العدسة: محمد العربي

في زيارة تثير العديد من علامات الاستفهام التقى رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي برئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس بالقاهرة، في زيارة تأجلت أكثر من مرة، وسبقتها انتقادات مبطنة من القاهرة ضد عباس، الذي بدوره لم يدخر جهدا في أن يستبق الزيارة بالعديد من التصريحات والإجراءات التي أثارت ردود أفعال واسعة حول مواقفه الداعمة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وحسب معلومات خرجت من السلطة الفلسطينية فإن عباس يبدأ من القاهرة جولة عربية، سوف تمتد إلى الأردن، وربما يكون له نصيب من المشاركة في موسم الحج العربي نحو دمشق، إلا أن الراجح من المعلومات يشير إلى أن الزيارة تهدف لكسر العزلة التي بات عليها الرئيس المسن منتهي المدة.

ماذا جرى

وحسب المراقبين فإن الإعلان الرسمي من القاهرة عن الزيارة كان متحفظا وبروتوكوليا، إلا أن الملفت في الموضوع أن الزيارة لم تحظى بالتغطية الإعلامية التي اعتادها رئيس السلطة، وهو ما اعتبره المراقبون رسالة مبطنة من القاهرة بأنها تستقبل عباس على غير رضا، وأنها لن تقدم له شيئا مما يريد الحصول عليه، وأن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه من القاهرة هو المشاركة في افتتاح الكاتدرائية الجديدة للأقباط بالعاصمة الإدارية الجديدة، ضمن دعوات وجهها السيسي لعدد من الرؤساء والشخصيات العالمية، إلا أنه يبدو أن الحاضر الوحيد من بينهم سيكون عباس.

ويرى المراقبون أن حرص السلطات المصرية على نشر الخبر المتعلق بلقاء السيسي وعباس ظهر السبت من خلال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية فقط، يشير بأن القاهرة لا تريد منح الزيارة أكثر مما تستحق، خاصة وأن العلاقات بين القاهرة ورام الله ليست على ما يرام بعد مواقف الأخيرة الرامية لإفشال التحركات المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني وكسر الحصار عن قطاع غزة من خلال هدنة طويلة بين حماس وإسرائيل، وهو ما يرفضه عباس بكل قوته.

ووفقا لمراقبين مقربين من النظام المصري فإن المشهد الفلسطيني على أعتاب حزمة معقدة من الإجراءات خلال الفترة القليلة القادمة لاسيما بعد حل المجلس التشريعي، والإعلان عن انتخابات داخلية فلسطينية، وأن هذا الأمر يحتاج إلى مشاورات مكثفة مع الجانب المصري، فضلا عن ضرورة التنسيق حول “صفقة القرن”، وهو ما يتطلب استعدادا فلسطينيا ووضع سيناريوهات للمواجهة.

وحسب بيان المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية فإن السيسي استقبل عباس في حضور سامح شكري وزير الخارجية وعباس كامل رئيس المخابرات العامة، بالإضافة إلى السفير الفلسطيني بالقاهرة، وأن مصر تعمل على استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وفق مرجعيات الشرعية الدولية. ومواصلة مصر لجهودها الحثيثة مع الأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، والعمل على التغلب على جميع الصعوبات التي تواجه تلك الجهود بما يُحقق وحدة الصف ومصالح الشعب الفلسطيني الشقيق.

ووفقا للمتحدث باسم الرئاسة المصرية فإن عباس أعرب من جانبه عن خالص تقديره لجهود مصر ومواقفها التاريخية والثابتة في دعم القضية الفلسطينية، مشيراً إلى ما يعكسه ذلك من عمق وخصوصية العلاقات بين الشعبين الشقيقين، ومشيداً في ذلك الإطار بالمساعي المصرية المُقدرة في إطار جهود تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. كما أكد الرئيس محمود عباس،على حرصه على مواصلة التشاور والتنسيق المستمر مع مصر إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.

كسر الجمود

وتشير تحليلات عديدة إلى أن عباس يريد من هذه الزيارة كسر حالة الجمود في علاقته بالمسئولين المصريين، خاصة وأنه يعتبر منافسه وعدوه اللدود محمد دحلان بات الأقرب للقاهرة، ولم يعد ورقة ضغط تستخدمها القاهرة ضد عباس كما كان يحدث في الماضي، وإنما أصبح دحلان هو الوريث المنتظر والمرضي عنه إقليميا ومصريا وربما دوليا وإسرائيليا كذلك، مع الوضع في الاعتبار للدور الذي يلعبه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في الدفع نحو هذا الاتجاه، ونظرا للعلاقة المتميزة بين السيسي وابن زايد فإن أفول نجم عباس أصبح مجرد وقت، في ظل تحركات عراب إسرائيل الجديد بالمنطقة العربية للدفع بدحلان في اتجاه مقر المقاطعة برام الله.

