العدسة – معتز أشرف

لم يكن الفنان المصري الراحل “فؤاد المهندس” يعلم أن جملته الشهيرة في فيلم “صاحب الجلالة”: “طويل العمر يطول عمره ويزهزه عصره وينصره على من يعاديه هاي هئ”، ستكون دندنة حاشية زعماء انتهت صلاحية أبدانهم، ولكن بقوا بالإكراه على عروش باتت تضيق عليهم، فهم وفق الحاشية لا يمرضون؛ وبالتالي لا يموتون ولا يتنحون، بينما في نفس الوقت تستخدم ورقة الصحة للإطاحة بالبعض الآخر في انقلابات ناعمة، لتكون اللعبة مثيرة للجدل والانتباه، نرصد هذه الدراما الساخرة التي فجرتها الأزمة الصحية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن.

 الصحة ممتازة!

المثير للسخرية هو أول تصريح صادر من فريق حاشيته، الذين سارعوا -رغم تكرار أزماته الصحية في الفترة الأخيرة بشكل واضح ومؤثر- للتأكيد على أن صحته تخطت كل التوقعات، وبلغت درجة “الامتياز” -بحسب تعبير وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية التي قالته تعليقا على دخول “أبو مازن” المستشفى الاستشارى للمرة الثالثة فى خلال أسبوع موضحة أنه تبين بعد الانتهاء من الفحوصات الطبية، كانت النتائج ممتازة- إلا أن صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمرشح المحتمل لخلافة أبو مازن، استخدم وصفًا أقل درجة، حيث قال: “كانت النتائج مطمئنة للغاية، والرئيس بصحة جيدة جدًّا”!.

في المقابل كشفت صحيفة هآرتس الصهيونية، في مارس الماضي، عن أن صحة “أبو مازن”، تتدهور بشكل ملحوظ في الشهور الأخيرة الماضية، وذلك بحسب ما حصل عليه مسؤولون أمنيون وسياسيون إسرائيليون من بيانات متعلقة بحالته الصحية، موضحة أن “عباس”، الذي أكمل عامه الـ(83)، ذهب لإجراء فحوصات طبية في مستشفى بالتيمور، خلال تواجده في الولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء خطاب في الجمعية العامة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك، بعد أن أجرى اختبارات صحية في مستشفى رام الله بالتزامن مع أنباء على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه مُصاب بمرض السرطان في الجهاز الهضمي، إلا أنها لم يُثبت صحتها حتى الآن.

كلام حاشية “أبو مازن” يتعارض جملة وتفصيلًا مع تقارير المتابعة العربية والمداولات التي تتم في أكثر من دولة للحديث عن خلافة محمود عباس، في هذه الظروف التي تحياها الأراضي الفلسطينية بعد قرار البيت الأبيض نقل السفارة، حيث يؤكد مراقبون فلسطينيون، أن الوضع الصحي للرئيس “أبو مازن” يجعله على أعتاب مرحلة لن يكون قادرًا فيها على ممارسة مهامه، ما يعقد أكثر الملف الفلسطيني المثخن بالانقسامات والأزمات.

من القصر إلى القبر!

الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، فاقت الخيال، ولازالت مثار جدل واسع؛ فالرجل الذي يتطلع لولاية جديدة يسير على كرسي متحرك، ويعاني -وفق أقل الروايات بالإضافة إلى سرطان المعدة- من مرض مزمن في كليتيه “يستلزم عمل غسيل منتظم لهما، فضلًا عن تعاطي الأدوية التي تقلل من مضاعفات المرض وتعقيداته، خاصة مع تقدم العمر”، وأصبح من “الأسرار الشائعة” في الجزائر أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مصاب بسرطان خطير ألزمه القعود والانعزال، وبحسب صحف جزائرية، فإن المهتمين بصحة الرئيس، “يعطونه مقوِّيات في غاية التركيز، حتى يتمكـن من استقبال هذا الضيف أو ذاك أو حتى يتمكن من الظهور على شاشة التليفزيون الحكومي الوحيد، كي يُـدفئ عواطف بعض الرأي العام المؤيد له، أو كي يُعطي الانطباع بأن الأمور تسير على أحسن ما يرام”.

الطريف! هو أن التصريحات تأخذ نفس الخط الفلسطيني المدافع عن صحة الرئيس، حيث أكد الوزير الأول أحمد أويحيى، في وقت سابق من باريس، أن رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة “بصحة جيدة”، و”يسير البلاد بشكل جيد”، وأضاف خلال لقائه بفرنسا مع الجالية الجزائرية، أنه “فيما يخص أخبار البلاد فإني أقول لكم: إن رئيس جمهوريتنا عبدالعزيز بوتفليقة بصحة جيدة وندعو الله أن يطيل في عمره و يمده بالصحة الجيدة”! .

