العدسة – معتز أشرف
لم تَبقَ بطولة كأس العالم في منأى عن التجاذبات السياسية، وحفَلَ المونديال الروسي- منذ انطلاقه- بمؤشرات سياسية غطت- في بعض الأحيان- على المباريات والأحاديث الكروية.
نرصد بعض فصولها منذ انطلاق المونديال.
عقوبات “ترامب”!
جاء إعلان شركة “نايك” الرياضية الأمريكية، عن امتناعها عن تزويد لاعبي المنتخب الإيراني بالأحذية المخصصة لخوض مونديال روسيا لكرة القدم، الذي بدأ الخميس14 يونيو، ليرصد التداخل السياسي الاقتصادي في الرياضة، بناء على قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي، وتطبيق “أقسى العقوبات الاقتصادية” على طهران، وأرجعت الشركة القرار إلى أن “العقوبات الأمريكية تعني أن “نايك”، كشركة أمريكية، لا يمكنها تزويد لاعبي المنتخب الوطني الإيراني بالأحذية”.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فالمنتخب الإيراني كان أول الواصلين إلى العاصمة موسكو، للاستعداد لخوض النهائيات، بيد أن هذا الوصول المبكر يقف خلفه امتناع المنتخبات عن خوض مباريات ودية تحضيرية مع إيران.
فلسطين حاضرة
حضرت القضية الفلسطينية بقوة في أرجاء المونديال، وتداول نشطاء مقطع فيديو لمشجعين تونسيين في مونديال روسيا وهم يلاحقون مشجعًا إسرائيليًّا، أثناء تجولهم في الشوارع.
وهتف المشجعون: “فلسطين فلسطين، DÉGAGE إسرائيل… تحيا فلسطين VIVE PALESTINE”. وقد أثار هذا المشهد حماس الحاضرين، خاصة من المشجعين المغربيين، الذين انضموا إلى المشجعين التونسيين، ليعبروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق انتشرت صور لمشجعين تونسيين ومغاربة، وهم يرفعون العلم الفلسطيني في الشوارع وفي مدرجات الملاعب أثناء المباريات.
وشهدت مباراة البرتغال والمغرب في كأس العالم، أجواءً مشحونة بالتوتر؛ بسبب قيام مشجعين برفع العلم الإسرائيلي في مدرجات ملعب المباراة بالعاصمة الروسية موسكو.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر مجموعة من المشجعين يرفعون العلم الإسرائيلي في المدرجات، الأمر الذي أثار غضب الجماهير المغربية.
وسارعت بعض الجماهير المغربية لانتزاع العلم الإسرائيلي والتخلص منه ومنع رفعه في مدرجات الملعب، حيث أظهر الفيديو بعض أنصار أسود الأطلس وهم يتعاركون مع مجموعة من المشجعين لانتزاع العلم الإسرائيلي.
ووضع المشجعون الإيرانيون العلم الفلسطيني، وهتفوا باسم القدس أمام ملعب “كريستوفسكي” في سان بطرسبورج، في الجولة الأولى من منافسات المجموعة الثانية مع المغرب، وحضر عدد من الشباب الفلسطيني المهاجر إلى روسيا ممن حرصوا على التواجد فقط لرفع علم بلادهم أمام كاميرات الصحف العالمية، ومع انطلاق النشيد الوطني لجمهورية مصر العربية قبل انطلاق مباراة مصر وأوروجواي رفعت الأعلام الفلسطينية داخل المدرجات المصرية.
كما انتشرت لوحة القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي يمثل رمزًا للدفاع عن القدس العربية، وذلك في إطار تضامن مع القضية الفلسطينية.
التجسس الروسي!
لم يكن المونديال بعيدًا عن التراشق الأمريكي الروسي، حيث حذر مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية مشجعي كرة القدم الراغبين بالسفر إلى روسيا لمتابعة المونديال، من أن هواتفهم الذكية وكومبيوتراتهم المحمولة قد تتعرض للتجسس من قبل قراصنة إلكترونيين يعملون في خدمة الكرملين.
وأكد مدير المركز الوطني للأمن ومكافحة التجسس، وليام إيفانينا، أنه حتى أولئك الذين يظنون أنهم غير مهمين على الإطلاق يمكن أن يتم التجسس عليهم أثناء وجودهم في روسيا، مضيفًا أن “كل الذين يسافرون إلى روسيا لحضور كأس العالم يجب عليهم ألا يقللوا البتة من شأن المخاطر الإلكترونية التي ينطوي عليها هذا الأمر”.
وأوضح “إيفانينا” أن المسؤولين الحكوميين ومسؤولي الشركات هم الأهداف الأساسية لعمليات التجسس، مضيفًا: “لكن لا تنطلقوا من مبدأ أنه لا قيمة لكم كي يتم استهدافكم”.
استغلال “صلاح”!
استغل الرئيس الشيشاني، المتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، رمضان قديروف، النجم المصري محمد صلاح، منذ اليوم الأول لوصوله إلى “الشيشان”، واعترف موقع مصري محسوب على الأجهزة الأمنية بالاستغلال الشيشاني للنجم المصري..
