العدسة – معتز أشرف:

قانون يقنِّن الإفلات من العقاب صدر في وقت مثير بالتزامن مع الذكرى الخامسة للانقلاب العسكري على د. محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، ووسط مطالب واسعة برحيل رأس النظام الجنرال عبد الفتاح السيسي ومحاسبته على جرائمه.

نرصد مواد هذا القانون والآثار المترتبة عليه وردود الأفعال الأولية..

فحوى القانون

وافق مجلس النواب في جلسة الثلاثاء على مشروع  قانون مقدَّم من الحكومة بشأن تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة، المشاركين في أحداث 30 يونيو، كشف عن مخاوف النظام الحالي من المستقبل؛ حيث يقنّن القانون- بحسب مراقبين- مسارات الإفلات من العقاب طبقًا لمطالب المعارضين والحقوقيين بملاحقة قيادات عسكرية وشرطية شاركت في مذابح ضد الشعب منذ 30 يونيو.

ونصَّت المادة الخامسة في القانون على أنه لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهة أي من المخاطَبين بأحكام هذا القانون، عن أي فعل ارتُكِب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور، وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه، أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وقرَّر القانون في المادة الأولى استمرار استدعاء الضباط من كبار قادة الجيش، لخدمة القوات المسلحة مدى حياتهم، ويكون الاستدعاء لمن يشغل منهم منصبًا أو وظيفة خارج القوات المسلحة، فور انتهاء شغله لهذا المنصب أو تلك الوظيفة..

فيما حَظِي القانون بمزايا للمتورِّطين في الأحداث؛ حيث قرر القانون في المادة الثانية أن يعامل المعاملة المقررة للوزير كل من لم يشغل من كبار قادة القوات المسلحة المشار إليهم في المادة الأولى من هذا القانون منصب الوزير أو منصبًا أعلى، ويتمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة. وفي المادة الثالثة نصّ القانون: “يحدّد بقرار من رئيس الجمهورية المزايا والمخصصات الأخرى، التي يتمتع بها المخاطبون بأحكام هذا القانون، ويجوز الجمع بين المزايا والمخصَّصات المقررة بناءً على أحكام هذا القانون، وبين أي ميزة مقرّرة بموجب أي قانون آخر.”

وفي المادة السادسة من القانون جاءت لتمنح المخاطَبين بأحكام هذا القانون أثناء سفرهم خارج البلاد بالحصانات الخاصة المقررة لرؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية طوالَ مدة خدمتهم، وكذا مدة استدعائهم.

البرلمان المصري

البرلمان المصري

رفض وحملات!

وفي المعسكر الآخر المُطالب بالحقوق، أعلن المستشار أحمد سليمان وزير العدل في حكومة د.هشام قنديل رفضَه للقانون، مؤكدًا أنه يهدف لتحصين المجرمين من المحاكمة، وهو ما أيَّده المجلس الثوري المصري، وقال في تدوينة على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “السيسى يسعى لإصدار قانون عبر بوتيك علي عبد العال لتحصين المجرمين من المحاكمة حيث يسعى لتحصين المجرمين مرتكبي الجرائم التى وقعت منذ تعطيل العمل بالدستور أي 3 / 7 / 2013 أمام المنصة والحرس ومجزرة رابعة والنهضة وما سبقها، وتلاها حتى بداية موسم بوتيك نوابه فى ديسمبر 2015، ويمنحهم مزايا مادية ورواتب ونياشين وأوسمة ويمنح من لم يعيَّن وزيرًا منهم كافة حقوق الوزراء وغيرها مما يفيض به عليهم من ميزانية شبه الدولة التى يتحكم فيها بمفرده، كما يمنحهم الحصانة الدبلوماسية عند سفرهم للخارج حتى لا يتعرضوا للقبض والمحاكمة فى الخارج”.

وأضاف أنَّ “علي عبد العال” وأتباعه لن يتوانوا في إصدار القانون والهتاف بحياة قاتلي الشعب المصري، وتوفير الحماية لهم، ولكن الله للمجرمين بالمرصاد، ولن يفلت أحدهم من عقاب الله فى الدنيا والآخرة، والأيام بيننا”.

المستشار أحمد سليمان

 

وشنّ المغردون والمدونون والنشطاء هجومًا شرسًا ضد القانون على موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر”، مؤكدين أنَّ ما صدر عن المجلس باطل ومصيره الزوال.

وقالت سونيا محمد يس: “كل ما يصدر عن باطل فهو باطل.. ولن يعفيهم من القصاص بإذن الله”. فيما أضافت صاحبة حساب “مصرية حرة” أنَّ النهاية قد تكون اقتربت قائلة: “تبقى نهايتهم قربت وحاسين بالضعف يارب فرجك علينا”.

أماني طلعت لجأت إلى الدعاء، قائلة: “اللهم عجّل بقصاصك العادل”، فيما وصف عبد الفتاح عصفور القانون بأنه قانون “عسكر حرامية وخونة”.