موجة سخرية بالجزائر اجتاحت “الفيسبوك” بعد ظهور “بوتفليقة” على كرسي متحرك، أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر، والتي فاز بها الرجل المقعد بولاية رابعة، حيث نشر رواد “الفيسبوك” صورة لـ”بوتفليقة” وهو على كرسيه المتحرك لحظة إدلائه بصوته، وكتبوا عليها “انتخبوا المُقعَد”، ولاقت الصورة ترويجًا كبيرًا على الشبكة وآلاف التعليقات، واستلهم أصحاب الصورة الفكرة من “الهاشتاج” المصري الشهير على “تويتر” المناهض للمرشح للانتخابات الرئاسية المصرية، عبدالفتاح السيسي، وهو “انتخبوا…”(كلمة نابية).

الأنكى من ذلك، هو الحديث الجديد عن ترشح الرجل لولاية خامسة، وهو ما اعتبره البعض معيارًا للصحة الممتازة!، وقال معارضون: “لوحظ الرئيس بصحة ممتازة قادرًا على تحريك عينيه يمينًا وشمالًا بكل أريحية، ودون أية معوقات”، فيما يقول الإعلامي الجزائري سيدي بولحمد كسكو، عن الرئيس “بوتفليقة” -ساخرًا-: “يقضي الرئيس ٩٨% من وقته في مستشفيات الخارج للعلاج من وعكاته الصحية، فيما تقتصر مهامه داخل البلاد على النوم وقص أشرطة الافتتاح والتوقيع على أوامر إقالة أي شخص يفكر بالترشح مقابل روحه في أية انتخابات رئاسية بعد وفاته”.

“عمر الشقي بقي”!

وكما يقولون في الأمثال “عمر الشقي بقي”، فقد كان المثل حاضرًا مع تردي الحالة الصحية للجنرال الليبي خليفة حفتر (75 عامًا)، والتي كانت مثار اهتمام واسع في الفترات الأخيرة، ورغم أن البعض اعتبر ما أعلن عن تدهور صحته وقرب وفاته فرصة لإنقاذ الفرقاء في ليبيا وبداية مرحلة جديدة، إلا أن الجنرال استيقظ فجأة، ووصل إلى بلاده، وقلب الأمور رأسا على عقب مرة أخرى!، رغم ما قيل عن تعرّضه لنزيف دماغي وفقدان الوعي في مدينة بنغازي شرق ليبيا، ونقله إلى العاصمة الأردنية عمّان بعد أن فقد وعيه، ثم لباريس، وإصابته بمرض سرطان الغدة الدرقية.

“الحالة الصحية ممتازة”، نفس التعبير كان حاضرًا على لسان الناطق الرسمي باسم “القيادة العامة” لقوات “حفتر”، أحمد المسماري، تعليقًا على تدهور صحة “حفتر”، حيث قال: “حفتر بحالة صحية ممتازة، ويتابع عمل القيادة العامة وغرفة العمليات والمناطق العسكرية”، ولأنه لا دخان بغير نار، يتحدث كثيرون أن اختبار قدرة “حفتر” على إدارة الأمور سيكشف الملف الصحي بوضوح في الفترة المقبلة، بعد أن نجح في تخطيه أول مرة، مؤكدًا أنه بصحة جيدة، خاصة أن غيابه طرح تساؤلًا عن الشخصية المؤهلة لخلافته، وبحسب صحيفة لوموند، فهناك انشقاقات بدأت تظهر مؤخرًا داخل الجيش الوطني الليبي.

 نايف وخليفة

وفي مقابل هؤلاء الذين عرفوا كيف يتمسكون بالعروش رغم اقتراب صحتهم -وفق روايات متعددة- من النعوش، سقط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف والرئيس الإماراتي خليفة بن زايد في فخ الملف الصحي، الذي اتخذ كذريعة للإطاحة بهما في انقلاب ناعم من سدة القرار والمسؤولية؛ ففي السعودية، وفي ليلة الإطاحة بالأمير محمد بن نايف، دعا مسؤولو البلاط الملكي أعضاء هيئة البيعة، وقيل للبعض إن “بن نايف” لا يصلح لأن يكون الملك، بسبب إدمانه على بعض الأدوية التي كان يتناولها على خلفية داء السكري الذي يعاني منه، وآثار عملية الاغتيال التي تعرض لها عام 2009، فضلًا عن علاجه في مستشفيات في سويسرا ثلاث مرات في السنوات القليلة الماضية، ما يعني عدم قدرته على إدارة الأمور ليتولى الأمير الشاب محمد بن سلمان دفة القرار، كرجل ثان في البلاد وفق المخطط الذي سرب لتصعيد الفتى إلى سدة القرار بعد أبيه سلمان.

مجرد جلطة فقط طالت كثيرين، لكن لم تكن سببًا في الإطاحة بهم، كما حدث بالرئيس الإماراتي خليفة بن زايد  (70 عامًا)، حيث منع من أية أنشطة رسمية علنية، منذ أن تعرّض لوعكة صحية بعد جلطة ألمّت به (حسب الإعلان الرسمي)، في 24 يناير 2014، ليتولى مكانه الأمير محمد بن زايد كافة الأمور في انقلاب ناعم برز فيه حرصه على تقديم نفسه كولي للعهد وحاكم فعلي للإمارات، مع ضعف أخيه المريض، وهو ما أشار بوضوح إلى رغبة الأخ الصغير في فرض قراراته السياسية داخليًّا وخارجيًّا وإبعاد أخيه بذريعة المرض.