على غير توقع، مثّلت الهجرة العربية المفاجئة إلى التطبيق الصوتي الأمريكي الصاعد “كلوب هاوس”، مساحة واسعة للنقاش الحر بين الشباب، بطريقة أكثر ديناميكية وسهولة، وقدرة أكبر على الوصول والقدر على عرض الأفكار صوتيا وليس من خلال نص مكتوب جامد.

وبطبيعة الحال، كان من بين جمهور المهاجرين العرب إلى التطبيق آلاف من المستخدمين السعوديين الذي وجدوا في التطبيق متنفسا مؤقتا لحرياتهم، وبدأوا في الاستفادة من تيه الأمن السعودي المؤقت في استقبال خصائص التطبيق، وذلك لمنح أنفسهم ولأول مرة منذ زمن، فرصة التعبير عن آرائهم بحرية، حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت. 

ويدرك آلاف النشطاء السعوديين أن الأمر مسألة وقت قبل أن تفرض الجيوش الإلكترونية الموالية للحكومة سيطرتها على “كلوب هاوس” وأنشطته كما فعلت على منصة “تويتر”، في بلد سجنَ الكثير من منتقدي النظام بسبب تغريداتهم، بينما أصبحت بقية وسائل الاعلام الاجتماعي سلاحا بيد الحكومة.

ويخوض سعوديون نقاشات متنوعة حول الإصلاحات السياسية والعنصرية وغيرها من المواضيع الحساسة في المملكة عبر التطبيق الصوتي، ما أثار مخاوف من المراقبة لدى المستخدمين في بلد يكبح حرية التعبير بينما يكتسب التطبيق زخما يوما بعد يوم، حيث يسمح للأعضاء بالاستماع والمشاركة في محادثات مباشرة تجري في “غرف” رقمية.

وفي هذه “الغرف”، يتناول الحوار الأكثر جرأة السعودية، حيث قامت حسابات موالية للحكومة معروفة باسم “الذباب الإلكتروني” في الماضي بالتضييق على حرية النقاش على منصات أخرى، بينما أفلت مؤقتا هذا التطبيق الأميركي الذي لا يمكن الانضمام إليه إلا بدعوة عبر أنظمة تشغيل أبل، بشعبية كبيرة لدرجة قيام بعض المستخدمين في المملكة بطرح دعوات للانضمام إليه عبر تويتر، ما يعكس رغبة دفينة للحوار والنقاش على الرغم من الخوف من المراقبة.

ويرى مؤسس “مؤسسة الكواكبي” التي تدعم الناشطين في الشرق الاوسط أحمد قطَنَّش، أن “كلوب هاوس يعوض عن فراغ هائل الآن، وشعبيته في الخليج تظهر أن الناس كانوا في انتظار وسيلة جديدة للتعبير عن آرائهم واستكشاف الأفكار والنقاش بحرية ودون رقابة”. وأضاف “أخشى أن تقوم الحكومة السعودية إما بالقمع عبر منع التطبيق أو مراقبة الغرف واعتقال الأشخاص لممارسة حقهم في حرية التعبير كما فعلوا مع تويتر في السنوات الأخيرة”

تفاعل واسع

أما على مستوى النشطاء، فكان التفاعل بينهم كبيرا، واستعرضت الناشطة السعودية أماني الأحمدي، المقيمة في الولايات المتحدة، تجربتها في التطبيق بقولها إن “كلوب هاوس يزدهر لأن عددًا كبيرًا من المثقفين السعوديين يهتمون بمناقشة العديد من المواضيع التي تعتبر محرمة وتخضع للرقابة في المجال العام”. لكن بعد أن استضافت الأحمدي مؤخرا محادثة حول “العنصرية في السعودية”، انتشرت على تويتر صور ومقاطع فيديو تظهر هويات وآراء المشاركين في المحادثة، بالإضافة إلى نظريات مؤامرة تتعلق بدوافعهم.

