تتزايد المصائب والأزمات في مصر يومًا بعد يوم، في وقت يهتم فيه النظام بتثبيت أركان حكمه وقمع المعارضة، واحتواء الأزمات التي قد يتعرض لها في ظل وجود الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض. فبعد ساعات من الحادثة التي شغلت -وما زالت تشغل- الرأي العالمي، من جنوح سفينة عملاقة في قناة السويس وتعطّل حركة الملاحة، وقع حادثٌ أليم في قطاع السكك الحديدية، في محافظة سوهاج، الواقعة في صعيد مصر. حيث سقط عشرات الضحايا، في مشهد تكرر عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية.
وكما قلنا، فإن نظام قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، لا يقدم أي حلول جذرية أو حتى حلولًا تسكينية، لمثل هذه الأزمات، بل يتعامل معها على أنها حوادث تتكرر وطبيعية وتحدث في كل العالم، لذلك يُصَدِّر خطابًا للشعب فحواه أن غضبكم غير مبرر، وإذا غضبتم فوجهوا هذا الغضب إلى أي مسؤول صغير في الدولة، كسائق القطار ما شابه، دون أن يتم ذكر أي مسؤول كبير في دولة السيسي.
وربما أوضح مثال على ذلك هو كامل الوزير، الفريق بالجيش، وأحد أقرب المقربين للسيسي. فقبل أن يتولى “الوزير” وزارة النقل، كان النقد الإعلامي يتوجه إلى من هو في الوزارة عند حدوث أي حادثة قطار، حتى أن “كامل” نفسه قد استلم الوزارة بعد هجوم إعلامي استهدف وزير النقل السابق، على إثر حادثة قطار رمسيس المأساوية.
أما الآن، فمن الواضح أن منصب وزير النقل قد أصبح فوق المساءلة والعقاب، فلا يوجد هجوم إعلامي، ولا طلب إحاطة أو سؤال من البرلمان حول سوء الخدمة في هيئة السكة الحديد، وتكرار الحوادث والكوارث فيها. وتأتي هذه الحماية العليا من السيسي للفاسدين في وقت يُنفق فيه النظام العسكري الانقلابي مليارات الجنيهات على مشاريع مستقبلية طويلة الأمد، في قطاع النقل نفسه، لكنها لا تعود بالفائدة على المواطنين البسطاء الذين تُحصد أرواحهم على مزلقانات السكك الحديدية في قرى الريف المصري، بسبب أن هذه المشاريع المستقبلية تستهدف المناطق التي يسكن فيها أفراد الطبقة العليا فقط، والمقربين من دوائر الحكم.
تعامل الحكومة مع الحادث..
وعلى وجه الدقة، وقع الحادث بسبب اصطدام قطار، كان متجهًا من أقصى جنوب مصر “أسوان” إلى أقصى الشمال “الإسكندرية”، بقطار آخر كان متجهًا من سوهاج إلى الإسكندرية. اصطدم القطاران من الخلف، أثناء تعطل الأخير، مما أدى إلى خروج خمس عربات عن القضبان، وترتب على ذلك سقوط عشرات القتلى، وإصابة أكثر من مائة مواطن، هذا فضلًا عن وجود عشرات من المفقودين.
وخلافًا لكل دول العالم التي تحترم مواطنيها، حيث تقدم الحكومات استقالتها هناك عند وقوع حوادث مشابهة، خرج علينا ضابط الجيش ووزير النقل، كامل الوزير، ليحمل المسؤولية لسائقي القطارين، وقرر إحالتهما إلى التحقيق تحت نظر النيابة العامة. ومن جانبها، طالبت الأخيرة بأن يلتزم الجميع الصمت، وألا يتكلم أحد عن الحادث، حتى تجري هي تحقيقاتها لمعرفة من المسؤول.
وفي الوقت الذي لم يعلن فيه “الوزير” تحمله أي نوع من المسؤولية حتى ولو كانت المسؤولية الأدبية، التي عادةً ما يستخدمها المسؤولون في المنطقة العربية بعد وقوع الكوارث، ذرًا للرماد في العيون، كتب السيسي تغريدة باهتة على حسابه في تويتر قال فيها: “إنّ الألم الذي يعتصر قلوبنا اليوم، لن يزيدنا إلا إصرارًا على إنهاء مثل هذا النمط من الكوارث. ولقد وجهت رئاسة الوزراء وكافة الأجهزة المعنية بالتواجد بموقع الحادث والمتابعة المستمرة وموافاتي بكافة التطورات والتقارير المتعلقة بالموقف على مدار اللحظة”.
مضيفًا: “على أن ينال الجزاء الرادع كل من تسبب في هذا الحادث الأليم بإهمال أو بفساد أو بسواه، من دون استثناء ولا تلكؤ ولا مماطلة”. ورغم أن هذا يُعتبر وعدًا من السيسي بمحاسبة المخطئ، إلا أن الأمر يبدو وكأنه سيمر مرور الكرام، حيث إن تغريدة السيسي السابق ذكرها تدل على أنه لا يرى نفسه متحملًا لأي مسؤولية حول الحادث، تمامًا كما يرى وزير النقل نفسه أنه ليس مسؤولًا عن الحوادث التي تحدث في قطاع النقل!
حوادث متعددة والسبب واحد..
وقد يظن البعض أن حادث جنوح السفينة العملاقة في قناة السويس مختلف عن حادث قطار سوهاج، لكن هناك علاقة وثيقة بين الحادثين، وهي أن الحكومة في الأزمتين لم تتمكن من إدارة الأزمة. ففي حادث القطار، احتشد الأهالي والركاب حول عربات القطار المقلوبة، في محاولة منهم لإنقاذ الركاب، وانتشال الجثث، كما أقام المواطنون جسرًا بحريًا بسيطًا لنقل الجرحى إلى المستشفى بسرعة أكبر. ورغم مرور ساعات على الحادثة، إلا أن النقص في المسعفين كان واضحًا بشدة، كما تغيب عناصر الدفاع المدني والإنقاذ.
وفي حالة السفينة الجانحة، حاولت سلطات الانقلاب التستر على المشكلة يومًا كاملًا، ظنًا منها أن الأمر يمكن التعتيم عليه. لكن الأغرب في هذا السياق، هو أن بعض الصحف الحكومية المصرية، وعلى رأسها أشهر جريدة مصرية “الأهرام” نشرت في اليوم التالي مباشرة لانتشار خبر السفينة الجانحة، أن الملاحة قد عادت في قناة السويس بعد إعادة تعويم السفينة.
وربما كانت هذه الصحف تظن أن المشكلة محلية مقدور على التعتيم عليها، كما هي باقي المشكلات في الداخل المصري، إلا أن ذلك من الصعب تحقيقه هذه المرة. ببساطة، لأن أنظار العالم كله موجهة ناحية مصر حاليًا، في حالة ترقب عام لحل المشكلة وعودة الملاحة. لذلك، يكاد يكون الكذب والتعتيم والتضليل الإعلامي مستحيلًا هذه المرة.
وبالطبع، من المناسب هنا أن نذكر أن قناة السويس يرأسها ضابط الجيش الفريق أسامة ربيع قائد القوات البحرية السابق، كما أن ضابط الجيش كامل الوزير هو المسؤول عن النقل في مصر. وللأسف، فإنه من الواضح أن مصر ستظل في نفس الدوامة من الفشل والفساد والإهمال حتى يتنحى العسكريون عن السلطة، أو يُجبرون على تركها.
اقرأ أيضًا: الصحافة العالمية: قبل أن تركب قطار في مصر تأكد من كتابة وصيتك
اضف تعليقا