مر حتى اللحظة نحو شهران على التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الوزراء التونسي، هشام المشيشي، وأيده البرلمان، لكنه لا يزال معطلًا حتى الآن بسبب تعنت الرئيس قيس سعيد ضد هذا التعديل الوزاري، فلم يستقبل الرئيسُ الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه.
أزمة سياسية بين مؤسسات الدولة وممثليها المنتخبين أدت إلى شعور التونسيين بحالة من القلق والترقب، وعلى إثر ذلك تعددت مبادرات ومساعي الأحزاب والتيارات ومنظمات المجتمع المدني لمحاولة البحث عن صيغة تقنع الرئيس بتغيير موقفه، وأن يقبل الدعوة للحوار الوطني الجامع.
لكن رفض الرئيس المتكرر وتصلب موقفه قد يجعله هو الخاسر في النهاية، فالعديد من الشواهد والأحداث تشير إلى أن الحوار قد يُطلق دون المرور من خلال رئاسة الجمهورية، ما قد يؤدي إلى أن تكون موافقة الرئيس من عدمها ليست ضرورية لاجتماع معظم الطيف السياسي الوطني حول مائدة حوار واحدة، للبحث عن آليات وخطوات واضحة لتخرج تونس من حالة الانسداد السياسي التي نتجت عن الأزمة السياسية الراهنة.
- الاتحاد العام للشغل يفكر في المخطط البديل..
أحد أهم شواهد تخطي رئيس الجمهورية وعدم انتظار موافقته هو موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد انزعجت قيادة الاتحاد من تردد سعيد، خصوصًا أنها قد عرضت مبادرة للحوار عليه، وألحت عليه كي يتبناها ويشرف على الحوار، لكنه لم يبادر أو يبدِ تحمسًا لأن يقْدم ويمسك زمام المبادرة.
وهو ما جعل قيادة الاتحاد تراجع تفكيرها، وباتت تفكر فعليًا في تنفيذ “المخطط البديل”، طبقًا للمفردة التي استخدمها الأمين العام للاتحاد في خطابه الأخير، الأحد الماضي. فقد ذكر نور الدين الطبوبي أن “للاتحاد مخططاً بديلاً للضغط إيجابياً من أجل إعادة البوصلة نحو الخيارات الوطنية”، وذلك “على إثر عدم التعامل بجدّية وإيجابية من قبل رئاسة الجمهورية مع مبادرة الاتحاد التي تقدم بها أخيراً”.
ولا شك أن هذا التصريح يعد مؤشرًا واضحًا على شعور الاتحاد بإحباط أو خيبة من تصرف رئيس الدولة، الذي كانوا قد اقترحوا عليه سابقًا أن يقوم بدوره المنوط به كشخصية وطنية جامعة، تعمل على تجميع الأطراف والتيارات السياسية المختلفة، للمساهمة بجدية في انتشال البلاد من أزمتها السياسية الراهنة.
- هزات متتالية في الحزام الداعم للرئيس..
يأتي موقف الاتحاد الجديد تزامنًا مع ظرف سياسي يتعرض فيه الحزام السياسي المؤيد والداعم لقيس سعيد لعدد من الهزات المتتالية.
فعقب استقالة محمد عبو، الأمين العام السابق لحزب “التيار الديمقراطي”، قرر خلفه، غازي الشواشي، الانسحاب هو الآخر من قيادة الحزب، دون إعلان الأسباب. وهو ما يؤكد وجود أزمة حقيقة داخل التيار الديمقراطي حول الاجتهادات والتصورات السياسية للمرحلتين الآنية والمستقبلية. وهو ما قد يؤول في نهاية المطاف إلى إضعاف الحزب والتقليل من دوره وتأثيره.
إضافة إلى ذلك، يتعرض رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، محمد عمار، إلى هجوم واسع بعد ادعائه -في تسريب لمكالة هاتفية له- أن زوجة الرئيس تؤدي دورًا رئيسًا في إحداث الخلافات وتفجير التناقضات بين زملائها القضاة. وقد بادر سريعًا عياض اللومي، رئيس كتلة “قلب تونس”، للمطالبة بتحقيق ناجز حول هذه القضية.