وبالتزامن مع القانون أطلقت الجبهة الوطنية المصرية الثلاثاء ( ٣ يوليو ٢٠١٨) حملة إعلامية بعنوان “ارحل”، وذلك في الذكرى الخامسة للانقلاب العسكري على ثورة يناير ومسارها الديمقراطي، وارتبطت الحملة بنفس الهدف، ولكن بطريقة مضادة؛ حيث تسعي لـ” تبصير الشعب المصري بجرائم سلطة الانقلاب بحق الوطن والمواطن، وفشل هذه السلطة في إدارة البلاد وتعريضها للخطر”.

الحملة أعلنت أنها ستتضمن “عرضًا لأبرز جرائم سلطة السيسي والتي لا تستوجب فقط رحيل السيسي، ونظامه بشكل عاجل بل ومحاكمته؛ إنقاذًا للوطن والمواطن، وتمثل الحملة فرصة رمزية للعمل الوطني المشترك”، وبدأت الحملة بهاشتاج (#ارحل) الذي تأمل من الجميع المشاركة بالكتابة عليه، كما تدعو الجميع لنقل المنتجات الفنية للحملة في قنواتهم ومواقعهم وصفحاتهم الشخصية.

تقليد صهيوني!

قانون نظام السيسي، بحسب المراقبين، يأتي صدًى لقانون مماثل تحرك  قبل أيام في “إسرائيل”؛ حيث صوتت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي في تحدٍّ بالغ للقوانين الدولية، بالقراءة الأولى لصالح مشروع قانون يحظر توثيق ممارسات الجنود خلال أداء المهام العسكرية، في أخطر قوانين تقنّن الإفلات من العقاب، وبحسب صحيفتي “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” العبريتين، ينصّ مشروع القانون، وفق “هآرتس” على “منع تصوير الجنود، ومعاقبة من يصوّرهم وينشر الصور بالسجن خمس سنوات، إذا أدّى ذلك إلى المساس بروح الجنود القتالية، والسجن 10 سنوات إذا كان الهدف من التصوير ونشر الصور هو المساس بأمن الدولة”.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وثّق نفس أسلوب السيسي، ولكن في إسرئيل؛ ففي العام 2015 أكّد في تقرير له أن النظام القانوني الإسرائيلي يُستَخْدم لإعطاء غطاءٍ قانوني لما يمارسه الاحتلال من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي الهند كذلك!

تحرُّك النظام المصري جاء في نفس إطار تقنين الهند لجرائم جنودها وقادتها ضد كشمير المسلمة، وفي تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان في الإقليم، كشف المفوّض السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، عن وجود تشريع هندي يقضِي بحماية الجنود المشاركين في قمع الانتفاضة الكشميرية المسلمة، يقف وراء أزمة واسعة للإفلات المُقنَّن من العقاب تحت إشراف النظام الهندي القمعي.

وسلط المفوض السامي، في تقريره الذي صدر مؤخرًا، الضوءَ على ما أسماه “الإفلات المزمن من العقاب بشأن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن”، وأشار في التقرير إلى أنَّ “القوة المفرطة” أدَّت إلى وفاة نحو 145 مدنيًّا في الفترة بين منتصف عام 2016 إلى أبريل من هذا العام، موضحًا أنَّ عدم قدرة الضحايا على الوصول إلى العدالة لا يزال يشكل تحديًا رئيسيًّا في جامو وكشمير؛ بسبب التشريع المشبوه الذي يقضي بحماية المتورطين في الجرائم، وهو ذات الهدف الذي يسعى إليه نظام السيسي.

مجزرة رابعة

إنها مذبحة رابعة، التي يخشاها النظام المصري، وفق مراقبين؛ حيث أثبت منظمات حقوقية بارزة أنّ مذبحة رابعة وغيرها من وقائع القتل هي على الأرجح جرائم ضد الإنسانية، بالتزامن مع تحركات المعارضة للملاحقة الجنائية الدولية، والتي لم تنجح حتى الآن.

مجزرة رابعه

مجزرة رابعه

 

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير يستند إلى تحقيق استمرَّ عامًا كاملًا: إن وقائع القتل الممنهج وواسع النطاق لما لا يقل عن 1150 متظاهرًا بأيدي قوات الأمن المصرية في يوليو وأغسطس من عام 2013، ترقَى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، وفي فضّ اعتصام رابعة العدوية وحده في 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن، باتباع خطة تتحسب لعدة آلاف من الوفيات، بقتل 817 شخصًا على الأقل، وأكثر من ألف على الأرجح”.

وكشف التقرير المكوَّن من 188 صفحة، والذي صدر تحت عنوان “حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر”، عن كيفية قيام قوات الشرطة والجيش المصريتين على نحو ممنهج ومشرعن بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين المعارضين لخلع الجيش في 3 يوليو لمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، في ستّ مظاهرات بين 5 يوليو و17 أغسطس 2013.