في ما كانت الأنظار والاهتمامات تتجه نحو فنزويلا وكوريا الشمالية، أعلن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون، بشكل مفاجئ ليل الأحد، عن إرسال حاملة الطائرات”يو إس إس أبراهام لينكولن” مع طاقمها البحري بالإضافة إلى وحدة من القاذفات الجوية، إلى الخليج، “رداً على عدد من المؤشرات والتحذيرات المقلقة والتصاعديّة” بحسب بيان المسؤول الأميركي. ويأتي هذا التعزيز للقوات الأميركية في المنطقة بمثابة “رسالة جليّة إلى إيران بأن أي استهداف لمصالح الولايات المتحدة أو حلفائها هناك، سيُواجَه بردّ صارم”، كما قال بولتون في بيانه. وأضاف أن الإدارة “لا تسعى إلى حرب مع إيران، إلا أنها على أتم الاستعداد للرد على أي هجوم تقوم به جهات بالوكالة عن طهران أو يقوم به الحرس الثوري أو الجيش الإيراني”.

ولم يوضح البيان سبب القرار الأميركي بنشر حاملة الطائرات وقوة القاذفات في هذا التوقيت، لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قال لاحقاً إن “ما حصل هو أننا شهدنا تحركات تصعيدية من قبل الإيرانيين، وسنحاسبهم على أي هجمات تستهدف المصالح الأميركية”. وأضاف قبل توجهه إلى فنلندا “في حال حصلت هذه الأنشطة وإن كان ذلك بالوكالة عبر طرف ثالث أو مجموعة مسلحة مثل حزب الله، فسنحاسب القيادة الإيرانية مباشرة على ذلك”.

وفي السياق، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي لم تسمه، أن الأوامر صدرت بإرسال هذه القوة “كرادع لما يُنظر لها على أنها استعدادات محتملة للقوات الإيرانية ووكلائها قد تشير إلى هجمات محتملة على القوات الأميركية في المنطقة”. لكن المسؤول قال إن الولايات المتحدة لا تتوقع أي هجوم إيراني وشيك.

وتستوقف أمور عدة في هذا التطور، أولها صدوره عن بولتون المعروف بموقفه الصدامي من طهران، وليس عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، ولا حتى عن البنتاغون الذي سارع إلى تسويغ هذه الخطوة من باب أن إيران “تقوم بالتحضير لعمليات ضد القوات الأميركية في المنطقة”. صدور هذا الأمر باسم بولتون يعطيه طابعاً جدّياً، تمهيداً لما قد تكون مجابهة آتية غير مستبعدة، أو ربما لتوظيفه كوسيلة للضغط على طهران.

كذلك يبرز توقيت هذا الإعلان، الذي يأتي في لحظة سبقتها مقدّمات تصعيدية تجاه إيران ومن أكثر من زاوية، بدأت مع وضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، ثم وقف العمل بالإعفاءات “لتصفير” صادرات إيران النفطية. ويوم الجمعة الماضي، صدر عن وزارة الخارجية الأميركية بيان حول “تشديد التضييقات النووية على إيران” ومطالبتها بـ”وقف تخصيب اليورانيوم كلياً والامتناع عن إعادة معالجة البلوتونيوم”، كما بوجوب قيامها “بالكشف لوكالة الطاقة الدولية، عن الجانب العسكري لمشروعها النووي السابق”. واللافت أن العودة إلى هذا الملف جاءت من غير أن يصدر ما يبررها عن وكالة الطاقة الدولية التي تراقب المشروع النووي الإيراني، والتي تفيد تقاريرها الدورية باستمرار التزام طهران بشروط الاتفاقية النووية معها، على الرغم من انسحاب واشنطن منها. مما يطرح سؤالاً عما إذا كانت إدارة ترامب تنوي تجاهل رأي الوكالة؟

