مخاوف غربية عديدة وأطماع لا تتوقف من معسكر الدول الكبار التي تتغنى بحقوق الإنسان في بلدانها و تستكثرها على بلدان كان للربيع العربي فيها كلمة لم تكتمل بعد رغم مرور سنين عدة.
وبقي السؤال الأهم في المرحلة الحالية مع تواتر شواهد عدة على انطلاق موجة محتملة للربيع العربي عن موقع الغرب من الأحداث المقبلة ومع من يقف وهو ما سنحاول الاجابة عليه في ظل محاولات لا تهدأ من “الخريف العبري” لمساومة الغرب من أجل القبول بتجميد الربيع العربي ووأد شبابه.
الأولويات الغربية !
تصاعدت احتمالات عودة الربيع العربي في نسخة جديدة مع صعود مخاوف أوروبية وغربية ركزها البعض في ملفات الإرهاب والهجرة ، بجانب الرغبة في المشاركة في كعكة الاعمار المرتقبة وفق البعض.
أنظمة “الخريف العبرى” وفي مقدمتها النظام المصري لعب على ذلك في مؤتمر القمة العربية الأوروبية ، وبحسب مراقبين غربيين فإن الملف الحرج لقادة الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في هذا الوقت هو تعزيز التعاون في الحرب ضد الإرهاب والتصدي للهجرة غير المشروعة وهو ما تبلور في عقد أول قمة من نوعها على الإطلاق، لا يعول على نتائج ملموسة لها ، وهو ما صرح به جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية للصحفيين قائلا :” الاجتماع هو الرسالة” ملخصاً الطبيعة الرمزية لهذه القمة، في حين قالت ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني “هذه القمة انجاز في حد ذاتها” .
وبجانب المخاوف هناك أطماع أوروبية واضحة في الفترة المقبلة ، تتركز على الاستفادة من المنطقة ، خاصة في مشروع إعادة إعمار سوريا وليبيا بحسب البعض ، وهو ما يتواكب كذلك مع رغبة بريطانيا بعد البريكسيت في السيطرة اقتصاديا على الخليج والمنطقة العربية .
ليس الصورة قاتمة على هذا النحو ، فقد تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أواخر يناير الماضي عن أن حقوق الإنسان في مصر يُنظر إليها بشكل متزايد على أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ، وتطرق في حديثه مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى الانتهاكات العديدة التي تحدث وهو ما فجر موجة من الانتقادات لمصر.
كما سدد الاتحاد الأوروبي ضربة في منتصف فبراير الجاري لأنظمة “الخريف العبري” بإضافة السعودية إلى القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديدا للتكتل بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال فيما واصل البرلمان الأوروبي نشاطه الحقوقي لملاحقة انتهاكات الانظمة المناهضة للربيع العربي وفي مقدمتها الإمارات.
وتطور التعاون إلى طلب علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، البرلمان الأوروبي إيفاد لجنة لتقصّي الحقائق إلى السعودية للكشف عن مصير المواطنين القطريين، المختفين قسرياً هناك، منذ بدء حصار قطر في 5 يونيو 2017، ما يعني بحسب متابعين أن الغرب لازال موجودا في مواجهة”الخريف العبري” ولكن ليس على حساب مصالحه.
ويأتي صعود الديمقراطيين في الكونجرس ليكون بمثابة عامل توازن بعد دعم لا محدود من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأنظمة المناهضة للربيع العربي ، حيث يصنفه البعض في صالح التأثير الايجابي على سياسة الخارجية الأمريكية كونهم يرأسون لجان مثل الشؤون الخارجية، والخدمات المسلحة، والاستخبارات بما يخدم على تغيير الأولويات في التوجه الأمريكي.
لكن في المعسكر الآخر ، لازالت روسيا تحمل أولويات مختلفة تصب في صالح بقاء الوضع على ما هو عليه ، خاصة وأن تصريح وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، كان واضحا في هذا المضمار عندما زعم أن التدخل الروسي في سوريا مكن من كسر ما وصفها بسلسلة “الثورات الملونة” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
بين التنبؤ والطمع !
والصورة هكذا ، يرصد مراقبون وجود طرفي نقيض يقفان أمام الموجة المحتملة للربيع العربي هما : كثير من وسائل الإعلام في الغرب من جهة وبعض الحكومات الكبرى من جهة أخرى بحسب المراقبين.
ووفق ما هو مرصود فإن الاعلام الغربي لازال يحمل منبر التنبؤ بالموجة الجديدة ويبشر بها ، وهو ما يمكن الاعتماد عليه كذلك في المستقبل بحسب البعض في حال انطلاق واسع للموجة الثانية للربيع العربي.
