العدسة – معتز أشرف
“ضربني وبكي وسبقني واشتكى”.. بهذا المثل المصري الشهير أطلق الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي أحدث تهديداته بزعم التصدي للإساءة إلى الجيش والشرطة، رغم الإجماع على أن عهد السيسي هو العهد الأسوأ للجيش والشرطة، وأنه تورط في إساءات واسعة للمؤسستين بعد جرهما خلفه منذ التمهيد للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، لتصل المطالبات إلى تطبيق الاتهام بالخيانة العظمي، الذي أطلقه على منتقدي مخالفة القوات المسلحة والشرطة للقانون والدستور على السيسي ذاته الذي يعتبر وفق البعض المسيء الأكبر للجيش والشرطة في مصر!.
ذريعة فارغة !
وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي سارعت إلى توضيح الذريعة التي استخدمها الديكتاتور وهو يدعو وسائل الإعلام إلى التصدى للإساءة للقوات المسلحة والشرطة، وقال إن الإساءة لهما خيانة عظمى، حيث نقلت عن مصادرها أنها “كانت بسبب فيلم تسجيلى، وعرض مسرحى، وديوان شعر”، حيث جاءت تصريحاته المتناقضة مع أفعاله، بالتزامن مع تسلم نيابة أمن الدولة العليا لتحريات الأمن الوطنى، فى تحقيقات النيابة مع صناع الفيلم التسجيلى «سالب 1095»، وأمرت النيابة بضبط وإحضار سلمى علاء الدين، مخرجة العمل، ومصوره، وقررت حبس المونتير طارق زيادة ١٥ يوما، لإنتاجهم الفيلم، الذى ظهر فيه عدد من الشخصيات العامة يطلقون تصريحات وصفتها التحريات بأنها «هجومية ضد الدولة»، منهم عزة سليمان، وعبدالخالق فاروق، وشادى الغزالى حرب، وحمدى قشطة، ومازن حسن، إلهام عيداروس، ومعصوم مرزوق، وممدوح حمزة، وعمرو بدر، وأحمد ماهر، ومحمد أنور السادات، كما أعلنت دار «ضاد للنشر والتوزيع» فسخ تعاقدها مع الشاعر جلال البحيرى، لما بدر منه من «إساءات تمس الوطن فى ديوانه»، مشيرة إلى أن ما حدث كان مجرد تعاقد لم يرق لطباعة أي نسخة من الديوان، وأصدر نادى الصيد بيانًا، أعلن فيه دعمه للقوات المسلحة والشرطة، بعد الانتقادات التى طالت مسرحية «سليمان خاطر»، التى أوقف النادى عرضها، رافضًا الزج بالنادى فى إشارات تسيء ليس للقوات المسلحة والشرطة فحسب، وإنما لكل مؤسسات الدولة، ليكون الإبداع عند السيسي إساءة تستلزم التخوين .
معاناة مكتومة!
تصريحات السيسي تفتح الملف الأخطر في المشهد، والذي لا يجد بحسب بعض المراقبين، تسليطا للضوء بسبب المشاعر السلبية للمعارضيين من الشرطة والجيش، حيث طالت الانتهاكات المؤسستين العسكرية والأمنية في عهد السيسي بصورة كبيرة، وبات السجن أو القتل أو الإبعاد في أقل تقدير مصير كل من يتجرأ ويطالب بالتزام الشرطة والجيش بالقانون والدستور من داخل المؤسستين.
وبخلاف أعداد ضحايا الشرطة في أعمال العنف، فإن “قضية منصور أبو جبل ” مفتاح مهم لقراءة المعاناة المكتومة والإساءات للشرطة في عهد السيسي، ولازالت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، برئاسة المستشار حسن فريد، تنظر محاكمة أمين الشرطة منصور أبو جبل و 12 أمين شرطة آخرين، في اتهامهم بتحريض المواطنين ضد وزارة الداخلية علي الرغم أن ائتلاف أمناء الشرطة يرفع مطالب الأمناء في مصر المتضررين ماليا وحقوقيا بشكل كبير، والذين هتفوا وقتها للمرة الأولي “الداخلية بلطجية” في اعتراف متأخر بالقمع الأمني.
التغيير كان هدف الائتلاف بحيث يتم تلافي أخطاء الشرطة في أوقات سابقة، ودشن الائتلاف انتفاضة واسعة في عام 2015 ، وذلك للمطالبة بالحقوق المالية كصرف حافز للأمن العام أسوة بالإدارات والمصالح وزيارة بدل مخاطر 100% من الأساسي، صرف حافز للأمن العام 100% من الأساسي، حيث إن الأمين والمساعد يحصل على 200 جنيه والدرجة الأولى 160 جنيهًا، وعدم التعسف والتعنت في الكشوفات الطبية لكادر الأمناء والضباط الحاصلين على ليسانس الحقوق وضباط الشرف، وزيادة العدد إلى 1600 فرد لضباط الشرف وتكون 3 دفعات كل عام، والمطالبة كذلك بالحقوق الصحية بالتعاقد مع مستشفى خاص للجميع لعلاج الأفراد والخفراء والمدنيين وأسرهم.
