العدسة – ياسين وجدي:
من شعار “القدس عربية إسلامية” إلى شعار “القدس فلسطينية ” فقط ، سقطت القاهرة في أحضان المؤامرة الصهيونية بالتخلي عن عروبة وإسلامية القدس عبر المؤتمر ال 21 لوزراء الثقافة العرب الذي يعقد تحت رعاية النظام المصري وفق الشعار الجديد المثير للجدل.
لماذا في هذا التوقيت ، يتخلى المجتمعون العرب عن الشعار الجامع للقضية الفلسطينية ويتركوا القدس للمقدسيين كأنها شأنا داخليا خاصا ، وكيف هذا ؟ وما هو المقابل ؟ .. أسئلة كثيرة مطروحة في المشهد ، يبحث “العدسة” في خلفيات إجاباتها .
انطلاق فاضح
انطلق مؤتمر وزراء الثقافة العرب مساء الأحد ، باحتفالية خاصة بدار الأوبرا في القاهرة بمناسبة أخرى وهي مرور 60 عاما على إنشاء وزارة الثقافة المصرية ، غابت عنها القدس عن الكلمة الافتتاحية والمظاهر وتصدرها الاستعراضات الراقصة والحديث عن مصر ودورها القيادي المرتقب والتطرف والإرهاب بجوار لافتات تحمل صورة صغيرة للقدس فوق شعار المؤتمر “القدس فلسطينية”!!.
وسبق المؤتمر جلسات ما يسمى “اللجنة الدائمة للثقافة العربية” التي عقدت الجمعة الماضية في القاهرة على هامش الاستعداد للدورة الحادية والعشرون من المؤتمر، ولم تركز على القضية الفلسطينية أو القدس، وبحسب البيانات الرسمية فإن الجلسات تناولت عدة قضايا هامة احتل فيها التراث الثقافي في فلسطين والقدس الشريف المرتبة الأخيرة بعد نقاش العديد من الموضوعات رغم أن الشعار الأساسي للمؤتمر مرتبط بالقدس.
شعار “القدس فلسطينية ” ظهر في توقيت كاشف تمر به القضية الفلسطينية بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يوم 6 ديسمبر 2017 اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال “إسرائيل”، ويأتي في مسار آخر بحسب المراقبين يفضح القاهرة والمجتمعين فيها .
السوابق تاريخيا ، تقول غير ما جرى ، حيث اختار وزراء الثقافة العرب المجتمعون في مسقط عاصمة سلطنة عمان في عام 2006 مدينة القدس عاصمة فلسطين لتكون عاصمة الثقافة العربية لسنة 2009 .
كما تستعد فلسطين للاحتفاء باعتماد القدس عاصمة للثّقافة الإسلامية للعام 2019، بناء على قرار المؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء الثقافة في عام 2014، بالتزامن مع مطالبة فلسطينية متكررة يعلنها وزير الثقافة الفلسطينى إيهاب بسيسو بالتوأمة بين القدس كعاصمة دائمة للثقافة العربيّة، وكعاصمة للثقافة الإسلاميّة للعام 2019.
وفيما يبدو أن أنه رد غير مباشر على شعار المؤتمر الذي تخلى عن عروبة القدس تحدث وزير الثقافة الفلسطينية إيهاب بسيسو على استحياء في تصريحاته مؤكدا أن ” ما يهمنا هو أن تكون فلسطين حاضرة بعاصمتها القدس، وهو الرد الثقافي على عروبة القدس عاصمة لدولة فلسطين”.
مخطط صهيوني !
الارتماء والترويج لفكرة الدولة الوطنية والانسلاخ من أن قضية القدس هي قضية إسلامية بالأساس، وفكرة القدس العربية، إجراء يتوازي مع مخطط التحالف العربي المتصهين بحسب المراقبين بشأن تمرير صفقة القرن والتخلي عن القضية الفلسطينية.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، فضح أبعاد من المخطط في أبريل الماضي عندما نقلت وسائل إعلام عربية وعبرية قوله: “منذ 40 عاما والقيادة الفلسطينية تفوّت الفرص، حيث رفضت جميع المقترحات التي قدمت لها. لقد حان الوقت كي يقبل الفلسطينيّون الاقتراحات والعروض، وعليهم العودة إلى طاولة المفاوضات، أو فليصمتوا ويتوقفوا عن التذمّر”.
