“أين ديكتاتوري المفضل؟”… هكذا صاح ترامب بصوت مسموع وواضح للكثيرين باحثاً عن عبد الفتاح السيسي أثناء حضورهما اجتماع مجموعة السبع العام الماضي في فرنسا.
بالطبع كان لتصرف ترامب ومدحه السيسي علانية دلالة واضحة على وجود علاقة أو تحالف خاص بين ترامب، وبين حاكم مصر المستبد، الذي قاد انقلابًا عسكريًا ضد الزعيم المنتخب ديمقراطياً في البلاد في عام 2013، قبل أن يصبح هو نفسه رئيساً.
والآن، ومع اقتراب اختفاء ترامب من المشهد بعد خسارته في انتخابات 03 نوفمبر/تشرين الثاني أمام جو بايدن، يحاول السيسي جاهداً أن يستغل الأيام الأخيرة لترامب لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في الداخل.
اعتقلت قوات الأمن المصرية هذا الأسبوع ثلاثة أعضاء بارزين في واحدة من أبرز المنظمات الحقوقية -القليلة- في البلاد، وهي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بعد أيام قليلة من استضافة المنظمة لأكثر من عشرة سفراء ودبلوماسيين غربيين في مكتبها بالقاهرة، وهي خطوة أصابت السلطات المصرية بعدم الارتياح حيث ظنت أن زمام الأمور بدأ أن يفلت منها.
الحملة التعسفية بدأت باعتقال المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني من القاهرة، وبعد ثلاثة أيام، تم القبض على كريم عنارة مدير وحدة العدالة الجنائية بالمنظمة من مطعم في أحد منتجعات مدينة “دهب” جنوب سيناء، ليتم الزج بهما في إحدى القضايا المتعلقة بالإرهاب.
كما تم اعتقال المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، جاسر عبد الرازق، بعد يوم واحد من انتقاده اعتقال محمد بشير، حيث قال “اعتقال بشير جاء ردًا مباشرًا على اجتماع المنظمة مع دبلوماسيين غربيين”، معربًا عن صدمته من أن “تشعر قوة أمنية بالتهديد من لقاء السفراء”، ليتم احتجازهم جميعاً في سجن طرة، وهو أحد السجون سيئة السمعة في القاهرة، يحوي آلاف السجناء السياسيين ضمن أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في مصر محتجزين بتهم واهية أو ملفقة.
أعضاء المبادرة الثلاث تعرضوا لتحقيق مطولاً استمر لساعات، تضمن بعض الأسئلة بشأن لقائهم بدبلوماسيين غربيين من دول تعتبر حليفة لمصر.
تعليقاً على حملة الاعتقالات قالت السفارة السويسرية إن الاجتماع كان حول واقع المجتمع المدني في مصر، كما قوبلت الحملة بموجة انتقادات حقوقية دولية عنيفة، إذ وصفت منظمة العفو الدولية الحملة على المنظمة ]المبادرة المصرية[ بأنها “حملة تشهير” مؤكدة أن التهم لا أساس لها.
كما خرجت إدانات قوية ودعوات للإفراج عن معتقلي المبادرة من بعض الأعضاء البارزين في الكونغرس الأمريكي، بمن فيهم السيناتور إليزابيث وارين وبيرني ساندرز، وقد وصفت ساندرز الاعتقالات بأنها “وصمة عار” ، مضيفة: “يجب على الإدارة القادمة أن توضح لمصر وجميع الدول أن الولايات المتحدة ستعود لدعم الديمقراطية، ولن تقف إلى جانب الديكتاتورية مرة أخرى”.
لكن حتى الآن، التزم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤولون كبار آخرون في الإدارة الصمت بشأن الاعتقالات.
في سياق متصل، يقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى غضت الطرف لفترة طويلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها حلفاؤهم المستبدون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد تصاعد هذا التجاهل بصورة ملحوظة في عهد ترامب، الذي لم يمدح السيسي علانية وحسب، بل قام بتعميق العلاقات مع السعودية حتى بعد جريمة القتل الوحشي الذي تعرض لها الصحفي السعودي في صحيفة واشنطن بوست في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.
أوشك ترامب على الرحيل، ليحل محله بايدن الذي وعد بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في العالم، حيث غرد في يوليو/تموز بأنه لن يكون هناك المزيد من “الشيكات على بياض” لـ “الديكتاتور المفضل لترامب”، في إشارة إلى أن مصر ستكون أول من يطالها تهديد ووعيد بايدن بمحاسبة مرتكبي حقوق الإنسان.