من ناحية أخرى، أعلنت مجموعة شبابية كانت ضمن التيار الداعم لرئيس الجمهورية تأسيس حزب جديد يحمل اسم “الشعب يريد”، في إشارة رمزية لشعار الشعب وقت الثورة.
وقد شرع الحزب في شن هجوم حاد على نادية عكاشة، مديرة ديوان رئاسة الجمهورية، كما ادعى الحزب الجديد أن دولة أجنبية ساندت قيس سعيد في حملته الانتخابية ووقفت خلفه. هذا بالإضافة إلى كشف الحزب لصراعات سابقة بين عدد من المجموعات التي كانت حول الرئيس سعيد.
إضافة إلى ما سبق، عدم استقبال الرئاسة الفرنسي للسفير التونسي الجديد، كريم جموسي، حتى اللحظة يثير تساؤلات حول واقع العلاقات بين البلدين، خصوصًا أن تعيين السفير قد مضى عليه أكثر من 3 أشهر، وهي سابقة أولى من نوعها في تاريخ العلاقات الفرنسية التونسية.
- الرئيس يراهن على الزمن لإبعاد المشيشي..
في هذا الإطار، لا يزال بعض المقربين من الرئيس يعتقدون أن رهانه على عامل الزمن لإجبار هشام المشيشي، رئيس الحكومة، على الاستقالة. لكن رئيس الحكومة، بدوره، قد صرح غير مرة أن الاستقالة خيار غير مطروح لديه، معتبرًا إياها “كلاماً لا معنى له”.
علاوة على ذلك، لا يزال الداعمون السياسيون للمشيشي رافضين لخيار الاستقالة، حيث لا يزال رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، يؤكد على أن حركة النهضة، التي يرأسها، تعتبر أن إبعاد المشيشي سيؤول إلى أن “يحدث فراغاً أو يؤثر على تماسك السلطة”.
كما رد على الكعلي، وزير الاقتصاد والمالية، على من ينتقد الحكومة ويتهمها بالفشل ويدعوها إلى الرحيل، بقوله إن “الحكومة على الطريق الصحيح، والانتقادات الموجهة إليها بشأن تعطّل انطلاق الإصلاحات، تؤكد نجاحها”.
هذه الصراعات داخل الكواليس تزامنت مع ترويج البعض خبرًا يفيد أنه قد تحدث خلال الفترة القادمة تسوية ما بين الغنوشي وسعيد، ويتم التضحية بهشام المشيشي بمقتضاها، مقابل أن يتم التوافق بين الشخصيتين على شخصية بديلة لترأس الحكومة الجديدة، وتكون النهضة أحد أهم مكوناتها.
لكن أنصار النهضة ينفون هذا السيناريو بالكلية، حيث فقدت الحركة وأنصارها الثقة في رئيس الجمهورية، ويتهمونه بالانحياز ضدهم، والوقوف مع خصومهم، كما أن الرئيس لم يعد يثق بهم هو الآخر، وفق مراقبين للمشهد السياسي.
لا شك أن الطيف الداعم للرئيس قيس سعيد يضيق عليه يومًا بعد يوم، في ظل سياساته المتصلبة ورؤاه المتعنتة. ولا شك كذلك أن سياساته المتصلبة قد تقود إلى عزله سياسيًا وإجراء الحوار بدونه حال ضاق الطيف السياسي بسياساته ذرعًا.
لكن مع ذلك، ليس المهم أن يضيق الحزام الداعم للرئيس أم يتسع، المهم هو أن يدرك الساسة التونسيون أن الأزمة السياسية التي تسببها النخبة قد تضر بالبلاد وتجربتها الديمقراطية الناشئة برمتها.
اقرأ أيضًا: تسريب صوتي: سنستعمل عبير موسى لضرب الغنوشي ثم نتخلص منها
اضف تعليقا