لعقود من الزمان، كان تعزيز العلاقات القوية مع الدول الأفريقية، ولا سيما جنوب الصحراء، أحد أعمدة السياسة الخارجية الفرنسية، حيث حرصت باريس على إقامة علاقات وثيقة مع دول هذه المنطقة، مما يجعل من فرنسا، على الأرجح، أهم لاعب أجنبي في جنوب الصحراء، سواء من ناحية النفوذ أو استغلال الموارد التي لا ترغب لأحد آخر أن يتمتع بها ولا حتى أصحاب تلك الموارد أنفسهم.

لاعب جديد على الساحة

تحافظ فرنسا على مجموعة واسعة من الاتفاقيات مع معظم دول جنوب الصحراء الكبرى في مجالات مختلفة، سواء من ناحية المساعدات الخارجية والمساعدة الفنية أو مجالات التعاون الدفاعي، كل هذا ساعد فرنسا على توسيع نفوذها وتأثيرها على هذه البلدان في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومع ذلك، فإن هذا النفوذ الفرنسي يواجه الآن تحديًا كبيراً من قبل تركيا، التي أصبحت خصم لدود لباريس في هذه الساحة، ففي الوقت الذي تتعامل فيه فرنسا مع تلك البلدان على أنها لا زالت جزء من مستعمراتها القديمة التي سيطرت عليها بالسلاح والقمع، ظهرت تركيا لتنافسها على هذه المكانة ولكن بطريقة سلمية، تضمن لها التمتع بتلك الثروات، وتحفظ لأصحابها حقوقهم في السيطرة عليها والتحكم فيها.

أبرز مثال على السعي التركي لتحرير تلك الثروات من التوغل الفرنسي، أو الاحتكار والاستغلال الفرنسي كي نكن أكثر دقة، الزيارة التي قام بها الشهر الماضي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى النيجر، حيث وقع مجموعة من الاتفاقيات حول التعاون الاقتصادي والدفاعي، وتأتي هذه الزيارة بعد أشهر قليلة من توقيع البلدين اتفاقية في يناير/كانون الثاني من هذا العام للسماح للمديرية العامة التركية لأبحاث المعادن والاستكشاف (MTA) بإجراء عمليات التنقيب والتعدين في النيجر.

وعلى الرغم من أن النيجر هي واحدة من أفقر دول العالم، وصاحبة تاريخ طويل مع المجاعات المزمنة وسوء التغذية إلا أن الدولة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية مثل اليورانيوم، ووفقًا لهيئة المسح الجيولوجي البريطانية، تعد النيجر رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وهو مورد لا غنى عنه بالنسبة لفرنسا التي تستخدمه في انتاج الطاقة، حيث تعتمد ثلثي الكهرباء التي تولدها فرنسا على الطاقة النووية الناتجة عن اليورانيوم، الذي يتم استخراج ثلثه من النيجر من قبل شركة أريفا الفرنسية.

النيجر هي أيضا دولة مجاورة لليبيا، وهي ساحة أخرى لصراع فرنسي/تركي، حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، بينما تدعم فرنسا، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي في شرق البلاد وصاحب سجل كبير في انتهاكات حقوق الإنسان ضد المواطنين الليبيين.

ومن الجدير بالذكر، أن المساعدات العسكرية التي قدمتها تركيا لحكومة الوفاق ساهمت بصورة كبيرة في صد هجوم استمر لمدة عام من قبل حفتر على طرابلس وأجبرته على التراجع إلى مدينة سرت بوسط البلاد.

توسع تركي

في شهر يناير/كانون الثاني، وتزامناً مع زيارة جاويش أوغلو للنيجر، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بجولة أفريقية شملت ثلاث دول رئيسية: الجزائر والسنغال وغامبيا – وهي دول يبدو أن فرنسا لم تنس أنها استعمرتها لعقود من قبل، وترفض أن تقيم أي علاقات – خارج إرادتها- مع أي دولة أخرى.

تعتبر أنقرة الجزائر بوابة مهمة لاتصالها ببقية إفريقيا، فالجزائر هي الدولة الأكبر في إفريقيا من حيث المساحة، وتغطي مساحة 2381.741 كيلومترًا مربعًا، وتمتلك كمية كبيرة من الغاز الطبيعي والرواسب البترولية، مما يجعلها رابع أكبر اقتصاد في المنطقة.

كما أن الجزائر هي رابع مورد للغاز الطبيعي لتركيا بعد روسيا وإيران وأذربيجان، بالإضافة إلى ذلك فإن السوق الجزائري يوفر فرصًا استثمارية جذابة للشركات التركية، حيث تعد تركيا من أكبر المستثمرين الأجانب في الجزائر، باستثمارات تبلغ حوالي 3.5 مليار دولار، أي أن التواجد التركي التجاري في الجزائر يساهم في إنعاش اقتصادها.

كما زار الرئيس التركي غامبيا، الدولة التي تضم واحدة من أربع قواعد عسكرية فرنسية في إفريقيا، كما زار السنغال، أحد الاقتصادات الناشئة في غرب إفريقيا بمعدل نمو سنوي يزيد عن 6٪ منذ عام 2016.

في سياق متصل، اكتسبت تركيا أيضًا نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا قويًا في تونس، وهي جارة لليبيا ومستعمرة فرنسية سابقة أيضاً.

غضب فرنسي

هذه الجهود التركية لتكوين روابط وتقوية علاقات مع دول لم تنس فرنسا أنها استعمرتها من قبل، تضعف فرص باريس في التقدم في جنوب الصحراء الإفريقية، واستغلال مواردها دون رقيب ولا حسيب كما كان يحدث في السابق.

وفقًا للمحلل التركي مايكل تانتشوم، وهو زميل في المعهد النمساوي للدراسات الأوروبية والأمنية (AIES) ، تحتفظ فرنسا بحلقة مزدوجة من القوة الصلبة حول الجزائر وليبيا – حلقة داخلية من المرافق التشغيلية في موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد مدعومة بحلقة خارجية من القواعد الدائمة في السنغال وساحل العاج والجابون.

في يوليو/ تموز، شنت طائرات حربية مجهولة الهوية غارة جوية على أنظمة الدفاع الجوي التركية في قاعدة الوطية الجوية في ليبيا، ورغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن التكهنات سادت بأن الطائرات أقلعت من إحدى القواعد العسكرية الفرنسية في إفريقيا، كرسالة من الفرنسيين إلى الأتراك برفض تواجدهم بأي صورة في تلك المناطق.

كما انخرطت كل من باريس وأنقرة في مواجهة مريرة في شرق البحر المتوسط ​​بشأن حقوق التنقيب عن النفط في المنطقة، مما أثار مخاوف من أن هذا التنافس قد يتصاعد إلى مواجهة عسكرية بين الحليفين في الناتو.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: ميديا تورك: ما وراء كواليس هزيمة فرنسا في ليبيا