هل يسعى تحالف البحر الأحمر بقيادة السعودية لعزل إيران وحماية إسرائيل؟

 خلفية

في ظل الصراع الدولي المتنامي على زيادة النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، تسعى السعودية إلى تعزيز سيطرتها على البحر الأحمر بإنشاء تحالف أمني كجزء من استراتيجية حماية إسرائيل والحد من نفوذ إيران.

الموقع الجغرافي للبحر الأحمر جعله من أهم القنوات التجارية والاقتصادية في العالم، فهو يربط بين القارات الثلاث -أفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو البوابة الرئيسية لتزويد أمريكا الشمالية بنفط الخليج، كما أنه الطريق التجاري الأقصر في العالم- إلى أوروبا عبر قناة السويس في الشمال، وإلى آسيا عبر مضيق باب المندب في الجنوب.

بُناء عليه، انضمت السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى اتفاقية شراكة مع ست دول عربية وأفريقية (مصر، وجيبوتي، والأردن، والصومال، والسودان، واليمن) تهدف إلى انشاء تحالف “لحماية مصالحها” في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن ذلك التحالف لم يضم إريتريا وإسرائيل رغم وجود حدود لهما تطل على البحر الأحمر.

يتم تشكيل هذا التحالف الإقليمي بالتزامن مع تشكيل التحالف الاستراتيجي الأمني بالشرق الأوسط ضد إيران، والمعروف باسم “الناتو العربي”.

كافة العيون متجهة للبحر الأحمر

على مدار العقود الثلاثة الماضية، تنافست كل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان والصين وروسيا وإيران وتركيا والإمارات من أجل فرض سيطرتهم على البحر الأحمر، وقد ساهمت القواعد العسكرية التي بنتها تلك البلدان في الدول الساحلية للبحر الأحمر وخليج عدن إلى تغيير الهياكل الجيوسياسية لدول القرن الإفريقي الغير مستقرة في الأساس.

الحروب الأهلية أنهكت دول القرن الإفريقي (الصومال وإريتريا وجيبوتي)، أضعفت حكوماتها المركزية وساهمت في تقسيم أراضيها وشعوبها إلى ميليشيات مسلحة وفصائل قبلية، لذلك كان من الطبيعي أن يرحبوا بتواجد القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها لتوفير حماية عسكرية لهم، كما رحبوا بالاستثمارات الأجنبية والتي ستساهم في ازدهارها اقتصادياً.

تساهم هذه العوامل بصورة كبيرة في زيادة سيطرة المملكة العربية السعودية على جزء كبير من ساحل البحر الأحمر، حيث تشتري المملكة ولاء الدول الصديقة لإيران والتي أنهكتها الحروب الأهلية، كإريتريا والسودان وجيبوتي، لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة.

مخاوف السعودية من الأعداء الإقليميين دافع رئيسي

تخشى السعودية أن تقوم إيران بتنفيذ تهديدها المتكرر بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر خلاله خمس ناقلات للنفط، وهو ما يهدد السعودية اقتصاديا، وازدادت تلك المخاوف مع سيطرة ميليشيات الحوثي -المدعومة من إيران- على هرمز في 2015، والتي قد تؤدي إلى قيام إيران بفرض حصاراً بحرياً شاملاً ضد السعودية، إما عبر الخليج العربي أو البحر الأحمر أو بحر العرب، خاصة بعد هجوم الحوثيين ناقلة نفط سعودية عند ساحل اليمن العام الماضي.

مع بداية الحرب الأهلية في اليمن عام 2015، كانت الرياض تسيطر بشدة على البحر الأحمر، سياسياً وعسكرياً، حيث قامت بتوطيد علاقاتها السياسية مع البلدان الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، كما استطاعت، بمساعدة دولة الإمارات -حليفها الأكبر- أن تنشأ قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا تمكنهم من شن هجمات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.

واستمرت السعودية في تعزيز سيطرتها على البحر الأحمر، حيث سعت بكل قوة لإتمام اتفاقية سلام بين أثيوبيا وإريتريا لحل النزاع المستمر منذ عقود، والتي بالفعل تم توقيعها على أراضيها في منتصف سبتمبر/أيلول 2018، سبق هذا سيطرتها على جزيرتي تيران وصنافير المطلتان على البحر الأحمر بعد تنازل مصر عنهما في 2017، ليساهم ذلك في ظهور تطورات سياسية استراتيجية جديدة في المنطقة.

