من أجل استعادة صورتها المشوهة بالعديد من الأزمات والحروب لعدة سنوات، تُقدِم المملكة العربية السعودية أكثر فأكثر على اقتناء الأسهم في وسائل الإعلام الأوروبية المعترف بها والمؤثرة بهدف توسيع قوتها الناعمة في العالم كله.

في وقت يتزايد فيه التدفق المستمر والهائل للمعلومات، وتعجز الأنظمة المستبدة عن طمس الحقيقة، يحتاج البلد ذو السمعة المثيرة للجدل إلى نشر جزء من رؤيته السياسية، وتلميع صورته من خلال الصحف التي يعتبرها الكثير من الناس صحفا نزيهة.

وهكذا وكما كان الحال مع صحيفة “سكاي نيوز”، مع “بلومبرج” وفرعها العربي الجديد “الشرق”، مع “دي إيفننج ستاندرد” ونظيرتها “المترو” في فرنسا، اشترت الرياض في نهاية سنة 2018 صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية الشهيرة، واحدة من أكبر الصحف في المملكة المتحدة إلى جانب صحيفة “التايمز”، “الفاينانشيال تايمز” و”الغارديان”.

أدوات دعاية خالصة

وكل هذا لا يخلو من نوايا خفية نوعا ما: فتتمتع صحيفة “الإندبندنت”، وهي صحيفة يسارية معتدلة بريطانية تقليدية معادية للسعودية من قبل، ومنذ ما يقرب سنتين، عمدت صحيفة “الإندبندنت” (المستقلة كما يعني الاسم)، والتي لم تحتفظ بشيء غير اسمها حيث أنها كانت ملكاَ للثري الروسي إيفجيني ليبيديف، إلى إنشاء نسختين لها باللغتين العربية والفارسية.

وهو نمط يكرر نفسه انتقالا من عملية استحواذ إلى أخرى: حيث يُقدم سلطان محمد عبد الجليل، ملياردير ومدير مجموعة شركات سعودية تسمى “مجموعة سعودي للأبحاث والتسويق” (SRMG)، على شراء علامة تجارية مرموقة وينشئ فروعا لها موجهة للعالم العربي من أجل أن ينشر فيها معلومات رسمية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ومع ذلك السعودية نادرا ما تسيطر على المحتوى الأوروبي وذلك لكيلا يتمكن أحد من اتهامهم بأي انحياز، غير أن استخدام نفس العلامة التجارية، ونفس الهوية البصرية التي تستخدمها مواقع الإعلام الأصلية، يجعل المادتان الإعلاميتان الجديدتان أدوات دعائية خالصة.

فصحيفة “الإندبندنت” العربية تهاجم علنا ​​قطر وإيران وتركيا وغيرها، وتحت شعار النسر باللونين الأحمر والأبيض الخاص بصحيفة “الإندبندنت” الأصلية، ليبدو الخبر بهذه الطريقة محايدا وذا مصداقية.

أحد الأمثلة الهامة التي حدثت في أوائل مايو الجاري تتعلق بالإشاعات التي لا أساس لها عن حدوث انقلاب ثالث في قطر، وقد نشر عدوان الحمرا – صحفي سعودي ذو نفوذ في الصحيفة – نفس الاشاعة من خلال تغريدة له في تويتر في الخامس من مايو الجاري.

يمكن للمرء أن يتصور أن النسخة الفارسية ستسمح للمملكة العربية السعودية أيضًا بمخاطبة الإيرانيين لنشر أكبر قدر ممكن من المعلومات المضللة.

تضع الدولة بيادقها 

كل هذا هو نتيجة استراتيجية أساسية مدروسة جيداً من جانب الرياض، فقد شرع محمد بن سلمان خلال الأشهر الأخيرة في محاولة تغيير صورة المملكة العربية السعودية بعد الحصار المفروض على قطر، الحرب في اليمن التي خلفت أكثر من 100000 قتيل، قضية تصفية زملائه الأثرياء، واعتقال وقمع أمراء آل سعود، وبالطبع اغتيال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول، وكذلك السؤال الأزلي عن تدني حقوق الإنسان بشكل عام.

ومن خلال استخدامه المتزايد لوسائل الإعلام المعروفة يواصل محمد بن سلمان سعيه في محاولة لإظهار السعودية كدولة رأسمالية بوجه أكثر إنسانية.

ومع استغلال الأزمة الحالية لبعض العناصر الأولية لرؤية 2030 الشهيرة المتداعية، والتي من المفترض أن تسمح بالتنمية المستدامة في البلاد من خلال الانفتاح والتنوع، تضع الدولة بيادقها في الفن والثقافة وفي الإعلام أكثر فأكثر: وهذا ما يسمى في الساحة الجيوسياسية ب “التّقية” أو إخفاء جزء من السياسة الحقيقية من خلال تعزيز الثقافة ووسائل الإعلام.

لقد فعلت الإمارات العربية المتحدة نفس الشيء لسنوات من خلال المشاركة بفعالية كبيرة في الحرب في اليمن إلى جانب الرياض، وفي نفس الوقت استضافة المعرض العالمي دبي 2020.

وسائل إعلام ذات ملكية مركزة أكثر فأكثر، صحفيون مؤثرون، وعمليات استحواذ تخفيها السعودية قدر الإمكان: تجعل لدى الصحافة الغربية المستقلة ذات الجودة العالية حتى الآن، العديد من الأمور لتقلق بشأنها.

ترجمة العدسة عن صحيفة lalibre الفرنسية، في مقال رأي للكاتب سيباستيان بوسوا، دكتور في العلوم السياسية، باحث مُشارك في العلوم السياسية، باحث مُشارك في العلاقات الأوروبية العربية/ الإرهاب والتطرف، مدرس العلاقات الدولية، باحث مشارك في جامعة بروكسيل الحرّة وفي جامعة مونتريال و “مركز منع الراديكاليّة المؤدّية إلى التطرّف العنيف في مونتريال”.

للاطلاع على الموضوع الأصلي (اضغط هنا) 

اقرأ أيضاً: مجلة فرنسية: تعذيب وتحرش جنسي .. شهادة جديدة تفضح انتهاكات العائلة المالكة بالسعودية