاعد بالجيش الإسرائيلي الذي يعمل الآن مع مركز أبحاث على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان: “نرى وجودًا أكبر بكثير لحزب الله على طول الحدود” مما خلق مخاوف من تجدد الهجمات العسكرية.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: “الغرفة التي شهدت الأحداث”: لماذا دافع ترامب عن بن سلمان في قضية “خاشقجي”؟