العدسة- بسام الظاهر

يبدو أن الأمور لا تسير بشكل جيد في ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي “فتح وحماس” خلال الفترة الحالية، خاصة مع عدم إقدام السلطة الفلسطينية على رفع الحصار المفروض على القطاع، وإنهاء معاناة سكان القطاع.

التفاؤل الحذر هو العنوان العريض الذي يغلف كل الأطراف الإقليمية والدولية، وبالأخص الجانب المصري، خاصة وأنه يعلم بكل تفاصيل الخلافات بين الجانبين لتحقيق المصالحة.

ولكن التخوفات شديدة للغاية لدى سكان القطاع، الذين لا يتحملون فشل جهود المصالحة وإتمامها على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة، لما في ذلك من رفع الحصار المفروض على القطاع وتحسين الظروف المعيشية، وعودة الكهرباء طوال الـ 24 ساعة، وليس بضع ساعات في اليوم الواحد، وعدم تأخر الرواتب.

مخطط ضد حماس

وحاولت القاهرة إذابة الخلافات بين الطرفين والتوصل لاتفاق واضح لحل النقاط محل النزاع، وبينما تمكنت من هذا الأمر، وسيتم توقيع اتفاق المصالحة منتصف الشهر الجاري، إلا أن السلطة الفلسطينية كانت تخطط لأمور أخرى.

ووقع عضو المجلس الثوري في حركة فتح عزام الأحمد، وعضو المكتب السياسي لحركة حامس صالح العروري، على اتفاق المصالحة، الذي نص على أن “الحركتين اتفقتا على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها، والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصى يوم 1/12/2017 مع العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن ذلك”.

ولكن اتضح أن لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مخططًا آخر من خلال استغلال هذا الاتفاق، وأن هذا المخطط لا يتعلق فقط بنزع سلاح المقاومة وفي القلب منها حركة حماس.

ولكن أيضا بتحجيم دور حركة حماس بعد السيطرة على قطاع غزة، وانتقال حركة الوفاق إلى العمل من داخل القطاع بشكل فعلي، بحسب ما كشفته وثيقة مسربة من اجتماع المخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية، انفردت بها “العدسة”.

واستعرضت الوثيقة 4 قضايا رئيسية تتحرك فيهم السلطة بغرض إخضاع حماس خلال عامين، أولا: عدم رفع العقوبات عن عزة، إلا بعد انتهاء كل الإجراءات للسيطرة على غزة في مدة قدرها عامان، وثانيا: ضرورة نزع سلاح كتائب القسام  الجناح العسكري لحماس، والتي وصفت بـ “الميليشيات والجماعات الإرهابية”، وثالثا: عرقلة أي اتفاق لتحرير الأسرى بين حماس وإسرائيل، إلا بوجود يد لفتح، وأخيرا وقف أي تفاهمات بين حماس والقيادي المفصول من فتح محمد دحلان.

هذا المخطط من شأنه إفشال جهود المصالحة بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، وخلال أي مرحلة من مراحل تطبيقها وتسلم حكومة الوفاق مهام إدارة القطاع.

” محمود عباس “

عقبات التسوية

ولكن ثمة عقبات أخرى أمام استمرار المصالحة وعدم إفشالها، وهو ما دفع القاهرة لتحذير كل الأطراف من فشل هذه الجهود ونسف الاتفاق السابق، وهو ما كشفته صحيفة “معاريف” العبرية.

الصحيفة نشرت مقالا للخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية جاكي خوجي، وقال: إن إسرائيل لديها “معلومات” تشير إلى أن مصر أرسلت رسالة إلى جميع أطراف المصالحة الفلسطينية، أنه في حال فشل المصالحة فإنها ستنفجر في وجوه جميع هذه الأطراف.

وأضاف خوجي، أن إسرائيل تدرك رغبة حركة حماس بالمصالحة لإنقاذ غزة من المستنقع العالقة فيه، وإعادة القطاع للأيام الجيدة التي عاشها قبل سنوات الانقسام، حيث كانت تتمتع بعلاقات طيبة مع مصر ورام الله في الوقت ذاته.

ما كشف عنه الخبير الإسرائيل يؤكد وجود تنسيق واتصالات مستمرة بين مصر والكيان الصهيوني، لمتابعة عملية المصالحة والأجزاء المتعلقة بإسرائيل، والتي تتعلق بالنواحي الأمنية والعسكرية، وتحجيم دور حماس.

وأحد الأزمات المرتبطة بالمصالحة تتعلق بمستقبل الهدنة في الضفة الغربية، من خلال الضغط على حماس لكبح جماح أنشطتها الأمنية والعسكرية هناك، كجزء من صفقة شاملة تتضمن عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، بحسب المقال.

