في 10 أغسطس/آب، صرح نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة “ديمتري بولانسكي”، للصحفيين بأن روسيا تعتبر الصراع في اليمن “أحد أكثر المواضيع أهمية في جدول أعمالها”، لكنه رفض التعليق على استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن. ولم تتضمن ملاحظات “بولانسكي” الغامضة إشارة إلى دعم روسيا لوحدة الأراضي اليمنية، واختلفت عن التصريحات المؤيدة لوحدة اليمن الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ردا على الاشتباكات في عدن.

 

حسابات موسكو

ويكشف رد فعل روسيا الحذر على انتصار المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن عن رغبتها في أن تظل محايدة في الوقت الذي تتباين فيه مصالح المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن. وتعكس استراتيجية التحوط التي تتبعها موسكو أيضا الشكوك التي يواجهها مجتمع الخبراء الروس حول عمق ومدى الخلافات السعودية الإماراتية في اليمن. وفي الطرف المتشائم، جادل “سيرجي سيربروف”، الخبير في شؤون اليمن في معهد الدراسات الشرقية في موسكو مؤخرا بأن الصراع في اليمن لم يعد “حربا أهلية” بل “نتاج للتدخل العسكري للتحالف العربي”. واستبعد محللون روس آخرون، مثل خبير الدفاع “كيريل سيمينوف”، احتمال حدوث “صراع مفتوح بين السعودية والإمارات في اليمن”، وأشاروا إلى التصريحات العلنية الإماراتية الحذرة بشأن الأحداث في عدن.

وعلى الرغم من أن روسيا لا ترغب في التدخل في النزاعات الداخلية التي تكتنف التحالف العربي، إلا أن موسكو تريد الحفاظ على مكانتها المتنامية كصاحب مصلحة دبلوماسية في اليمن. وفي أوائل يوليو/تموز، سافر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، “مارتن غريفيث”، إلى موسكو لإجراء مناقشات حول عملية السلام في اليمن. واجتمعت روسيا بعد ذلك مع كبار المسؤولين المتحالفين مع حكومة “عبدربه منصور هادي” والزعماء الحوثيين. ونظرا لأن روسيا التزمت بسياسة عدم الانحياز الاستراتيجي في اليمن، فإن الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي ينظرون إلى روسيا كشريك قيّم في جهودهم للحصول على الشرعية الدولية.

 

مغازلات الحوثيين

وبما أن روسيا تعمل باستمرار دبلوماسيا مع ممثلي الحوثيين، منذ أوائل عام 2015، يأمل المسؤولون الحوثيون في أن تؤدي الأحداث الأخيرة في عدن إلى تأييد موسكو لتسوية سلام جديدة تضفي الشرعية على سلطة الحوثيين على صنعاء. وقال “ناصر العربي”، المراقب البارز للشؤون اليمنية في صنعاء، لـ”المونيتور”، إن المفاوضين الحوثيين يخططون للفت انتباه المسؤولين الروس إلى احتمالات “الحرب القريبة” بين الحلفاء السعوديين والإماراتيين في اليمن والتأكيد على أنه “يمكن للحوثيين وحدهم أن يتصرفوا بحكمة”، مع الأخذ في الاعتبار أيضا أن التناقض بين التماسك الظاهر للحوثيين والانقسام الحاصل في ائتلاف “هادي” قد يقنع روسيا بتقديم الدعم لقضية الحوثيين.

ولاستكمال استعراض القوة هذا، واكتساب استقبال إيجابي في موسكو، أشاد كبير الدبلوماسيين الحوثيين “محمد عبدالسلام” علنا بخطة الأمن الجماعي الروسية الخاصة بالخليج العربي. ويأمل الحوثيون أيضا في أن يكون لقاء “عبد السلام” الأخير مع “علي خامنئي” في طهران بمثابة بوابة لممارسة الدبلوماسية على المسرح العالمي، وهم ينظرون بشكل إيجابي إلى جهود روسيا المشتركة مع إيران كعامل مهم في إنهاء الحرب في اليمن. وعلى الرغم من هذه الإشارات الإيجابية، من غير المرجح أن تنجح جهود تواصل الحوثيين مع روسيا ما لم توقف الجماعة المسلحة أنشطتها المزعزعة للاستقرار، مثل هجمات الطائرات بدون طيار على الأراضي السعودية وجهود تخريب شحنات النفط.

