العدسة – منصور عطية

مفاجآت جديدة ومثيرة كشفها الجزء الثاني من تحقيق “قطر 96”، الذي بثته قناة “الجزيرة” ضمن برنامج “ما خفي أعظم”، والذي يتحدث عن تورط دول حصار قطر في محاولة الانقلاب على نظام الحكم هناك عام 1996.

الحقائق التي نقلها الوثائقي على لسان الشخصيات المشاركة في صنع الحدث، أثارت العديد من علامات الاستفهام حول الغرض الحقيقي وراء سعي تلك الدول، فضلا عن حالة الغموض التي فرضتها حول الأزمة الخليجية الحالية ودوافعها.

ملك البحرين متورط

التحقيق كشف تورط ملك البحرين الحالي “حمد بن عيسى آل خليفة” في دعم وتمويل عمليات تخريبية داخل قطر، بعد فشل محاولة الانقلاب على نظام الحكم عام 1996، حيث كان حينها ولي عهد البحرين.

وقال “فهد المالكي”، أحد أبرز قيادات المحاولة الانقلابية، إن حمد بن عيسى موله بشكل شخصي لتنفيذ سلسلة عمليات تخريبية وتفجير داخل الدوحة، تحت غطاء جبهة معارضة لنظام حكم أمير قطر السابق “حمد بن خليفة آل ثاني”.

وحصل “المالكي” حينها على 100 ألف دينار بحريني من ولي عهد البحرين، مقابل استهداف مقرات سيادية في الدوحة، كان بينها مقر دائرة الجوازات الذي وضعت فيه عبوة ناسفة لم تنفجر وعثرت عليها السلطات القطرية في أكتوبر 1996.

وروى المتهم قصة هروبه من الأمن الإماراتي، حيث قال في شهادته إنه فر إلى اليمن قبل أن تسلمه السلطات اليمنية للدوحة منتصف عام 1998.

ملف محاولة الانقلاب عام 1996، أُغلق حينها باعتقال قائد خلية الانقلاب في الخارج “حمد بن جاسم بن حمد” الذي كان قد فر إلى سوريا، حيث اعتقل في عملية أمنية خاصة بمطار بيروت، واقتيد في طائرة إلى الدوحة، حسب رواية المسؤول في جهاز المخابرات القطري شاهين السليطي، ثم بقيت القضية في المحاكم القطرية، حيث صدرت أحكام مختلفة بينها الإعدام لعدد من قيادات الانقلاب.

وكان الجزء الأول من التحقيق أثبت بالأدلة والوثائق تورط كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في محاولة الانقلاب على نظام الحكم في قطر، وتشكلت اللجنة العليا لإدارته كالتالي: من الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي كان رئيس هيئة الأركان، ومن البحرين الشيخ حمد بن عيسى الذي كان وليا للعهد، ومن قطر الشيخ حمد بن جاسم بن حمد قائد الشرطة سابقا، ومن السعودية جهاز المخابرات الذي تلقى التكليفات من الأمير سلطان بن عبدالعزيز، إضافة إلى المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان.

وجاءت فكرة الانقلاب حين تمكن حاكم الإمارات آنذاك، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من إقناع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني باستعادة السلطة في قطر عن طريق انقلاب عسكري.

نسف الأزمة الخليجية

المثير! أن الحقيقة الأولى والأبرز، التي يزيح عنها الفيلم الوثائقي الستار، هي تلك العلاقة المتوترة التي ربطت قطر بدول الخليج، والتي يتضح أنها لم تكن وليدة اليوم، وأن جميع الأسباب التي ساقتها دول الحصار في الأزمة الحالية واهية.

فهل كانت قطر حينها تؤوي قيادات جماعة الإخوان المسلمين وجماعات أخرى إرهابية وتدعمها؟ أم أن علاقتها بإيران كانت مريبة كثيرا، وتهدد أمن دول الخليج، ما دفع لمحاولة تأجيج الأوضاع فيها؟.

الإجابة تقود إلى أن الفيلم الوثائقي ينسف الأزمة الخليجية الحالية ويضربها في مقتل، ويكشف زيف ادعاءات دول الحصار ضد الدوحة، والمبررات التي ساقتها من أجل التسويق لقراراتها بحق قطر.

وإجمالا، يمكن القول إن السياسة الخارجية لقطر الساعية للاستقلال عن وصاية الشقيقة الكبرى السعودية، والبحث عن دور إقليمي ودولي للإمارة الصغيرة، هي النقطة الخلافية الأبرز حديثا بين البلدين.