في سياق متصل، تسيطر مصر -العضو الرئيسي في الائتلاف المنشود- على جزء كبير من البحر الأحمر، ممتد من قناة السويس إلى باب المندب، ولعل هذا ما أهلها كي تصبح “الوكيل” الجديد للإمارات في كبح نفوذ تركيا المتزايد، حيث قامت تركيا بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في الصومال في 2017، كما قامت بعقد صفقة مع السودان في ذلك العام، لتجديد ميناء يعود إلى العهد العثماني في مدينة سواكين المطلة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، ليصبح مركزاً سياحياً وقاعدة عسكرية.

لم ترحب مصر بتلك الصفقة، ما أثر سلباً على علاقاتها بالسودان، خاصة بعد أن قامت مصر بإرسال قوات إلى القاعدة العسكرية الإماراتية في إريتريا بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس التركي للسودان، إلا أن السودان حاولت استرضاء القاهرة بعد أشهر، فقامت بمنح مصر حوالي 500 فدان من الأراضي لبناء منطقة صناعية على النيل، بالقرب من الخرطوم، وجميعها خطوات تعزز من سلطة أبو ظبي.

في الواقع، تستخدم كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مصر لفرض سلطتها في السودان بشكل غير مباشر.

وبدورها تحاول السعودية استخدام التحالف ضد تركيا، خاصة بعد قيام أردوغان بالضغط على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد اتهامها له بالتورط في عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

من ناحية أخرى، نجد أن إسرائيل هي أكبر مستفيد من ذلك التحالف لزيادة الضغط على إيران، والتي تشكل تهديداً عليها، ففي أغسطس/آب 2018 حذرت تل أبيب من أن تهديد إيران بإغلاق مضيق باب المندب سيدفع حلفاءها إلى تشكيل تحالفاً دولياً لمواجهتها.

السعودية تسعى لتوطيد علاقاتها مع إسرائيل

“إسرائيل تُفضل أن يظل البحر الأحمر تحت سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية والذي يمكن مواجهة الخطر الذي يشكله سيطرة الحوثيين على مضيق هرمز”- هكذا صرح الجنرال الإسرائيلي شاؤول شاي، مدير وحدة البحوث في قسم السياسة والاستراتيجيات، والذي أضاف أنه على الرغم من ذلك لم يتم التأكد بعد من قدرة الرياض على حماية مصالح إسرائيل، التي تعمل باستمرار على تقوية وتطبيع العلاقات مع عدد من البلدان الإفريقية.

من ناحية أخرى يحاول ولي العهد السعودي منذ صعوده إلى السلطة في 2017، كسب نقاط لدى الولايات المتحدة والتأكيد بشتى الطرق على أنه حليف موثوق للغرب، ففي ذات العام قام جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، باطلاع بن سلمان على تفاصيل “صفقة القرن” حتى يتمكن من الترويج لها بين القادة العرب، وخاصة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي قام بن سلمان بدعوته سراً إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2017.

وبعد ستة أشهر من نقل واشنطن مقر سفارتها إلى القدس في مايو/أيار 2018، أثنى ترامب -العقل المدبر لما يُسمى بـ “صفقة القرن” على الجهود السعودية لحماية إسرائيل.

وبعد عامين من الإعلان عنها، لم يتم الكشف عن تفاصيل “الصفقة” حتى الآن- وهي خطة سلام مزعوم، للفصل في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنه في الواقع وبحسب التسريبات،  فيبدو أن تلك الصفقة -المتعثرة- ستمنح إسرائيل سيطرة أمنية كاملة على الضفة الغربية المحتلة، وتنص على بناء عاصمة جديدة للفلسطينيين في المناطق المحيطة بالقدس.

إنشاء تحالف البحر الأحمر كان ضرورياً من وجهة نظر السعودية لعدة أسباب، فعلى الرغم من اقتراح الولايات المتحدة تكوين تحالف “الناتو العربي” لمواجهة إيران من جهة، إلا أن الرياض لا زالت في حاجة إلى تعاون دول البحر الأحمر لزيادة حصونها، وعليه كان يجب إنشاء تحالف إضافي يدعم الناتو العربي، ويصبح الحصن الجنوبي ضد طهران، وبصورة أو بأخرى سنجد أن التحالف الإضافي سيحمي إسرائيل أيضاً.

وفي حالة تم تكوين هذا التحالف، فستصبح المملكة العربية السعودية أكبر وأقوى ممثل سياسي واقتصادي في منطقة البحر الأحمر، وسياهم ذلك التحالف في توسيع نفوذها خارج القارة الأفريقية مع حماية إسرائيل وعزل إيران في آن واحد.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر يرجى الضغط هنا