العدسة – غراس غزوان

في معركة الخاسر الأكبر فيها هو الشعب اليمني الغارق في أزمات إنسانية، قتل الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح على يد قوات جماعة الحوثي.

مقتل صالح أدخل اليمن في أزمة جديدة يصعب معها التكهن بمستقبل البلد الذي دمرته الحرب على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.

فالأطراف اللاعبة في اليمن متعددة ويعمل كل طرف منهم وفق حساباته الخاصة فحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه صالح كان يعمل على استعادة مكانته السياسية في قيادة الدولة حيث استمر صالح في حكم اليمن منذ عام 1978 حتى تم خلعه بعد ثورة شعبية عام 2011.

أما جماعة الحوثي فتعمل وفق الأجندة الإيرانية في المنطقة وتحاول السيطرة على اليمن لتوسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ومن أجل تنفيذ مخططها توافقت مع حزب “صالح” الذي ساعدها في الانقلاب على حكومة عبدربه منصور هادي واستطاعوا السيطرة على العاصمة صنعاء وعدد من المدن الأخرى في سبتمبر عام 2014.

من خلال الانقلاب استطاعت جماعة الحوثي السيطرة على البلاد وهو ما زاد من تخوفات السعودية من المد الشيعي الذي اقترب من حدودها فسارعت إلى تشكيل تحالف عربي تحت قيادتها لمحاربة الحوثي وصالح لتحرير صنعاء والمدن التي وقعت تحت سيطرتهم.

لم يفلح التحالف في إحداث نجاح ملموس في أي من المدن التي حاول تحريرها ولم يستطع أيضا تحرير العاصمة التي لا تزال تحت سيطرة الحوثي.

 

أسباب قتل صالح

وشهدت الشهور الأخيرة بعض التوترات بين حليفي الانقلاب اليمني وازدادت حالة الاحتقان بعد سعي “صالح” الاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين على تأسيس حزبه “المؤتمر الشعبي العام”، عبر تنظيم مؤتمر جماهيري في 25 أغسطس الماضي استعرض فيه قاعدته الجماهيرية العريضة.

دعوة صالح أثارت حفيظة الحوثيين ودعوا بدورهم أنصارهم للاحتشاد أيضا عند مداخل صنعاء في اليوم نفسه تحت شعار “التصعيد مقابل التصعيد”.

في تلك الفترة وبالتحديد في منتصف أغسطس الماضي أصدر صالح تصريحات غازل فيها السعودية ووصفها بالشقيقة الكبرى، وبدأ الحديث حينها عن وجود صفقة تضم المملكة والإمارات من جهة وصالح من جهة أخرى عبر نجله الذي يقيم في الإمارات، تفضي إلى عودة صالح للحكم بعد القضاء على الحوثيين.

وخلال الشهور الثلاث الأخيرة بدأت المناوشات تزداد بين صالح والحوثي حتى دخلت منعطفا عنيفا في 30 نوفمبر الماضي.

قطع صالح الشك باليقين ودعا في تصريحات أطلقها عبر قناة “اليمن اليوم” التابعة له إلى انتفاضة شاملة ضد الحوثيين، والخروج ضدهم في صنعاء،  كما أعلن استعداده للتفاوض مع السعودية.

بعد تلك التصريحات بدى لجماعة الحوثي أن حليفهم يتلاعب بهم لحساب التحالف العربي بقيادة السعودية وهو ما جعلهم يتخذون قرار تصفيته، لينتهي أمر صالح برصاصة في الرأس أثناء محاولة هروبه من صنعاء.

 

صالح والثورة

بالنسبة لأنصار ثورة 2011 في اليمن ربما استردوا جزءا من أحلامهم بيمن جديد بعد مقتل صالح الذي كان يمثل عائقا كبيرا لفترة طويلة بمنصارته للحوثيين.

فاستمرار صالح حليفا للحوثي كان يعوق استرداد السلطة ومع خسارة الحوثي قوة كقوة صالح يرى البعض أن المواجهة القادمة ستكون بين الثورة وجماعة الحوثي التي خسرت عددا كبيرا من المقاتلين الموالين لصالح.

لكن في هذه النقطة يبرز تساؤل مهم وهو على من يعول الثوار في حربهم ضد الحوثي ؟ ، في الحقيقة ليس أمامهم سوى التحالف العربي بقيادة السعودية الذي لم يفلح طوال السنوات الأخيرة في إحداث أي تغيير حقيقي في اليمن.

 

صالح والتحالف العربي والإخوان

يرى محللون أن مقتل صالح يمثل صفعة جديدة للتحالف العربي فخلال الأيام الأخيرة كانت هناك محاولات للتقارب مع صالح الذي يملك الآلاف من الجنود على الأرض وبخروجه من التحالف مع الحوثي وانضوائه تحت راية التحالف العربي يستعيد الجيش اليمني جزءا كبيرا من قوته ربما تصل إلى التوحد ضد جماعة الحوثي لكن مقتل صالح أجهض هذه المحاولات، وهو ما جعل سؤالا آخر يفرض نفسه على الساحة السياسية ، هل تتحالف السعودية مع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن الممثلة في حزب الإصلاح اليمني ؟

الأيام الأخيرة شهدت مقابلة ربما تكون نادرة حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوفد من حزب الإصلاح في العاصمة السعودية وهو ما جعل البعض يتكهن بأن الواقع الذي تواجهه المملكة في اليمن ربما يجعلها تتوافق مع جماعة الإخوان التي تصفها بـ “الإرهابية”.

 

تساؤلات تبحث عن إجابة

بمقتل صالح أصبح المشهد اليمني يعج بكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات حول مستقبل اليمن من بعده ، خاصة وأنه كان من أبرز اللاعبين الأساسيين في المشهد اليمني، ومستقبل حزب المؤتمر الذي كان يقوده صالح، والقوات التي كانت تقاتل من أجله ، وخيارات المملكة العربية السعودية في اليمن بعد أن قتل حليفهم الجديد الذي كان قادرا على إحداث تغير كبير في المشهد اليمني.

تضاءلت خيارات التحالف العربي في اليمن وتضاءلت معها التنبؤات بمستقبل اليمن الذي كان يوما سعيدا فضخامة الحدث وضعت مستقبل البلد في منطقة غامضة ، فيما يظل اليمنيون يبحثون عن بصيص أمل يخرجهم من حرب حولت بلدهم إلى أكبر مأساة من صنع الإنسان في العصر الحالي.