ووفق تقارير إعلامية، فإن الأمر يعود إلى قرار الاحتلال البريطاني الرحيل عن شبه الجزيرة العربية عام 1968، نتيجة ضغوط داخل البرلمان بخصوص الميزانية، حيث بدأت القبائل العربية آنذاك محاولة تشكيل تحالفات لكسب حدود جديدة، والتي ستنتج عن الفراغ البريطاني.

سعى راشد آل مكتوم، شيخ إمارة دبي، ومعه زايد آل نهيان شيخ إمارة أبوظبي حينها، إلى إقامة تحالف واسع من القبائل في هذه المنطقة لتوحيدها في دولة واحدة قبيل رحيل بريطانيا، ضمت هذه المحاولات الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية (دبي – أبو ظبي – عجمان – رأس الخيمة – الفجيرة – الشارقة – أم القيوين) بالإضافة إلى (قطر – البحرين)، ولكن الأخيرتين انفصلتا عن هذا الاتحاد، وأعلنت كل منهما دولة مستقلة.

قبيل ذلك، كانت السعودية تطالب بضم قطر إليها، باعتبارها جزءًا من إقليم الأحساء، واستمرت السعودية في هذه المطالب، حتى تدخلت بريطانيا لكبح جماح السعوديين عن قطر، لتعترف السعودية بحدود قطر، فيما بقي مناطق متنازع عليها بين الطرفين.

وتظل أبرز الصراعات التاريخية بين البلدين أزمة ترسيم الحدود سنة 1992، وهي الأزمة التي أظهرت خلافات بينهما، ترتب عليها مقاطعة قطر المؤقتة لمجلس التعاون الخليجي.

دلالات عميقة

بالعودة إلى تفاصيل الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي، فإنه يكشف النقاب عن دلالات عميقة تتجاوز السطحية التي يمكن أن يتعامل بها كثيرون مع محاولة الانقلاب الفاشلة.

فقد أظهر أن مساعي دول الخليج والبحرين خصوصا لتفجير الأوضاع جاء في أعقاب فشل الانقلاب، أي أن تلك الدول كانت عازمة على استهداف قطر، وحين فشلت محاولة الانقلاب لم تهدا أو تستسلم، بل بحثت عن فرصة جديدة لتنفيذ مخططاتها.

اللافت، أن ذلك يكشف أيضا أن محاولة الانقلاب لم تكن بهدف إعادة الشيخ خليفة بن حمد للحكم – وهو الغرض الذي يمكن تبريره على استحياء – لكن تبين أن زعزعة الأوضاع في الإمارة الهادئة هو الغرض الرئيسي.

ويعزز من هذا الأمر، انسحاب الشيخ خليفة بن حمد من المشهد وسفره إلى أوروبا بعد خلاف مع الدول الداعمة لمحاولة الانقلاب، وفي هذا حيث يقول السفير الأمريكي بالدوحة في تلك الفترة “باتريك ثيورس”: إن نوايا تلك الدول بدأت تتضح بعد فشل المحاولة، وإنها لم تكن بسبب غضبها من إزاحة الشيخ خليفة من الحكم، بل بدا واضحا أن استقلال قطر كان غير مقبول لتلك الدول التي دعمت الانقلاب”، على حد قوله.

كما كشف الجزء الثاني كم الدعم المادي واللوجيستي الذي قدمته دول الحصار للمشاركين في المحاولة الانقلابية والهاربين من قطر، حيث أظهر -وللمرة الأولى- صورا لجوازات السفر الإماراتية والبحرينية التي تم منحها للعسكريين وقيادات الانقلاب القطريين، مما شكل لهم غطاءً سياسيًّا في تلك المرحلة.

وعلى خلاف ما أظهره الجزء الأول من التحقيق من دور بارز للسعودية في دعم المحاولة الانقلابية، يبدو أن هذا الدور تراجع بعد فشلها، حيث لم يُشر الجزء الثاني إلى الرياض في مخططات التفجير.

وبحسب التحقيق، فإنه في أواخر عام 1997، سلمت السعودية لقطر أحد أبرز قيادات المحاولة “جابر حمد جلاب المري”، وفي مايو 2010 طلب الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز من أمير قطر حينها حمد بن خليفة آل ثاني العفو عن 21 معتقلا سعوديًّا تورطوا في محاولة انقلاب 96، واعتقلتهم السلطات القطرية داخل أراضيها.

وعرض التحقيق مقاطع من قناة الإخبارية السعودية، يظهر فيها ولي العهد السعودي الأسبق الراحل سلطان بن عبدالعزيز وهو يستقبل المفرج عنهم، ويؤكد احترام السعودية لسيادة قطر وحسن الجوار، مثمنا استجابة أمير قطر لطلب العاهل السعودي حينها.