تخطط الحكومة المصرية للتخلص من بعض ديونها، من خلال بيع أصول مملوكة للدولة لمستثمرين (عرب وأجانب) بالشراكة مع صندوق مصر السيادي الذي تم تدشينه مؤخرا.

الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط المصرية، وذلك عقب إعلان المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان قبل أيام، عن نية الحكومة لبيع أصول الدولة.

وتعاني مصر  بشدة من تطور الدين الخارجي خلال السنوات الأخيرة، حيث قفزت الديون الخارجية بشكل كبير لتصل إلى حدود 112.67 مليار دولار في 2019.

بعد أن سجلت مصر في عام 2016 ديونا خارجية بنحو 55.8 مليار دولار، وفي عام 2017 بلغت 82.8 مليار دولار، وفي نهاية عام 2018 بلغت 96.57 مليار دولار.

وحسب المسؤول المصري فإن فتح الباب للمستثمرين لشراء بعض الأصول من خلال تحالفات مع الصندوق، سيتيح للاقتصاد المصري إعادة تدوير رؤوس الأموال، خاصة أنها استثمرت مئات المليارات، وكانت بأعباء تمويلية (قروض)، في مشروعات البنية الأساسية.

وأشار إلى أنه “إذا تمت المعاملات الاستثمارية على تلك الأصول، فسترفع من على كاهل الاقتصاد القومي ديونا في ميزانية الدولة”، في مؤتمر صحفي عبر الفيديو الثلاثاء الماضي.

وكشف سليمان عن قيمة الأصول المتوقع نقلها، أنه يجري التحضير لنقل أصول بقيمة تتراوح بين 50 و60 مليار جنيه، كحزمة أولية.

وكان البرلمان المصري قد وافق على تعديلات مشروع قانون “صندوق مصر السيادي” المرسل من الحكومة بشكل مبدئي، الأسبوع الماضي، والتي تتضمن إعفاء المعاملات البينية للصندوق والكيانات المملوكة له بالكامل من جميع الضرائب والرسوم.

ويشترط مشروع القانون ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه أو الإجراءات التي اتخذت استنادا لتلك العقود أو التصرفات، إلا من أطراف التعاقد دون غيرهم.

نفي حكومي

وتنفي الحكومة المصرية ما يتردد بشأن تحصين “صندوق مصر السيادي، وتؤكد أنه يخضع للرقابة، وتتم مراجعة حساباته من قبل مراقبي حسابات أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات، والآخر يعين من بين المحاسبين المقيدين لدى البنك المركزي أو الهيئة العامة للرقابة المالية”.

إلا أن المركز الإعلامي تجاهل الرد على مسألتين جوهريتين وهما تحصين عقوده وقراراته من الطعن أمام القضاء، وتمكينه من بيع أي أصل من أصول الدولة تحت مزاعم تعظيم تلك الأصول واستغلالها واستثمارها، فلم يأت المركز الإعلامي على ذكرهما في رده على ما تردد حول تحصين الصندوق من الرقابة المالية.

وبشأن حجم الأصول والأموال بالصندوق، قال عضو مجلس إدارة الصندوق المستشار محمد عبد العزيز -في تصريحات صحفية- إن “الصندوق كيان مشترك، جزء منه رأس مال الصندوق والجزء الآخر هو الأصول غير المستغلة”، مشيرا إلى أن الأصول التي تم نقلها للصندوق حاليا تمثل كمّا جيدا جدا”، دون أن يكشف عن حجمها وطبيعتها.

وتستحوذ خدمة الدين على غالبية الإيرادات العامة للدولة، فأرقام البيان التمهيدي لموازنة 2020-2021، تبين أن إجمالي الإيرادات العامة نحو 1.28 تريليون جنيه، بينما أقساط الدين العام كما توقع البيان بحدود 555 مليار جنيه، وفوائد الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام تمثل 1.12 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 87% من إجمالي الإيرادات العامة.

وتراهن الحكومة بشدة على بيع أصول الدولة من أجل تسديد قيمة الديون المتراكمة. ووفقا لوزير قطاع الأعمال هشام توفيق، فقد قررت وزارته تصفية شركتين فقط من أصل 70 شركة يجرى حاليا بحث أوضاعها، وهما القومية للأسمنت والمصرية للملاحة، عازيا قرار تصفيتهما لدعوى عدم وجود جدوى من إصلاحهما، وفق قوله.

وأضاف توفيق أن هناك شركات تتبع القطاع خسرت أكثر من 6 أضعاف رأسمالها، وهو ما يتطلب تطوير أغلب الشركات من خلال التمويل الذاتي، مشددا على ضرورة استثمار الأصول غير المستغلة لشركات قطاع الأعمال العام، وبيعها في مزادات علنية للحصول على أقصى قيمة لها.

ثقب أسود

أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج حسام الشاذلي، وصف مساعي بيع أصول الدولة مقابل سداد بعض الديون وتحصين الصندوق “بالكارثة الاقتصادية والسياسية”، قائلا إنه “في إطار الديون المتراكمة وغير المحدودة والتي وظفها نظام السيسي من أجل الإنفاق على سباق تسلح مشبوه، وعلى عاصمة إدارية لا حاجة بها، مما حوّل الديون المصرية بلا عائد استثماري أو ربح؛ تصبح أصول مصر رهن البيع في أي وقت”.

وحذر -في حديثه للجزيرة نت أن مثل تلك الخطوات تفتح الأبواب لسيطرة دول أجنبية وعربية على مقدرات المصريين عن طريق الدخول في شراكات مشبوهة، مثل تلك المنصة المصرية الإماراتية المشتركة بقيمة 20 مليار دولار تساهم فيها مصر بنصيب النصف، متمثلا في رهن أصول مصرية بقيمة 10 مليارات دولارات في مقابل النصيب الإماراتي المدفوع نقدا.

وانتقد الشاذلي موافقة البرلمان على التعديل الحكومي الأخير على الصندوق، حيث يمنح السيسي شخصيا حق نقل ملكية الأصول مع وضع بنود غريبة وعجيبة تحصن النظام من أي ملاحقات قانونية، مما يسهل معها بيع الأصول والتلاعب بها.

بدوره قال رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير إن “بيع أصول الدولة بهدف سداد الديون يتماشى مع السياق الطبيعي للهاوية التي يدفع السيسي إليها الدولة المصرية”.

وفي حديثه للجزيرة نت، تساءل عن معنى تحصين الصندوق من أيّ مساءلة وهو الذي سيبيع أصول الدولة المصرية، وسيعيد عهد الامتيازات الأجنبية وارتهان القرار السياسي للدولة المصرية لعشرات السنين القادمة بسبب الديون، مضيفا حتى لو كانت هناك حكومة وطنية بحق فستظل مقيدة مشلولة بسبب الديون والدائنين.

وذهب إلى القول إن الصندوق المصري-الإماراتي البالغة قيمته 20 مليار دولار، هو واجهة “للصهاينة” من خلال الإمارات لشراء الأصول المصرية، والدليل على ذلك ما حدث في القدس المحتلة العام الماضي عندما اكتشفت الجمعيات العربية بالقدس داخل الخط الأخضر أن الإماراتيين الذين يشترون البيوت المحيطة بالمسجد الأقصى هم وسطاء للصهاينة، والقصة تتكرر لدينا ولكن بتسهيلات أكثر، على حد تعبيره.