 

والجنوبيون أيضا

ويعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي أن انتصاره السريع في عدن سيقنع روسيا بدعم إنشاء دولة يمنية جنوبية مستقلة. وعند سؤاله عن إمكانية دعم روسيا لمشاركة المجلس في مفاوضات السلام المدعومة من الأمم المتحدة، قال “أحمد بن فريد”، كبير دبلوماسيي المجلس في أوروبا، لـ”المونيتور”: “هناك حقيقة جديدة على الأرض، وقد شهد العالم هذا الواقع”. ويعتقد “بن فريد” أن التدفقات الأخيرة من الدعم الشعبي للمجلس ستجبر القوى العالمية الكبرى، مثل روسيا، على التوقف عن تجاهل مطالب جنوب اليمن.

ولا يعد تفاؤل “بن فريد” غريبا، حيث قام زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، “عيدروس الزبيدي”، بزيارة موسكو، في مارس/آذار. وقد أبرز السفير الروسي في اليمن “فلاديمير ديدوشكين” بشكل متكرر أهمية حل مسألة وضع جنوب اليمن. ومع ذلك، لم تؤيد روسيا علنا إدراج المجلس في أي تسوية سلمية مقبلة، حيث تلتزم روسيا رسميا بوحدة اليمن، ولا ترغب في أن يُنظر إليها كداعم لتطلعات الهيمنة الإماراتية على البحر الأحمر. لكن بالنظر إلى المستقبل، قد يغير ركود عملية السلام في اليمن سياسة روسيا تجاه المجلس ذو التطلعات الانفصالية. وقال السفير الروسي السابق في السعودية “أندريه باكلانوف” لـ “المونيتور”، إنه إذا لم تبد الأطراف المتحاربة في اليمن “درجة مناسبة من الاستعداد لتقديم التنازلات” فقد توافق روسيا على السماح لجنوب اليمن “بتشكيل حكومته الخاصة لإحلال السلام في المنطقة”.

وعلى الرغم من أن الأحداث في عدن قد تشجع روسيا على إقامة علاقات أوثق مع الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن تصرفات موسكو مقيدة بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي يدعم اليمن الموحد. وكانت روسيا هي الدولة الوحيدة التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2216، حيث كانت تخشى أن يؤدي فرض عقوبات على الحوثيين إلى تصعيد النزاع، لكن موسكو لم تحاول إصلاح القرار منذ تنفيذه.

وعلى الرغم من التزام روسيا العلني بقرار مجلس الأمن رقم 2216، توجد علامات على أن موسكو قد تكون على استعداد لدعم استبدال هذا القرار بإطار أكثر شمولا. وفي فبراير/شباط، انتقد “ديدوشكين” ضمنيا قرار مجلس الأمن رقم 2216 لسماحه باستخدام القوة في اليمن. وقال “باكلانوف” إن حل الحرب الأهلية اليمنية “جزء لا يتجزأ” من خطة الأمن الجماعي الروسية الجديدة في الخليج العربي. ونظرا لأن الرؤية الأمنية الجماعية لروسيا تتوقف على إشراك جميع أصحاب المصلحة المعنيين، يمكن لموسكو الضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية في اليمن تلبي احتياجات الحوثيين ومصالح المجلس الانتقالي أكثر من المقترحات الحالية.

وعلى الرغم من أن روسيا اتبعت الحذر في أعقاب انتصار المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، ينظر الحوثيون والمجلس الجنوبي إلى موسكو كشريك يحتمل أن يكون مفيدا في جهودهم لكسب الشرعية الدولية. ومع تصاعد الانقسامات داخل التحالف الذي تقوده السعودية، يبدو قرار مجلس الأمن رقم 2216 غير متناسب على نحو متزايد مع التطورات على أرض الواقع، لذا يمكن لروسيا أن تزيد من دعمها لتسوية سلمية أكثر شمولية ومراعاة لمصالحها في اليمن.