وبرز في هذا المضمار توقع صحيفة “الجارديان” البريطانية، قبل أيام باحتمالية اندلاع موجة ربيع عربي جديدة، وذلك في مقال لسايمون تيسدال بعنوان “هل يتسبب الفقر والغلاء والاحتجاجات في ربيع عربي جديد؟”.
كما نشرت ذات الصحيفة في (11 فبراير 2019) مقالاً مطولا للدكتور عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي في مصر في حكومة د. هشام قنديل، تحت عنوان: “إذا استمرت وحشية السيسي، فستكون العواقب وخيمة على أوروبا” أبرز تلك العواقب.
وفي المقابل يرصد مراقبون الموقف الغربي الرسمي في مقعد المنتفعين ، حيث يحاول كثيرا الإمساك بالعصا من المنتصف وجلب أكبر مصالح له في انتظار المشهد المقبل للتعامل معه وفق معطيات وقته دون استباق للأحداث.
المحاضر بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية صلاح القادري، يرى أن ليبيا كانت تجربة عملية في سياسية التعامل الغربي مع ثورات الربيع العربي في موجتها الأولى ، حيث تعلمت موسكو درساً من التأخر في مساندة النظام الليبي السابق والذي أتاح للغرب من تمكين مصالحه في طرابلس، وتحركت بشكل مغاير في سوريا ودعمت النظام منذ البداية عسكرياً وسياسياُ.
وأشار القادري أن سياسة موسكو متشابهة مع السياسة الغربية القائمة على دعم الأنظمة الديكتاتورية من أجل الحفاظ على مصالحها، موضحاً أن رسالة وزير الدفاع الروسي هي أن السياسة الخارجية لبلاده تعتمد على الثورة المضادة وحرمان الشعوب العربية من الثورة على الأنظمة الديكتاتورية.
هذه البراجماتية التي تدوس بحسب البعض قيم الغرب المتداولة ، استفزت المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن بشدة، حيث ندد بزعماء الدول الأوروبية المشاركين في أول قمة مشتركة للجامعة العربية والاتحاد الأوروبي في شرم الشيخ المصرية رغم الإعدامات المسيسة التي جرت في مصر.
الانحياز المحتمل!
ويرى البعض أن الغرب سينحاز لمصالحه اذا انطلقت الموجة الثانية للربيع العربي ولذلك فهم يرون أن على فريق الربيع العربي جهدا أكبر في التواصل المبكر.
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية، جمال الشلبي، يؤكد في هذا السياق أن الدول الغربية من غير جادة في دعوتها إلى الديمقراطية، وهي تستخدمها كورقة للضغط على الأنظمة القمعية ، ولا تريدها ديمقراطية كاملة، بل تريدها ديمقراطية منقوصة (نصف ديمقراطية) كأداة لاحتواء الاحتقان السياسي، والغضب الشعبي من جهة، ولمواجهة الانتقادات الشديدة الموجهة إليها كراعية وحليفة لأنظمة ديكتاتورية، من جهة أخرى.
ولكن البعض يعول على أهمية تحرك أنصار الربيع العربي إلى تحييد الأنظمة الغربية بقدر أكبر في الفترة المقبلة ، بحيث لا تستعديها وتتركها في يد الأنظمة المناهضة للربيع العربي ، ولا تعطيها وعود أكبر تفقدها بالأساس قواعد شعبية ترى في الاستقلال الوطني والعربي والقومي أولوية مطلقة قامت ضمن ما قامت الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي لتأسيسها.
ويرى بشار طافش (كاتب ومدون أردني) نجاح هذه التجربة مع الحراك الجزائري الذي انطلق في 23 فبراير الجاري، حيث انتصر مبكرا على كل الإمبراطوريات الإعلامية الغربية، التي شوه حياديتها المال الخليجي، فوجدت نفسها تتغنى مجبرة بالسلمية اللافتة للحراك وتركز على المطالب لا المخاوف التي يصنعها البعض سواء من العشرية السوداء أو من الموجة الأولى للربيع العربي.
وتذهب تحليلات إلى أن الشعوب العربية واعية بما فيه القدر الكافي لمواجهة الأطماع الغربية في الموجة الثانية للربيع العربي ، حيث أنها فهمت جيدا مؤامرات الدول الكبرى وتلاعبها بمصير الناس دون اكتراث من أجل تحقيق مصالحهم، وأهمها أمن الكيان الصهيوني، وهو ما سيصعب مهمة الغرب في الجولة المقبلة.
اضف تعليقا