اعتقال العميد «محمود قطري» ضابط الشرطة البارز في ثورة 25 يناير وتعذيبه وإهانته ، مثال بارز بحسب البعض لما آل إليه حال الشرطة في عهد السيسي، وبحسب بيان أسرة العميد محمود قطري فإنه” تم توجيه تهم إضعاف الثقة في مؤسسات الدولة، مع العلم بأن العميد محمود قطري كان يسعى إلى تطبيق وعرض بعض الرؤى لتطوير الأداء الأمني داخل وزارة الداخلية بعد ثورة 25 يناير 2011، فكان نقده بناءً على غيرته على مصر وجهاز الشرطة الذي عمل به سنوات عديدة”، مضيفة أن ” العميد محمود قطري في الثانية والستين من عمره وهو مريض بالسكر والضغط المرتفع ومحتجز في قوات الأمن بدمنهور في زنزانة قذرة وفي ظروف غير إنسانية، الحمام ليس له باب والمكان قذر ومليء بالحشرات ولا يناسب الحياة الآدمية، وعلى جسمه آثار تعذيب”.
ولم يكن الجيش أحسن حالا، فأبناء القوات المسلحة باتوا معرضين للاعتقال إذا رفضوا تنفيذ الاوامر المخالفة للقانون والدستور، وكان آخرها ما تم تسريبه عن “اعتقال 23 قيادة عسكرية في الجيش المصري، بينهم 3 من قيادات المنطقة العسكرية الشمالية، بمحافظة الإسكندرية، من الموالين لرئيس الأركان “الأسبق” الفريق “سامي عنان”، المحتجز منذ الأسبوع الماضي”.
سخرية واسعة !
ما فعله السيسي في القوات المسلحة المصرية أثار سخرية واسعة بين المصريين، فمن بوابة صناعة حلويات العيد انطلقت السخرية عبر وسم #كحك_الجيش، وذلك في رسالة مصورة ساخرة من التضحيات الكبيرة للجيش المتمثلة في صناعة الحلويات وتقديمها في الأسواق، وتصدر الوسم وقتها مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن قدم مجموعة من الشباب فيديو وهم يتذوقون منتجات الجيش من الحلويات، ومقارنتها بمثيلاتها التي تنتجها الماركات المصرية المتخصصة في هذا المجال، ومن ثم يعطون درجة تقييمهم من أصل عشر درجات، واستنكر المغردون هذه المشروعات التي ينفذها الجيش وانشغاله في السيطرة على الاقتصاد والمال المصري وتفريطه في الأرض المصرية (تيران وصنافير)، وانتقدوه لترك مهامه الأصلية في حماية الحدود والتفرغ لصناعة كحك العيد وغيرها من الصناعات التي تشوه اسم الجيش والمؤسسة العسكرية المصرية، وتوقع البعض أن تكون التهمة الجديدة “خدش رونق الكحك “.
وتحت وسم ” #خير_أسماك_الأرض “” انطلقت سخرية واسعة ضد الجيش المصري بسبب توريط السيسي للجيش في مشروعات ليست من مهامه، وتدوال المغردون “فيديو” لعدد من ضباط الجيش المصري، وهم يعرفون أنفسهم أمام السيسي كقادة محاربين يتولون مشاريع استزراع “السمك والجمبري”، وتحت الوسم #خير_أسماك_الأرض” انتقد المغردون والنشطاء شغل السيسي بالجيش بالانتاج السمكي والحيواني وغيره، عن مهمته الأساسية في حمل السلاح والتدريب وحماية الحدود، وتداول رواد التواصل الفيديو بصورة واسعة، ليغردوا عن خط الإنتاج الجديد للجيش، وهو السمك والجمبري، ليلحق بالمكرونة وعدة منتجات أخرى تمثل “مشاريعه الاقتصادية”، بجانب السخرية من طريقة تعريف الضباط بأنفسهم أمام السيسي: “قائد خط السمك”، ونظيره “قائد خط الجمبري”.
غضب بالجيش !
في دراسة لمعهد كارنيجي الأمريكي قامت بها شانا مارشال، وهي مديرة مساعدة لمعهد دراسات الشرق الأوسط، توقعت حدوث الانقسامات في الجيش وإمكانية أن تطفو إلى السطح حيث قد يتسبّب تصاعد نفوذ حلفاء الجيش الجدد بانشقاقات كانت مغمورة، في سياق صراع الأجنحة للحصول على حصة في الحقل الاقتصادي والسياسي الجديد مشيرة، إلى فشل البرنامج الأمريكي في حثّ القوات المسلحة المصرية على الإصلاح أو تحسين إجراءات مساءلتها، كما أوضحت الدراسة أبعاد الأضرار التي تسبب فيها عهد السيسي قائلة: “على الرغم من سيل المساعدات المالية والحلفاء الجدد، من شأن هذا التدفّق المفاجئ للموارد وتركُّز السلطة أن يُحدِثا نزاعاً داخل المؤسسة العسكرية. وينبغي على الجيش المصري، شأنه شأن أي مؤسسة كبيرة، أن يقرّر كيفية اقتسام الغنائم، لكن التسريبات المتكرّرة لمحادثات ضبّاط الجيش المصري المسجّلة، التي بدأت في أواخر العام 2014، تشي بانشقاق أكثر خطورة في صفوف القيادة خاصة أنها تثبت تُورِّط بشكلٍ مباشر السيسي وأقرب مقرّبيه ومستشاريه، ويتوقع أنه تم تسريبها من قبل أشخاص آخرين في قيادة الجيش غير راضين عن الوضع القائم في عهد السيسي.
اضف تعليقا