العدسة – معتز أشرف

كلما اقتربت عقارب الساعة في القاهرة من توقيت أي متابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف لملف انتهاكات حقوق الإنسان بمصر، كلما ظهر على السطح أبعاد جديدة في مخطط نظام الديكتاتور المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، لتشويه ملف حقوق الإنسان الذي حقق نجاحات كثيرة في السنوات الأربع الماضية في مواجهة العدوان المستمر على حقوق المصريين، فبعد فشل اعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان وإصدار قوانين تحاصر عملهم أو شراء ضمائرهم في المجلس الحكومي الحقوقي في وقف التوثيق والتصعيد أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، انتقل نظام السيسي بآلياته الخشنة إلى التشويش وإجهاض المصداقية، ولكن كانت النتيجة هزيمة جديدة للنظام، باتت هذه المرة في اشتباك مع مؤسسة إعلامية دولية لن تصمت!.

طبخة فاسدة

مرتان في فترة قصيرة، يقود فيهما الدكتور ضياء رشوان، رئيس هيئة الاستعلامات، طبخة النظام لتشويه ملف حقوق الإنسان، إلا أنه يسقط سقوطًا مدويًّا -وفقا للمراقبين الذين تحدثوا عن أن إظهار “فتاة البي بي سي” بعد زوبعة قتل الشاب عمر الديب- يكشف مخطط النظام لضرب مصداقية ملف حقوق الإنسان، في محاولة فاشلة جديدة وفق مراقبين وحقوقيين، حيث سقطت ورقة التوت سريعا عن نظام السيسي، عندما سارع وزير الخارجية المصري سامح شكري، للحديث عن الأمر دون أي توثيق، أثناء كلمته أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان، الثلاثاء، حيث قال: “إن التقرير الذي أعدته “بي بي سي” عن فتاة مصرية قالت والدتها إنها مختفية قسريًّا يفتقر للمهنية”، بحسب زعمه، فيما أكد متحدث باسم الـ”بي بي سي” أن الهيئة البريطانية واثقة من نزاهة مراسليها.

وبدأت الواقعة ببث قناة الـبي بي سيتقريرًا أعدته من مصر، عن حبس وتعذيب وإخفاء معارضي الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، وأكدت سيدة مصرية خلال التقرير أن ابنتها، وتدعى زبيدة يونس، تعرضت للحبس والتعذيب والإخفاء القسري على يد قوات الأمن المصري، فيما ظهرت زبيدة خلال حوار تليفزيوني أجرته على قناة “On Tv” المصرية مع الإعلامي المقرب من السيسي عمرو أديب، بعد تقرير الـ”بي بي سي” بعدة أيام، حيث نفت مزاعم والدتها بأنها مقبوض عليها، وقالت إنها لم تر والدتها منذ حوالي عام بسبب خلافات عائلية بين الاثنين، كما أضافت أنها متزوجة وتعيش مع زوجها دون علم والدتها، فيما أصرت والدة زبيدة على أقوالها، حيث قالت في حوار تليفزيوني لقناة “مكملين” إن حديث ابنتها لقناة “On Tv” هو حديث “هزلي وما قلته للـ”بي بي سي” هو الحقيقة… ابنتي تعرضت للتعذيب حتى تنفي القبض عليها”.

هيئة الاستعلامات المصرية، المعنية بتنظيم عمل المؤسسات الإعلامية الأجنبية لم تنتظر مزيدا من الوقت، في دلالة على تعجلها صورةً ما، بناء على مخطط مسبق، حيث طالبت جميع المسؤولين المصريين بمقاطعة الـ”بي بي سي” حتى تقدم الأخيرة اعتذارًا رسميًّا، رغم أن المقاطعة قد بدأت في وقت سابق، حيث رفض المسؤولون المصريون التعليق على ما جاء في الحلقة الخاصة من حالات جريمة الإخفاء القسري.

وكانت هيئة الاستعلامات حاولت ضرب ملف الإخفاء القسري قبل أسابيع كذلك، بإصدارها مزاعم عن قتل الشاب عمر الديب، حيث نشرت مقطع فيديو تضمن رثاء تنظيم داعش المتطرف للشاب عمر نجل د. إبراهيم الديب، أحد قيادات الإخوان المسلمين، وتضمن تصريحات لوالده عن أن نجله خُطف قسريًّا ثم تم تصفيته، وهو ما استنكره والده د.ابراهيم الديب، في بيان رسمي، موضحا كافة الحقائق، مضيفا: “توقيت عرض الفيديو وطريقة إعداده، والتي تكشف إقحام تسجيل ابني عمر الديب، وما تلاه من كلمات بالفيديو، بطريقة غير معتادة، بما يوحي بإعداد هذا الفيديو وعرضه في توقيت محدد لتحقيق أهداف سياسية محددة، وابني عمر سُرق مني فكريًّا وروحيًّا وبدنيًّا، وهو ضحية”.

تشويه ممنهج

حقوقيون ونشطاء بارزون، اطلقوا سهام النقد من منصات التواصل الاجتماعي فور نشوب المعركة، في مواجهة مخطط أجهزة السيسي ضد انتهاكات حقوق الإنسان، واعتبروا ما جرى استهدافا ممنهجًا لتشويه العمل الحقوقي، الذي قام بجهود كثيرة في الفترة الماضية لفضح النظام.