محمد بن سلمان، اعترف كذلك صراحة في اللقاء الذي نشرته صحيفة “ذا أتلانتك الأمريكية، في نفس التوقيت تقريبا ، بحق الشعب اليهودي بـ”أرض خاصة بهم” ودولة قومية، وهو ما يتوازي مع تصريحات في البحرين والإمارات ومصر تتحدث عن ضرورة احتضان الكيان الصهيوني والاعتراف به.
رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ، مؤمن بهذا المسار بشكل مبالغ فيه بحسب المراقبين ، وقال تأكيدا لحديث حليفه السعودي في مقابلة أجرتها معه شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أواخر 2017 : “50 دولة إسلامية وعربية ستقيم علاقات مع إسرائيل إذا وافقت على حل الدولتين”، وذلك بالتزامن مع تطبيع مصري غير مسبوق مع دولة الاحتلال الصهيوني وصل للاحتفال الصهيوني بالنكبة في قلب القاهرة.
المثير أن شعار المؤتمر يتوافق مع إعلان ترامب في أواخر سبتمبر الماضي عن أن خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي يعمل البيت الأبيض على إعدادها والمعروفة باسم “صفقة القرن” ستعلن خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، مؤكدا أن العمل على “صفقة القرن” يجري على قدم وساق، وأبدى سعيه إلى تسوية النزاع على أساس حل دولتين، واصفا إياه بأنه “الحل الأمثل” .
التخلي المجرم
التخلى عن عروبة القدس وإسلامية القضية في مؤتمر وزراء الثقافة العرب، يأتي في سياق مخالف للثوابت التي أقرها الشعب الفلسطيني نفسه ، عبر حركات المقاومة والسلطة الحالية ، وهو ما برز في بيان فصائل المقاومة الفلسطينية عقب قرار ترامب بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في العام 2017 ، حيث أكدت الفصائل أن “القدس عربية إسلامية “لن يفلح ترامب في تهويدها وتزوير تاريخها في ظل تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه وبالقدس عاصمة أبدية لفلسطين، وفي ظل اجتماع الأمة تحت راية القدس للإعلان عن كلمة واحدة هي أن القدس عربية إسلامية.
رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس أبو مازن نفسه لا يقر بما ذهب إليه الوزراء العرب، ويؤكد على عروبة وإسلامية القدس في تصريحاته بين الحين والآخر ، ومنها تأكيده في يناير الماضي أن “المؤامرة على القدس بدأت قبل 100 عام عبر وعد بلفور الذي أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق وعلى حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه وأرضه ومقدساته” ، كما شدد عقب إعلان ترامب المشبوه على أن القدس “مدينة فلسطينية عربية مسيحية إسلامية، عاصمة دولة فلسطين الأبدية”.
وفي هذا السياق تحدث علماء بارزون في الأمة الإسلامية في مقدمتهم الأزهر الشريف في مطلع العام الجاري ، حيث أكد مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية والعربية والمسيحية والإسلامية للقدس لمواجهة الحركة الصهيونية، وما تدبره من مكائد للقدس لتغيير هويتها القومية ، وأعلن فيه الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس والديار الفلسطينية، أن التفريط بالأقصى هو تفريط بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمدينة المنورة.
الشيخ يوسف سلامة، خطيب المسجد الأقصى، أكد نفس المضمون في تصريحاته عقب قرار”ترامب” المشبوه قائلا : “إن مدينة القدس هي مدينة عربية إسلامية وستبقى لأنه لا قيمة لفلسطين بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون المسجد الأقصى المبارك، وقد كانت وما زالت وستبقى مدينة عربية إسلامية إلى يوم القيامة”.
وفي العام 2017 ، أكد الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن القدس ليست مجرد شأن فلسطيني، بل هي شأن الأمة الإسلامية كلها معتبرا أن معركة الدفاع عنها “إسلامية”، مشددا على أنه : “يجب أن نعلن بوضوح إسلامية المعركة فالقدس ليست مجرد شأن فلسطيني، ولا مجرد شأن عربي؛ القدس شأن الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها”.
وذهب الداعية السعودي الشيخ محمد العريفي إلى أبعد من ذلك في تصريح له في العام 2010 ، بحسب قناة سي ان ان ” قال فيه :” إن قضية القدس، “قضية دين وعقيدة في الله لا يجوز التنازل عنها والتفاوض بشأنها، وأنها أمانة في عنق كل مسلم من العرب والعجم،” واعتبر أن كل من يرى بأن تحرير القدس شأن فلسطيني لا يعني سائر المسلمين “فقد انسلخ من الإيمان ” بحسب ما نقل عنه.
اضف تعليقا