وذكر الخبير الإسرائيلي، أن إسرائيل تقع في قلب هذه الصفقة، ومستعدة لتخفيف الضغوط الأمنية على الحركة في حال الموافقة على هذه الهدنة، مع أن هذا العرض لا يحظى بموافقة الجناح العسكري لحماس، لأنه يخشى أن توجه إسرائيل له ضربة قوية.

التخوفات التي لدى حماس ليس من فراغ ولكنها قائمة على أساس من التجهيزات العسكرية الإسرائيلية لإمكانية شن هجمات على كتائب القسام، خاصة مع تدريبات لجيش الاحتلال على مواجهات في الأنفاق التي تعتمد عليها حماس، وهو ما لم يخفه جيش الاحتلال.

وبدا أنه لا تزال النقاط الخلافية لم تحسم بشكل كامل بين حركتي فتح وحماس، وتطالب حماس دمج الموظفين الذين عينتهم في جسد السلطة، وهو ما ترفضه فتح، وتدفع الأخيرة لإحالتهم للتقاعد خاصة مع تولي الصندوق الدولي توفير المستحقات.

وتطالب السلطة الفلسطينية تسلمها السلطة للمعابر كاملة، إلا أن حركة حماس تصر على بقاء موظفيها بمواقعهم في المعابر، وبقاء مكاتب أجهزة الشرطة والأمن، ودمجهم كما تم الاتفاق.

” نتنياهو “

 

كتائب “القسام”

سيناريوهات محتملة

ومن وحي هذه الخلافات فإن هناك عدة سيناريوهات أمام الجانب المصري للتعامل مع هذه العقبات:

أولا: الضغط المستمر

أول خطة ستقوم بها القاهرة هو استمرار الضغط على كل الأطراف من أجل إنجاح جهود المصالحة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، وسيكون أول محطة انتهاء المرحلة الأولى وتسلم حكومة الوفاق إدارة قطاع غزة بحد أقصى ملطع ديسمبر المقبل.

وهنا فإن تحذيرات كثيرة ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية، مع عدم مواصلة جهاز المخابرات العامة التواصل والتشاور مع طرفي المصالحة من أجل ضمان نجاحها.

وقال الدكتور سعيد اللاوندي، إن المصالحة تحتاج لحوار مستمر بين المسؤولين في حركتي فتح وحماس،  كذلك استمرار الوساطة التي تقوم بها مصر بين الطرفين.

ثانيا: الانحياز لصف حماس

وبعيدا عن الخلافات الإدارية التي ظهرت مع رفض هيئتين تسليم المقرات لحكومة الوفاق، فإن الأمور أعقد من ذلك فيما يتعلق بالعقبات التي سبق الإشارة إليها، وتحديدا في ملف نزع سلاح المقاومة ومحاولات فتح تصفية حركة حماس، وبالتالي فإن القاهرة قد تلجأ في حالة استمرار السلطة الفلسطينية في عرقلة هذه الجهود إلى الانحياز لصف حماس.

وكانت تقارير إخبارية، تحدثت عن إيصال رسالة لمحمود عباس مفادها أنه لا نزع لسلاح المقاومة، وأن المفاوضات لم تتطرق إلى هذا الأمر، وسيظل الأمر معلقا لحين مناقشته، والصورة التي سيتم بها تنظيم  سلاح المقاومة.

ثالثا: اللعب بورقة دحلان

ومن المتوقع أن تلعب القاهرة بورقة دحلان خلال الفترة المقبلة، إذا أقدمت السلطة الفلسطينية على المرواغة وعرقلة جهود المصالحة، ومن ثم إمكانية تفعيل الاتفاق السابق بين حركة حماس والقيادي المفصول من حركة فتح.

وكشف محمد دحلان عن وجود اتفاق لتقسام السلطة مع حركة حماس في قطاع غزة، في يوليو الماضي، ولكن الاتفاق لم يفعل بسبب تدخل عباس لموقفه.

وقال حينها: إن التفاهمات مع حماس ستؤدي إلى مستقبل أفضل في قطاع غزة، حيث سيتم افتتاح محطة طاقة بدعم خليجى تبلغ قيمتها 100 مليون دولار لتخفيف أزمة الكهرباء المتفاقمة فى القطاع.

رابعا: فشل الجهود المصرية

ولكن السيناريو الأسوأ هو إعلان القاهرة فشل جهود المصالحة ولكن هذا لن يتضح إلا بعد عدة أشهر من خلال مراقبة عملية تنفيذ الاتفاق بين الجانبين، وإذا وصل الطرفان إلى طريق مسدود يمكن أن تسحب المخابرات العامة يدها من هذا الملف لفترة طويلة، وتعود حماس للسيطرة على قطاع غزة مرة أخرى، ولكن هذا المرة مع علاقات جيدة مع النظام الحالي في مصر.