في زيارة هي الأولى من نوعها منذ العام 2014، وصل وفد مصري رفيع المستوى يضم مسؤولين من الخارجية وجهاز المخابرات، الأحد الماضي، إلى العاصمة الليبية طرابلس، للقاء مسؤولين بحكومة الوفاق الوطني، بهدف تذليل العقبات وإنهاء قطيعة دبلوماسية بين البلدين تواصلت لسنوات.

الوفد ضم مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين، ويرأسه وكيل عام جهاز المخابرات العامة المصرية، رئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، اللواء أيمن بديع، فيما ترأس المفاوضات من الجانب الليبي، وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، وبحضور رئيس جهاز المخابرات التابعة لحكومة الوفاق، عماد الطرابلسي.

وأكد الناطق باسم الخارجية الليبية، “محمد القبلاوي” أن زيارة الوفد المصري لطرابلس تمهد لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، إضافة إلى إعادة فتح الملاحة الجوية بين طرابلس والقاهرة. موضحا أنهم تلقوا تعهدا من الوفد بإعادة فتح السفارة المصرية في أقرب وقت.

وفتحت هذه الزيارة أبواب التساؤل على مصراعيها حول مستقبل العلاقات بين حكومة الوفاق الليبية والقاهرة، لاسيما بعد تأكيد “بن نيس” تراجع دعم مصر للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بعد أن اكتشفت أن “الرهان عليه خاسر”.

تحديات مشتركة

ووفقا لبيان الداخلية الليبية، تناول الاجتماع، التحديات الأمنية المشتركة، فضلا عن بحث مخرجات لجنة 5+5 من أجل تأييد المجهودات الأممية بشأن الحوار السياسي والخروج من الأزمة الراهنة بالطرق السياسية والسلمية.

وأشار البيان، إلى أن الاجتماع يأتي “ضمن السياسات الأمنية لوزارة الداخلية التي تهدف إلى توطيد علاقات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وأهمية العمل المشترك بين القاهرة وطرابلس”.

وبحسب مصادر في حكومة الوفاق، فإن السلطات الليبية طالبت بتفعيل الاتفاقية المشتركة الموقعة بين طرابلس والقاهرة والتي تعرف بالحريات الأربع وهي حرية التنقل والتملك والإقامة والعمل.

وناقش الجانبان منح الإذن للجهات الليبية المختصة للوقوف على أوضاع السجناء الليبيين في السجون المصرية، إضافة إلى تفعيل تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين المصريين في ليبيا من داخل العاصمة طرابلس والاتفاق حول رسوم الإقامة للمواطنين المصريين.

ولفتت المصادر إلى أن من بين الملفات التي طُرحت هي إعادة الحركة الجوية بين البلدين وفتح المطارات المصرية أمام الطائرات الليبية، إضافة إلى فتح المنافذ البحرية وإعادة الحركة التجارية بين طرابلس والقاهرة.

وأوضحت أن أي مطالب مشروعة بين الجانبين ستكون في إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدولتين وفقا للاتفاقيات الثنائية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واحترام السيادة الوطنية.

زيارة غير مفاجئة

ورغم الصدى الإعلامي والسياسي الواسع الذي حظيت به زيارة الوفد المصري إلى طرابلس، إلا أن عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، لم يعتبر توقيت الزيارة مفاجئا، لاسيما في ظل الزيارات المتبادلة الأخيرة، من بينها زيارة وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إلى العاصمة المصرية، في الرابع من نوفمبر الماضي.

وقال سلامة في تصريحات صحفية إن الهدف من زيارة الوفد هو إعادة فتح السفارة المصرية، وتأمين عودة العاملين فيها بمن فيهم السفير الذي نقل نشاطه إلى تونس، مشيرا إلى أن مباحثات باشاغا في القاهرة تطرقت لهذا الموضوع أيضا.

بدوره، وصف الباحث في المعهد السويسري للمبادرة العالمية، جلال حرشاوي، زيارة الوفد المصري بـ”البادرة المهمة والتاريخية”. وبالرغم من أنها جاءت بعد 6 سنوات من الانقطاع، إلا أنه قال: “لن أصفها بأنها تحول في موقف القاهرة”.

وأوضح حرشاوي أن النظام المصري “لم يفعل سوى القليل جدا” فيما يتعلق بهجوم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر على الغرب الليبي، قائلا: “في الواقع، كانت القاهرة ترفض هذه المغامرة”.

وأضاف الباحث “قبل بدء هجوم حفتر على العاصمة طرابلس في 4 أبريل 2019، كان المصريون يرون أن قوات حفتر “ستفشل على الأرجح”. 

رسالة إلى تركيا

من جانبه، اعتبر الإعلامي المصري عمرو أديب المقرب من السلطات، أن الزيارة رسالة إلى تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان.

وقال أديب، في برنامجه “الحكاية”، المُذاع عبر فضائية “mbc مصر”: “الوفد المصري موجود في طرابلس لأول مرة منذ 6 سنوات، الزيارة دي ملعوبة حلو؛ أردوغان صحي من النوم لقى الوفد المصري في العاصمة الليبية، ما المشكلة أن يعيش الليبيون بشكل جيد؟، ليبيا دولة غنية والشعب الليبي متعلم وله ثقافة وتاريخ ولديهم ثروات”.

وتابع أديب: “القاهرة ليس لها مصالح في ليبيا سوى الاستقرار. لدينا الغاز الطبيعي والبترول، ولدينا المشاريع التي يعمل فيها أبناؤنا في مصر”.

وعلى صعيد متصل، أكد الصحفي المصري المختص بالشأن الليبي، محمد عامر، أن زيارة الوفد المصري إلى طرابلس، تأتي ضمن حرص القاهرة على أن يكون لديها قنوات اتصال مع مختلف أطراف الأزمة. الليبية.

وأوضح عامر، أن توقيت الزيارة له الكثير من الدلالات، في مقدمتها، أن مصر تريد أن تُثبت أنها قادرة على التواجد في غرب ليبيا، إضافة إلى رغبتها في “هدم ما تحاول أن تقوله أنقرة بأن الغرب الليبي خاضع لتركيا”.

وجدّد الصحفي المصري قوله إن “الرسالة واضحة، إلى تركيا بأن مصر لديها القدرة على أن تتحرك في ليبيا، شمالا وشرقا وجنوبا، وهذه أول رسالة تصل إلى تركيا”.

تهديد تركي

وجاءت زيارة الوفد المصري، بعد أقل من 24 ساعة على زيارة وفد تركي رفيع، ترأسه وزير الدفاع “خلوصي أكار”، ورئيس الأركان “يشار جولر”، وقادة الجيش إلى العاصمة الليبية طرابلس، ولقائهم بوزير الدفاع الليبي صلاح الدين النمروش ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

وقبل أيام، توعد “حفتر” القوات التركية في ليبيا، وقال: “لن يكون هناك سلام في ظل المستعمر ومع وجوده على أرضنا”. ورد الوزير “أكار”، مهددا بأن قوات خليفة حفتر ستكون “هدفا مشروعا” في جميع الأماكن بعد كل محاولة اعتداء على القوات التركية.

وذكر بيان صادر عن المجلس الأعلى للدولة أن أكار والمشري شددا على “استمرار التنسيق المشترك لصد أي محاولة لتحرك معاد من قبل قوات المتمرد خليفة حفتر الخارجة عن القانون والشرعية للعبث باستقرار ليبيا”.