مشاكل وأزمات

ويرى المتابعون أن عباس الذي أثار جدلا شديدا بقراراته الأخيرة والتي كان أبرزها حل المجلس التشريعي الفلسطيني، والدعوة لانتخابات تشريعية في غضون ستة أشهر ومنع المخصصات المالية عن قطاع غزة ، قد نفذ رصيده عند كل القوى والفصائل الفلسطينية، وليس حماس فقط.

وحسب هذا الرأي فإن البيان الذي صدر عن المكتبين السياسيين للجبهتين الشعبية والديمقراطية بعد اجتماعًا مُشتركًا بينهما، بالتزامن مع زيارة عباس للقاهرة، تمثل رسالة واضحة للقاهرة بأن ضيفها لم يعد هو اللسان المعبر عن القضية الفلسطينية، أو بالأحرى لم يعد محل ثقة لدى الفصائل الفلسطينية الأخرى.

ووفق البيان فإن الجبهتين الشعبية يرون أن القيادة الرسميّة الفلسطينيّة مازالت تماطل في ترجمة رفضها للمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي، إلى خطوات عملية، أقرتها المؤسسات الفلسطينية الوطنية، بما في ذلك قطع كل أشكال العلاقة مع الإدارة الأمريكية (بما فيها العلاقة مع وكالة المخابرات الأمريكية) وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، وفك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وسحب اليد العاملة الفلسطينية من مشاريع المستوطنات الإسرائيلية، واسترداد سجل السكان والأراضي من الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال، ووقف التعامل بالشيكل الإسرائيلي، واستنهاض كل أشكال المقاومة الشعبية، على طريق الانتفاضة الشاملة، والعصيان الوطني، من أجل دحر الاحتلال والاستيطان والفوز بالحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، على حدّ تعبير البيان.

وأدانت الجبهتان سياسة التفرد والاستفراد والاستئثار، التي تتبعها القيادة المتنفذة، في إدارة الشأن العام، خاصة سياسة التفرد في إدارة الصندوق القومي الفلسطيني، والذي تلجأ إليه في تصفية الحسابات، بما في ذلك قرارها بحجب الحقوق المالية المشروعة للجبهتين “الشعبية”، و”الديمقراطية” للضغط عليهما لتغيير سياستهما المعارضة لسياسة القيادة الرسمية.

تكسير العظام

ووفقا للمتابعين فإن تصريحات عباس التي أطلقها من القاهرة خلال لقائه بعدد من الكتاب والصحفيين المصريين والمرافقين له، ولوح فيها بإلغاء الاتفاقيات الموقعة بين فتح وحماس، تمثل وسيلة ضغط على الحكومة المصرية أكثر من كونها وسيلة عقاب لحركة حماس، وأنه يريد من وراء ذلك إخطار القاهرة بأنه مازال يمسك في يديه أوراق قوية ولا يمكن إغفاله، وهو ما يبرر صدور هذه التصريحات قبل لقائه بالسيسي وليس بعدها.

ويشير مراقبون إلى أن موقف عباس ربما كان ردا على تصريحات مسئول حماس بالخارج ماهر صلاح، والذي أكد في حوار لصحيفة الرسالة القريبة من حماس أن المصالحة في عهد عباس غير ممكنة.

ووفق القيادي الحمساوي فإن “الحركة ورغم حرصها على المصالحة، إلا أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي أو على محطات الانتظار”، كاشفا في الوقت نفسه عن زيارة منتصف يناير الجاري سوف يقوم بها مع قيادات الحركة للقاهرة للتباحث حول ملف المصالحة وكسر الحصار المفروض على غزة.

أين القاهرة

ويظل السؤال الأساسي المطروح عن موقف القاهرة من عباس، وهل تقبله شريكا في مشاكل القضية الفلسطينية، وكيف لها أن تفهم تصريحاته التي أطلقها من القاهرة عن المصالحة مع حماس، خاصة وأنها تعني إفشال الجهود المصرية المبذولة مع حماس منذ عدة شهور.

وحسب المراقبين فإن عباس لم يعد صالحا للاستخدام الدولي وأن ما يقوم به أقرب لـ “حلاوة الروح” وإن كان هذا لا يعني أن القاهرة تستخدمه كورقة ضغط على حماس يمكن استغلالها إذا دعت الحاجة لذلك.