في المقابل، يستعد الرئيس الإيراني حسن روحاني للإعلان عن جملة إجراءات “مرحلية” يوم غد الأربعاء “رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي”، بحسب ما نقلت وكالة “إيسنا” الإيرانية أمس عن مسؤول مقرب من لجنة الرقابة على تنفيذ الاتفاق النووي لم تكشف عن اسمه. وأوضح المسؤول أن الإجراءات تأتي “في إطار بنود 26 و36 للاتفاق النووي”، وأن “الانسحاب من الاتفاق ليس مطروحاً في الوقت الحاضر”، لافتاً إلى أن “تقليصاً جزئياً وكلياً لبعض التعهدات الإيرانية والبدء بنشاطات نووية توقفت عنها البلاد بموجب الاتفاق النووي، يمثّل الخطوة الإيرانية الأولى للرد على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وتقاعس الدول الأوروبية عن تنفيذ التزاماتها”. وتأتي الإجراءات الإيرانية المحتملة في وقت تتحدث فيه تسريبات عن أن ترامب يعتزم فرض مزيد من العقوبات يوم غد الأربعاء تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

هذه التطورات جاءت في وقت كان فيه الملف الإيراني يحضر بشكل كبير في تصريحات المسؤولين الأميركيين ولا سيما بومبيو الذي تطرق إلى هذا الملف في سلسلة من المقابلات، خصوصاً التي أجراها أمس الأول الأحد مع شبكة “فوكس نيوز” وقال فيها إن “إيران الآن على الأرض في فنزويلا”. وبعد ساعات من ذلك الكلام، صدر إعلان بولتون عن الحشد العسكري في المنطقة، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت هناك علاقة بين كلام بومبيو واستنفار بولتون؟ يسوّغ مثل هذا الربط أن إدارة ترامب وقعت الأسبوع الماضي في خطأ فاضح كشف عن “سوء تقدير” محرج لها بالنسبة للوضع الفنزويلي. حصل ذلك عندما عقد بولتون شبه مؤتمر صحافي مفاجئ ليعلن ما مفاده بأن التغيير في فنزويلا صار مسألة ساعات يتم خلالها انشقاق القيادات العسكرية والأمنية عن الرئيس نيكولاس مادورو وينتهي أمره. وعندما تبيَّن تسرّع توقعاته، سارعت الإدارة إلى تقليل الخسائر من خلال تدوير زوايا كلام بولتون الذي بدا أنه اعتمد على معلومات “مضلِّلة”. وواكب الفشل الأميركي تجاه الوضع الفنزويلي، استئناف كوريا الشمالية التجارب الصاروخية، بما بدا أقرب إلى التحدّي الموجّه إلى البيت الأبيض، والذي حرص أيضاً على التقليل من أهمية التجربة الصاروخية الكورية، ولو أن ذلك كشف عن عدم صحة تطمينات ترامب بعد قمة سنغافورة بأن كوريا الشمالية أوقفت تجاربها الصاروخية.

اليوم يبدو التدخّل العسكري الأميركي في فنزويلا متعذراً، على الرغم من تأكيدات المسؤولين بأن “كل الأوراق على الطاولة”، إذ لا يبدو أن ترامب يجاري بولتون وبومبيو في اللجوء إلى الخيار العسكري، والخلاف سببه التواجد الروسي في فنزويلا. فبولتون دعا وبقوة إلى انسحاب موسكو من هذا “النصف الغربي للكرة الأرضية “، لكن ترامب رأى أن “بوتين لا يتطلع إلى التدخل في فنزويلا”. مع هذا التعارض، يُستبعد التدخل المباشر في هذه الساحة، وهو ما يطرح تساؤلاً عما إذا كانت إيران هي البديل للرد، وفق مبرر أن دورها لم يعد يقتصر على الجوار بل تعداه إلى فنزويلا لمساعدة مادورو، كما قال بومبيو، وفي ظل “تحذيرات مقلقة” كما أعلن بولتون؟