العدسة – معتز أشرف
لليوم الثاني تستمر زيارة رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق الموالي للإمارات عقيلة صالح في الرياض، في سِياق غير محدَّد ومؤشرات تتكشف عن طموح صاعد للمستشار الليبي المتطلع لكرسي الرئاسة في أول انطلاق لشرارة الانتخابات بعد إطفاء نيران الرصاص، ولكنَّه طموح يبحث عن الدعم من ديار الأمير الطائش محمد بن سلمان التي لعبت ولازالت دورًا سلبيًا وتآمريًا على ثورة 17 فبراير، وهو ما نرصد ملامحه في هذا التقرير.
زيارة غير محددة !
وفي زيارة غير محددة المدة والسياق، وصل وفد مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح الأحد، إلى العاصمة السعودية الرياض، تلبية لدعوة رئيس مجلس الشورى السعودي، الدكتور محمد بن عبد الله بن إبراهيم آل الشيخ، بحسب وكالة الأنباء السعودية “واس”، وكان في استقبال الوفد الليبي، نائب رئيس مجلس الشورى الدكتور محمد بن أمين الجفري، وعضو مجلس الشورى عبد الله العجاجي، والعضو المرافق للبعثة، والقائم بالأعمال بسفارة دولة ليبيا لدى المملكة خيري عز الدين العالم، وزعمت الوكالة الرسمية السعودية أن اللقاء يتناول عددًا من الموضوعات، وتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين وخاصة العلاقات البرلمانية بين المجلسين.
ولكن في سياق آخر، يمكن قراءة الزيارة المفاجئة، في أعقاب إعلان دار الإفتاء الليبية اتهامًا واضحًا للسعودية بزعزعة استقرار ليبيا وإجهاض الثورة، عبر قيام الرياض “برعاية التيار السلفي المدخلي وتسليطه على البلاد”، وقالت الدار في بيان إنها تعتبر ما تقوم به الجماعة- التي تنتمي فكريًا لرجل الدين ربيع المدخلي- تدخلًا ضمن الدور الذي تقوم به الرياض لزعزعة الاستقرار في ليبيا، وأوضح البيان أن السعودية سلطت السلفيين “المداخلة” على البلاد بوسائل شتى، منها الفتاوى التي تصدر إليهم بقتل الدعاة والعلماء، فيما ذكرت في بيانها أن السلفيين المداخلة ينبشون القبور ويهدمون الأضرحة بزعم محاربة الشرك وإقامة التوحيد، وكأن ليبيا بلد مشرك وأهله يعبدون الأوثان، وقالت الدار إنَّ منتمين للتيار السلفي لديهم سجون يمارسون فيها التعذيب خارج القانون، ويحتجزون فيها خصومهم دون محاكمات مشيرة الي أنَّ عناصر من التيار السلفي المدخلي المدعوم من السعودية نبشوا مؤخرًا قبر الإمام محمد المهدي السنوسي والد ملك ليبيا الراحل محمد إدريس السنوسي، في منطقة التاج بمدينة الكفرة (جنوب شرق) الواقعة تحت سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وقالت مصادر ليبية: إنَّ عناصر التيار نقلوا رفات محمد المهدي إلى جهة غير معلومة، كما حطّموا مقام الإمام وأتلفوا كل المعالم التاريخية داخله.
ألاعيب السعودية !
ورصد “العدسة“ في تقرير مهم بعنوان “التيار المدخلي.. يفضح ألاعيب السعودية والإمارات في دول الربيع العربي” تفاصيل أخرى تفيد في كشف كواليس الزيارة، حيث كشف تسجيل مصوّر لأحد المشايخ السلفيين التابعين للعسكري الليبي خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق، الذي يترأسه عقيلة صالح، توعد فيه أهالي مدينة “درنة” بالقتل، وأثار الفيديو موجة كبيرة من الجدل في كل من ليبيا والسعودية التي يقيم بها الداعية منذ سنوات.
وبثّت صفحة تدعى “غرفة عمليات سرية شهداء عين مارة”، التابعة لقوات حفتر تسجيلًا مصورًا للداعية السلفي “أبو عبدالرحمن المكي” على مشارف مدينة درنة، حيث حثَّ قوات حفتر (التي قال إنها تجاهد في سبيل الله) على اقتحام المدينة، وشبّه أهل درنة بالخوارج وهدَّدهم بالقتل إذا لم يسلموا أسلحتهم ويغادروا المدينة، وحول شخصية الداعية المثير للجدل، نقلت تقارير إعلامية عن الكاتب “محمود الغرياني” قوله: “الهيكل ليبي والمحرك سعودي، هذا المدعو أبو عبدالرحمن المكي، ليبي الجنسية من الشرق، كان يعيش بالسعودية، ورجع مؤخرًا لدعم حفتر باستصدار الفتاوى الخاصة لنصرة الكرامة (مسمى أطلقه حفتر على انقلابه الذي بدأ 2014)، مقرب من الدائرة الأولى لربيع المدخلي، معروف عنه التشدد والتطرف والغلو”، فيما تتحدث تقارير متواترة، عن أن السعودية بدأت في التدريب العسكري لشباب ليبيين من أتباع التيار السلفي المدخلي (لمؤسسة الشيخ ربيع المدخلي الأكاديمي السعودي المثير للجدل) داخل أراضيها، وأفادت مصادر، أنَّ الشباب يذهبون دفعات تحت غطاء شركات سياحية تمنحهم تأشيرات لأداء العمرة، إلا أنَّ الغرض الأساسي منها هو حضور تلك التدريبات العسكرية التي تشرف عليها السعودية، ووفق دراسة نشرها مؤخرًا مركز “رؤيا للبحوث والدراسات”، فإن التيار المدخلي السعودي المسلح يُستخدم التيار المدخلي بوضوح تام حاليًا، لتأدية دور وظيفي خليجي في كل من اليمن وليبيا؛ ففي ليبيا يساعد التيار المدخلي حفتر في محاولته القضاء على المعارضين لنفس المشروع الخليجي في ليبيا، ولا يتوانى في أثناء ذلك عن الفتك بمعارضيه؛ لأنهم في نظره “خوارج” ويجب التخلص منهم؛ لأنهم “كلاب أهل النار”، وما شابه ذلك من شعارات يُلبسها ثوب الدين لتحقيق أجندات سياسية.