تطبيق كلوب هاوس | مركز سمت للدراسات

وتشير الأحمدي “أرى بعضا من المتصيدين السعوديين عبر الانترنت يقومون بنقل محادثات كلوب هاوس إلى تويتر عبر تسجيلها”. وأضافت “ما زالت هذه منصة جديدة وهناك العديد من المخاوف المتعلقة بأمن” المتحدثين. وقال مستخدم سعودي للتطبيق إن البعض بدأ بفرض ما يبدو بأنه رقابة ذاتية على المنصة، إذ يباشر العديد من المشاركين الحديث بقوله “أنا متواجد في داخل” السعودية أو “في موقع حساس”.

تفكير حر

وعلى الرغم من المخاطر، يشارك العديد من السعوديين في محادثات متنوعة حول العديد من القضايا التي تجسد التغيير الذي يتطلع إليه الكثير من الشباب في المملكة. ففي إحدى “الغرف الرقمية”، تحدثت امرأة سعودية عن عدم وجود حريات مدنية في المملكة التي تخضع لنظام ملكي مطلق. وقالت السيدة إن “التفكير ليس مجانيا، التفكير ثمنه غال، ثمنه العمر وثمنه سنوات في السجون”. وأضافت “نحن لسنا حظيرة نرغب فقط في الاكل والشرب، هذا طموح البهائم (..) من حقنا أن نفكر ومن حقنا أن نعارض كأي دولة وهذه أبسط حقوق المواطنين”.

وفي غرفة اخرى، أثنت مستخدمة على فرص التوظيف الجديدة للنساء في المملكة، لكنها أوضحت أن الأمر له تكلفة باهظة. وأكدت “نحن الآن في طريق المساواة”، مشيرة إلى أن “أغلب الرجال من السعوديين مستاؤون ويقولون لماذا تملك المرأة وظائف أكثر منا”.

مخاوف أمنية

أثار هذا الأمر مخاوف من إمكانية مراقبة مستخدمي هذا التطبيق، وقد شكل نشر الصور ومقاطع الفيديو خرقا لقوانينه التي تحظر تسجيل المحادثات، فيما أغلقت “غرفة رقمية” أخرى للحديث عن إطلاق سراح الناشطة لجين الهذلول بعدما هدد بعض المتحدثين بفضح المشاركين علنا، بحسب مصدرين مطلعين على الجلسة، كما أثارت هذه المحادثات غير المسبوقة دعوات حثيثة من قبل مؤيدين للحكومة لأن تقوم الدولة بتنظيمها. ونشر الأكاديمي السعودي الموالي للنظام فهد العتيبي مقطع فيديو قال فيه إن “التطبيق خطر على الأمن الوطني لأي دولة من الدول” بما في ذلك المملكة.

وكتب الإعلامي السعودي الموالي للنظام، سلمان الدوسري مقالا في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان “المعضلة الأخلاقية كلوب هاوس”، قال فيه إن التطبيق “الذي أحدث جدلاً مجتمعياً قوياً، على الأقل في السعودية ودول الخليج، ليس بسبب فكرته، بل بسبب قدرته على الضجيج العالي الذي تُحدثه نقاشاته بشكل قد يتسبب في ضرب المجتمع بأسره بلا أي ضوابط تنظيمية أو أخلاقية”.

ويبدو أن الهوس الأمني السعودي من التطبيق ساهم بشكل كبير في انتشار التطبيق، حيث على شاكلة التسويق المضاد، والمشاركة العقابية، رفعت حملات التحذير والترهيب الإعلامية الرسمية السعودية، آلاف المستخدمين للبحث عن هذا التطبيق ومحاولة استخدامه بشكل أكثر فعالية، ليجدوا عالما أكثر حرية مما عاشوه على مدار سنوات.

اقرأ أيضًا: خدمات سعودية “غير مسبوقة” للاحتلال.. كيف ستغدو “نيوم” عاصمة التطبيع العربي؟