بدأت مصر، مثل دول أخرى في المنطقة، في إعادة ضبط علاقتها بواشنطن التي من غير المرجح أن تتسامح مع القوة المفرطة للنظام المصري ضد معارضيه، لذلك، وبعد أيام قليلة من فوز بايدن، قامت مصر بعقد اتفاقية مع شركة الضغط الأمريكية Brownstein Hyatt Farber Schreck مقابل 65000 دولار شهريًا، مما يشير إلى أن مصر قد تكون قلقة من أن حالة “الإفلات النسبي من العقاب” على وشك الانتهاء.
قال مايكل وحيد حنا -من مؤسسة القرن- الذي وصف مصر بأنها “الآن ما هي إلا منتج للصداع”- إن العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة ومصر هي من نواح كثيرة بقايا حقبة ماضية ولدت خلال الحرب الباردة، تتصاعد أحياناً، وتخف حدتها أحياناً أخرى، كالفترة التي تدخل فيها الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط.
وبعد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام مع إسرائيل، تدفقت مليارات الدولارات من التمويل العسكري الأمريكي على مصر وجعلت القاهرة واحدة من أكبر الحلفاء الإقليميين لأمريكا.
لكن ذلك بدأ في التذبذب خلال الربيع العربي، في أوائل عام 2011، فعندما بدأت مصر حملة شرسة ضد المدنيين المتظاهرين، دعا الرئيس الأمريكي -آنذاك- باراك أوباما بلطف إلى التغيير السياسي في مصر، ومنذ ذلك الحين، أدت الاضطرابات الداخلية والحكم الاستبدادي المتزايد في مصر إلى اضطراب العلاقات الأمريكية المصرية.
وأضاف حنا “مصر الآن مجرد منتج للصداع”.
تكمن المشكلة في أنه في حين أن طريقة تعامل بايدن ستكون بالتأكيد مختلفة عن طريقة ترامب، فليس من الواضح ما إذا كان لدى واشنطن طريقة فعالة لإحداث تغيير حقيقي في مصر، خاصة وأن بايدن سيتولى منصبه وهناك الكثير من القضايا الداخلية الشائكة – بما في ذلك جهود ترامب لإلغاء نتيجة الانتخابات ووباء فيروس كورونا – وهي قضايا ستبقي الكثير من السياسة الخارجية بعيدة عن قائمة الأولويات.
عندما أطاح السيسي بمحمد مرسي عام 2013، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً للبلاد، وبدأ حملته القمعية ضد المعارضين السياسيين، جمد أوباما بعض المساعدات الأمريكية لمصر، ومع ذلك لم تتراجع سياسات السيسي القمعية، خاصة وأنه بعد عامين تم انتخاب ترامب، وعادت المساعدات مرة أخرى.
حتى في المرات النادرة التي مارس فيها مسؤولو إدارة ترامب بعض الضغوطات على القاهرة، لم تتراجع السياسات القمعية. في يناير / كانون الثاني على سبيل المثال، توفي المعتقل مصطفى قاسم، وهو مواطن مصري/أمريكي يبلغ من العمر 54 داخل أحد السجون المصرية بعد ست سنوات من الاعتقال متأثراً بسياسة الإهمال الطبي حيث تدهورت حالته الصحية بصورة كبيرة دون رعاية طبية مناسبة.
وفاة مصطفى قاسم داخل السجن تسببت في موجة انتقادات داخل الكونغرس الأمريكي، كما أن نائب الرئيس مايك بنس وبومبيو انتقدا الأمر، ولكن حتى هذا الضغط رفيع المستوى لم يكن رادعًا لدولة تمتعت بعقود من الإفلات من العقاب على انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
يقول حنا إن الضغط الدبلوماسي لم يجد بشكل واضح وقد حان الوقت للولايات المتحدة لإعادة تقييم علاقتها مع مصر، متابعاً “لم يعد السؤال هو كيف يمكننا تحقيق نتائج سياسية أفضل”… “السؤال هو إلى أي مدى نريد أن نكون متواطئين في القمع السياسي المصري؟”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
أقرأ أيضاً: تحليل: هل سيؤثر قانون قيصر على استراتيجية الإمارات في سوريا؟
اضف تعليقا