تبرز الإمارات العربية المتحدة اليوم كلاعب رئيسي في تأجيج الحرب الأهلية في السودان، حيث تظهر مساهمتها في إطالة أمد النزاع وتعقيد الوضع الإنساني ومع استمرار القتال دون أي مؤشر على تراجع، أصبح التدخل الإماراتي أحد العوامل المحورية في إطالة أمد العنف.
هذا التدخل يهدف إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية على حساب الشعب السوداني، ما جعل البلاد مسرحًا لإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
يأتي ذلك في الوقت الذي تدعي فيه القوى الدولية لإيجاد حل سلمي للنزاع السوداني، تظل الإمارات العربية المتحدة القوة الأجنبية الأكثر تأثيرًا واستثمارًا في الحرب، حيث تسعى لاستغلال الموارد الغنية والموقع الاستراتيجي للسودان لتعزيز نفوذها في المنطقة.
ومنذ بداية الصراع، اصطفت الإمارات خلف قوات الدعم السريع بقيادة محمد “حميدتي” دقلو، وقدمت دعمًا ماليًا ولوجستيًا لهذه القوات شبه العسكرية، رغم نفيها المتكرر لهذا التدخل.
الأدلة تشير إلى أن الإمارات لم تقتصر على الدعم المالي والعسكري فقط، بل لعبت دورًا مباشرًا في تأجيج النزاع عبر تهريب الأسلحة والإمدادات الحربية إلى السودان من خلال شبكاتها في ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وعلى الرغم من فرض حظر الأسلحة من قبل الأمم المتحدة، تجاهلت الإمارات هذا الحظر واستمرت في دعم قوات الدعم السريع، مما ساهم في تفاقم الوضع الميداني وتعقيد جهود السلام.
الإمارات والموارد السودانية
لم تقتصر التدخلات الإماراتية على إطالة أمد الصراع العسكري فحسب، بل لعبت دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها السودان، وفقًا لتقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 7 ملايين شخص قد نزحوا داخليًا، وفرّ حوالي مليوني شخص إلى الدول المجاورة. ومع تصاعد القتال، بات السودان على شفا أسوأ مجاعة في العالم، حيث يحتاج نحو نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
رغم هذه المعاناة الإنسانية، تستمر الإمارات في استغلال ثروات السودان، وخاصة الذهب. فالسودان، الذي يمتلك احتياطيات كبيرة من الذهب، أصبح مصدرًا رئيسيًا للإمارات في تأمين مصالحها الاقتصادية.
فيما تشير التقارير إلى أن الإمارات تستورد تقريبًا كل الذهب المهرب من السودان، مما جعلها مركزًا لغسل الذهب في السوق العالمية. هذا الدور الذي تلعبه الإمارات في تهريب الموارد السودانية يعزز من اعتماد قوات الدعم السريع على هذه التجارة لتمويل عملياتها العسكرية، مما يسهم في إطالة أمد النزاع.
بسط السيطرة والنفوذ
إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية، تسعى الإمارات لتحقيق أهداف جيوسياسية طويلة الأمد في السودان وشرق إفريقيا. منذ عام 2018، استثمرت الإمارات أكثر من 6 مليارات دولار في السودان، شملت مشاريع زراعية وبناء ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر.
هذا الميناء، الذي تديره مجموعة موانئ أبوظبي، يهدف إلى تأمين ممرات تجارية هامة للإمارات بعيدًا عن ميناء السودان الذي تديره الحكومة السودانية.
الإمارات تسعى أيضًا لتحقيق أهدافها في مجال الأمن الغذائي من خلال استثماراتها في الزراعة السودانية. حيث تقوم شركتان إماراتيتان بزراعة أكثر من 50 ألف هكتار في شمال السودان، ويتم تصدير المنتجات الزراعية عبر البحر الأحمر لتلبية احتياجات الإمارات المتزايدة من الغذاء.
هذه الاستثمارات لا تساهم فقط في تأمين الأمن الغذائي للإمارات، بل تعزز من سيطرتها على الاقتصاد السوداني المتعثر.
تجاهل المجتمع الدولي لدور الإمارات
رغم الدور الكبير الذي تلعبه الإمارات في تأجيج النزاع السوداني، فإن المجتمع الدولي لم يتخذ أي إجراءات حاسمة لوقف هذا التدخل. مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يتمكن من فرض ضغوط كافية على الإمارات لوقف تسليح قوات الدعم السريع أو الحد من تدخلاتها في الصراع.
هذا التواطؤ الدولي، يعكس قوة التحالفات التي تتمتع بها الإمارات مع القوى الغربية، والتي تغض الطرف عن دورها في دعم ميليشيات متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ورغم اتهامات منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش، للإمارات بدعم ميليشيات ارتكبت جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في السودان، لا تزال أبوظبي تتمتع بحصانة دولية، مما يعزز من استمرار تدخلاتها. هذه الحصانة تزيد من صعوبة إيجاد حل سياسي للأزمة السودانية وتفاقم الوضع الإنساني المتدهور.
مع استمرار القتال في السودان وتزايد المعاناة الإنسانية، يظل المجتمع الدولي غير قادر على كسر الجمود السياسي أو منع الأطراف الأجنبية، مثل الإمارات، من تأجيج الصراع. إن فشل الجهود الدولية في وضع حد للتدخلات الأجنبية يعزز من احتمالات تحول السودان إلى “دولة فاشلة” تعاني من الفوضى والانهيار.
اقرأ أيضًا : بعد رحيل السنوار: المقاومة مستمرة وإسرائيل تواجه كابوسًا مستمرًا
اضف تعليقا