وقال موقع “صدى البلد” في تقرير له عن الأزمة: “منذ اللحظات الأولى التي خطي بها العالمي “مو صلاح” مع المنتخب المصري، هناك استقبال حار، وظهور متكرر لرئيس الشيشان “رمضان قديروف” إلى جانب محمد صلاح، لاعب المنتخب المصري ونادي ليفربول الإنجليزي، والتقطت عدسة الكاميرا صورًا وهو يصاحب صلاح في سيارته الخاصة، وبعدها داخل الملعب، وأخيرًا كان حفل العشاء الذي استضاف فيه فريق المنتخب المصري، والذي قام فيها بمنح “صلاح” حق المواطنة الفخرية الشيشانية، تقديرًا لما يقدمه في أوروبا، وكونه خير سفير للعالم العربي والإسلامي في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، لتشعل تلك الصور المتتالية الرأي العام الأوروبي، وأحاديث الصحف الغربية، التي انتقدت “صلاح”؛ كونه يقف إلى جوار رئيس دولة داعم للإرهاب”.
الأزمة فجرتها شبكة CNN الأمريكية، بعد الكشف عن غضب “صلاح”، نقلًا عن مصدر مقرب من مهاجم الفريق المصري البارز، قائلًا: “إن محمد صلاح يدرس اتخاذ قرار الاعتزال اللعب الدولي مع منتخب بلاده بعد مونديال روسيا؛ نتيجة عدم رضاه عما حدث في معسكر المنتخب المصري في جروزني عاصمة الشيشان”، حيث مقر إقامة منتخب مصر في كأس العالم، ووفقًا للمصدر، فإن “صلاح غاضب مما حصل، كونه لا يرغب في المشاركة في أية أحداث لا تتصل بكرة القدم، ولا يحب استغلاله لغايات سياسية”، حيث تعرض “صلاح” لانتقادات نتيجة ظهوره في صورة برفقة الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، المتهم بقمع المعارضة في بلاده.
وقالت الشبكة: “بينما كان محمد صلاح يناضل من أجل لياقته، أصبحت صورة “صلاح” وهو يسير بجانب زعيم الشيشان “رمضان قديروف” نقطة حوار رئيسية في كأس العالم بسبب أفعال الرئيس.
تجاذبات مستمرة
دانييل رايش، أستاذ مشارك في السياسة المقارنة في الجامعة الأمريكية في بيروت، والذي يكتب بشكل أساسي عن الرياضة والسياسة، يرى وفق مقابلة مع مركز كارنيجي للدراسات، أن بطولة كأس العالم لم تبق في منأى عن التجاذبات السياسية، فوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان زعم أن المهاجم الأرجنتيني ليونيل ميسي أضاع ركلة الجزاء أمام منتخب آيسلندا لأن الأرجنتين ألغت آخر مباراة وديّة ضد إسرائيل قُبيل مشاركتها في نهائيات كأس العالم.
وأضاف أنه ثم أمر آخر مثير للاهتمام طرأ في المباراة الافتتاحية لكأس العالم، والتي جمعت روسيا والسعودية، حيث ظهرت خلال المباراة إعلانات الخطوط الجوية القطرية على شريط الإعلان الجانبي للملعب، فبدا ذلك وكأنه هدف سجّلته قطر في مرمى السعودية كطريقة لإهانتها على وقع الخلافات المُستعرة بينهما، كما شكّل حجب قناة “BeIN” الرياضية القطرية في كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة، وإطلاق قناة بديلة مقرصنة تحظى برعاية الدولة على الأرجح، فصلاً جديدًا من فصول التصعيد مع قطر، والذي مضى عليه عام من الزمن.
وأوضح أن ما أثار انتباهه حتى الآن في بطولة كأس العالم تشجيع النساء الإيرانيات لفريق بلادهن، ما شكّل موقفًا قويًّا ضد منع النساء الإيرانيات من حضور مباريات كرة القدم المحلية، فيما أشار إلى أنه حدثت نقلة من الغرب إلى الشرق فيما يتعلق بتمويل كأس العالم، فعلى ضوء فضائح الفساد، انسحبت الجهات الراعية التقليدية الغربية، ليحل محلها جهات راعية من روسيا والصين وقطر، ولم يكن جلوس رئيس الفيفا، جيوفاني إنفانتينو، خلال المباراة الافتتاحية، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، سوى خطوة رمزية، حتى لو حصل ذلك لأن المباراة كانت بين روسيا والسعودية.
ولفت “رايش” الانتباه إلى أن كأس العالم للعام 2022، سيقام في قطر، على الرغم من أن ذلك قد لا يعجب الجميع، بعد أن استخدمت قطر الرياضة بشكل استراتيجي كأداة في السياسة الخارجية تساهم في الحفاظ على أمن الدولة وتسمح للبلاد بتعزيز قوتها الناعمة، وكانت خطوة قطر المتمثلة في نقل اللاعب البرازيلي نيمار جونيور إلى فريق باريس سان جيرمان، المملوك لقطر، غداة اندلاع الأزمة الدبلوماسية في الخليج خطوة ذكية، وهدفت إلى تغيير مجرى الأخبار المرتبطة بقطر في وسائل الإعلام العالمية.
اضف تعليقا