الحقوقي، المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية لحقوق الإنسان، عزت غنيم، كشف عن وجود حملة ممنهجة تستمر حتى 2019، وقال بوضوح لا يحتمل الشك: ” النظام يفعل كل ما يستطيع لتبيض وجهه قبل المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان المصري في الامم المتحدة في نوفمبر 2019، هذه الفترة ستكون الأكثر انتهاكا وتزييفًا, وتشويهًا للعمل الحقوقي”.

أما الحقوقي، المدير التنفيذي لمنظمة “كوميتي فور جستس”، أحمد مفرح، فيؤكد أن قضية الإخفاء القسري موثقة بتقارير صادرة من الفريق العامل المعنيِّ بحالات الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، وموثقة بآلاف البلاغات المقدمة لمكتب النائب العام، وموثقة بتقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الإعلام ليس أداة لتوثيق القضايا، هو ناقل فقط، وبالتالي؛ فالقضية بالنسبة له ” لا تحتاج لتوثيق من “برنامج عمرو أديب، ولا BBC، أو الجزيرة، أو القنوات المعارضة في تركيا، ولا للجان الإلكترونية بتاعة (التابعة لـ) الجارحي أو الإخوان، فالإعلام ليس أداةً لتوثيق القضايا، هو ناقل فقط”.

كما أكد الحقوقي رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي، أن فيلم الـ BBC يتحدث عن تعذيب مستمر، منذ 3 يوليو 2013، ويتعمم على أكثر من 6 آلاف مختفٍ قسريًّا.

وأضاف المستشار الدكتور محمد وفيق زين العابدين في تدوينة، أن والدة الفتاة كانت صاحبة عقل راجح حين قارنت بين ابنتها زبيدة والفريق أحمد شفيق، فالأخير تراجع عن أقواله بكل سهولة، وهو من هو!، وهو ما يمكن أن يحدث لابنتها تحت الإكراه، مشيرا إلى أن “أزمة زبيدة مش(غير) محتاجة جدال ولا مقارنة روايات، ولا ادعاء لحكمة فارغة كاذبة.. الموضوع بسيط جدً؛ إما أن تكون مع الحق تمامًا، أو مع الباطل تمامًا، يا أبيض يا أسود، عندها فقط وحينها فقط لا غير، ستعرف الصدق من الكذب، وستميز الصادق من الكاذب”.

وشدد الكاتب الصحفي رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام قطب العربي على أنه “مهما كانت تفاصيل قصة الفتاة زبيدة ووالدتها، فإنها لا تنفي وجود الإخفاء القسري، بل تؤكده على الأقل نظرا لوجود ٣ حالات أخرى تضمنها تقرير الـ”بي بي سي”، صمتت الشرطة تجاهها، وطبعا هناك عشرات الحالات المختفية منذ وقت طويل، لعل أبرزها نجل المحامي إبراهيم متولي، وهو مختفٍ منذ أربع سنوات ونصف، وحين تحرك والده للبحث عنه تم اعتقاله أيضًا”، مشيرًا إلى أطراف المخطط وهدفهم، بقوله: “إذا كان ضياء رشوان وعمرو أديب ومن خلفهما من رجال الأمن يريدون ضرب سمعة “بي بي سي” فأطمئنهم أن سمعتهم هم هي المضروبة، ولا يمكن الوثوق بها، والأهم أن المجتمعات الغربية، التي يريدون الوصول إليها، لم تنس أشهر واقعة اختفاء قسري للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي قتلته الشرطة بعد أن عذبته، ثم قتلوا ٥ أبرياء بزعم أنهم من قتلوا “ريجيني”، وأتوا بالعديد من الفبركات لإثبات جريمتهم التي تحولت إلى فضيحة عالمية”.

توثيق دولي

توثيق انتهاكات حقوق الإنسان تخطت مرحلة التشويش، وباتت التقارير متواترة على استمرار الجرائم، ومنها ما قالته منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها السنوي مطلع هذا العام: “استمرت حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي في رفضها المطلق لأية معارضة، فشرّعت قوانين قمعية، لاسيما قانون الجمعيات الأهلية، الذي قد يقضي على المنظمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ، في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة “الإرهاب”، قبضت قوات الأمن على مئات المعارضين، واستهدفت بالأساس جماعة “الإخوان المسلمين”، ومارس “جهاز الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخلية، الاحتجاز التعسفي والإخفاء والتعذيب بحق الأفراد، فيما أشارت في تقرير عام 2017، إلى “استمرار عناصر قوات الأمن – لاسيما “جهاز الأمن الوطني” بوزارة الداخلية – في تعذيب المعتقلين كممارسة عامة، وأخفوا قسرا مئات الأفراد، دون محاسبة تُذكر على انتهاك القانون، كان إخفاء وتعذيب ومقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني – ويُرجح أن هذا قد حدث على يد الأجهزة الأمنية – قد ألقى الضوء على هذه الانتهاكات، وسبَّب أزمةً دبلوماسية بين مصر وإيطاليا”.