تلقي الدعم !
الخيط الثاني في زيارة عقيلة صالح لديار الأمير الطائش محمد بن سلمان في هذا التوقيت، هو الحديث الدائر في طرابلس وطبرق عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة في سبتمبر المقبل، كأولوية مصيرية لحجز مكان في خريطة سياسية تكتنف محاولات تشكيلها الكثير من العراقيل الأمنية والعسكرية والسياسية أيضا، وتداولت بعض الأنباء تسريبات لأسماء المرشحين الأبرز لتشكيلة المجلس الرئاسي الليبي الجديد، وكان في مقدمتهم رئيس مجلس النواب الطبرقي “عقيلة صالح” الموالي للإمارات، وهو ما يمكن ربطه بنفوذ المداخلية في ليبيا ومدى قدرة السعودية علي تمرير النفوذ في الصناديق.
فيما كشف تقرير بريطاني عن تصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، أسماء أبرز المرشحين لتولي منصب الرئيس في ليبيا، الذي أطلق تصريحات نارية ضدّ معرقلي الانتخابات في وقت سابق قائلًا: إنَّ هناك أطرافًا (لم يسمها) لا تريد إجراء انتخابات في البلاد، خشية الخروج من المشهد السياسي”وهي تصريحات ذات دلالة بالغة الأهمية في ظل تحرك عقيلة صالح الي السعودية.
وتواترت انباء في وقت سابق، عن أن المملكة السعودية تلقت عروضًا بشأن دعوة تقدمت بها أطراف ليبية ودولية لعقد مؤتمر ترعاه المملكة، على غرار مؤتمر الطائف الذي ضمّ أطراف الحرب الأهلية في لبنان ووضع حدًّا لهذه الحرب التي استمرت 15 عامًا، وقالت المصادر وقتها: إنَّ الحكومة السعودية، لم تبدُ موافقة كاملة حيال هذه الدعوة، وهي تريد وفق المصادر قبل الشروع في عمل دبلوماسي واسع بالخصوص أن تتوافر لها شبه ضمانات بعدم وجود (فيتو) ضد أي من الأطراف الليبية، عدا تلك المصنفة دوليًا كمنظمات إرهابية، فيما لاحظت المصادر أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لم يصدر عنه أي تعليق على ما تقدم في إشارة الي السراج.
مثير للجدل
وبالبحث في دفاتر عقيلة صالح ذاته، يرى مراقبون أنّه مثير للجدل، ففي فبراير الماضي صرح بأنّ سيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور المقتول معمر القذافي، يحق له الترشح لانتخابات الرئاسة إذا لم يكن هناك مانع قضائي يحول دون ذلك، وقال صالح تعليقًا على التقارير حول نية سيف الإسلام القذافي الترشح للرئاسة: “لقد أصدرنا قانون العفو العام والعفو السياسي، وأي مواطن ليبي ليس عليه قيود قضائية من حقه أن يترشح، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي”، كما رحَّب بتدخل روسيا في ليبيا قائلًا: “أي تدخل مشروع لمصلحة الشعب الليبي نحن نرحب به ولكن الإملاءات نرفضها من الجميع”، كما قال في تصريحات كاشفة لموالاته للإمارات: فضل الإمارات يجب أن نورثه للأجيال” فيما لم يذكر ما هو فضل الإمارات الذي يرصده حقوقيون في باب الانتهاكات المستمرة في البلاد.
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن عن تمديد العقوبات المفروضة في أبريل 2016 على ثلاث شخصيات سياسية ليبية بصفتها “معرقلة لعملية السلام” في #ليبيا، وكان في مقدمتهم رئيس مجلس النواب الطبرقي عقيلة صالح، ونوّه القرار الأوروبي باستمرار فرض عقوباته على الشخصيات الثلاث بسبب “عدم حدوث تقدم ميداني باتجاه السلام واستمرار خطورة الوضع وحالة عدم الاستقرار في ليبيا”، وتشمل العقوبات “تجميد أموال المعنيين ومنعهم من السفر إلى أراضي الدول الأوروبية”.
ويرى مراقبون إصرار عقيلة صالح على التقدم لكل الوكلاء المعتمدين في مناهضة الثورات العربية، كالإمارات ثم السعودية، كمحاولة ليكون البديل المدني لقائد الانقلاب العسكري اللواء خليفة حفتر الذي يرى كثيرون أنه قد يعرقل أي مصالحة محتملة، وفي هذا الإطار تواترت أنباء في وقت سابق عن توسط الأجهزة الدبلوماسية المصرية، بين المستشار عقيلة صالح، واللواء خليفة حفتر، بهدف الوصول إلى صياغة صلاحيات وعلاقة الطرفين لإنهاء الخلاف القائم بينهما، المرتكز على تحديد صلاحيات مرضية لا تحمل أي تداخل أو تخبط بين الطرفين.
اضف تعليقا