• بعد 18 لقاء.. لا جديد

 

رغم أن لبنان وشعبها يتدحرج صوب هاوية لا قعر لها، إلا أنه على الأغلب لن يكون هناك حكومة على المدى القريب. هذا ما يمكن أن يخلص إليه بسهولة أي مراقب مطلع على المشهد السياسي اللبناني، لا سيما بعد مرور نحو نصف السنة على تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة، لكن يبدو أن الصراع بينه وبين الرئيس ميشال عون قد بلغ ذروته، حتى وصل لدرجة التشهير بمراسلات سرية بينهما.

وكما كان مرتقبًا، انتهى اللقاء الثامن عشر -منذ تكليف الحريري- بين الرجلين، أمس الاثنين، بهدم ما تبقى من أمل في ولادة الحكومة الجديدة، حيث شن الحريري بعد اللقاء معركة سياسية، وقودها اتهام رئيس الجمهورية بالإصرار على أن يحصد الثلث المعطل -يعني ثلث أعضاء الحكومة، إضافة إلى التشهير بمراسلات سرية زعم الحريري أنها نموذج لتشكيل الحكومة أُرسل إليه من قبل رئيس الجمهورية.

إلا أن الحريري وداعميه السياسيين اعتبروا تلك الخطوة تعديًا دستوريًا على صلاحيات رئاسة الحكومة وموقعها، وهو ما حدا بالحريري إلى الكشف عن ورقة لتشكيلة حكومية تضم 18 حقيبة وزارية، ولا يوجد فيها ثلث معطل، ولا تتضمن أسماء شخصيات حزبية، ولكنها شخصيات متخصصة تكنوقراطية، حسب ما أعلن الحريري. ولكنها قوبلت برفض الرئيس عون.


صورة القائمة التي كشف عنها الحريري لتشكيل حكومته

 

  • تشهير بالمراسلات..

 

ثم استمر النزاع والسجال بين الطرفين، ليبدأ مسلسل الكشف عن المراسلات، وأخذ الصراع طابع التحدي بينهما. وعلى إثر ذلك، أصبحت آلية تشكيل الحكومة عائقًا وعقبة كؤودًا بدل أن تكون طريقًا لحل أزمة الشعب اللبناني.

وفي المعركة الأخيرة، نشر الحريري، الاثنين، نموذجًا متعلقًا بتشكيل الحكومة، وقال الحريري إنه وصله من رئيس الجمهورية، وفي النموذج يظهر تمسك عون بـ “الثلث المعطل”، لكن الرئاسة نفت أن يكون هذا هو النموذج الذي تم إرساله الأحد الماضي.

وكلمة “الثلث المعطل” تعني تحكم فصيل سياسي واحد على ثلث عدد الحقائب الوزارية، وهو ما يسمح له بتعطيل انعقاد اجتماعاتها والتحكم في قراراتها.

وجاء في بيان الحريري: “منذ تكليفي بتشكيل الحكومة، كان عون يصر في كل اجتماع على التمسك بحصوله على الثلث المعطل، وهذا الأمر لم يتغير من البداية وحتى اليوم، وهو ما بات معروفا لدى كل اللبنانيين”.

ونفى الحريري صحة ما أعلنته رئاسة الجمهورية من أن الرئيس أرسل إلى الحريري ورقة تنص على المنهجية المفترض اتباعها في تشكيل الحكومة فقط. وأعلن الحريري: “احتراما لعقول اللبنانيين ننشر الأوراق كما وصلت بالأمس من رئيس الجمهورية للرئيس الحريري”.

وتتضمن الورقة التي نشرها الحريري نموذجًا لتشكيل حكومية دون أسماء، وتتألف من 18 وزيرًا، من ضمنهم 6 وزراء يعينهم الرئيس عون، إضافة إلى وزير عن حزب “الطاشناق” الأرمني، حليف الرئيس.

من ناحيتها، قالت الرئاسة اللبنانية -ردًا على الحريري- إن النص الذى أعلنه رئيس الحكومة يعود إلى فترة تبادل الصيغ الحكومية بينهما، ولكنه ليس النص الذي أُرسِل يوم الأحد.

هذا هو المشهد في لبنان بين ميشال عون وسعد الحريري؛ يشهر طرف بالآخر، ثم يرد عليه الطرف الآخر بتكذيب أو بتشهير مماثل. وبين هذا وذاك، يعاني اللبنانيون من تردي الأحوال المعيشية والاقتصادية على كافة الأصعدة.

 

  • أين الأزمة؟

 

من الممكن القول إن هذه الأزمة التي تكتنف المشهد اللبناني هي عرض لمرض، والمرض هو أزمة الحكم والنظام القائم على اتفاق الطائف، الذي لا يحظى بتفسير واضح لدى الطبقة السياسية من الممكن الاحتكام إليه.
وحيث إن الاتفاق الموقع عام 1989 لم يحدد مهلة أمام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، فضلًا عن عدم توضيح نطاق حكومة تصريف الأعمال، وكذلك لا يعطي الدستور صلاحيات لرئيس الجمهورية فوق صلاحيات رئيس الحكومة المكلف من قبل مجلس النواب، كل ذلك يشير إلى أنه من شبه المستحيل حل الأزمة الراهنة ما لم يتوافق الرجلان على حلها.

ويرى مراقبون أن تيارًا من الطبقة السياسية سعى لأن يفسر اتفاق الطائف بناء على قاعدة “الأقوى بطائفته يحتكر تمثيلها”، وهو ما أنتج خللًا بطبيعة النظام الذي من المفترض أن يقوم على مفهوم الديمقراطية التوافقية، وهو ما يفسره محللون بأنه يعني التوافق بين الطبقة السياسية بناء على خيارين؛ إما التوافق على تقاسم السلطة ومحاصصتها، وإما الاختلاف وجر البلد إلى الهاوية.

من ناحية أخرى، فإن إحدى أزمات النظام السياسي في لبنان أنه -حتى اللحظة- لم يتم إلغاء مفهوم “الطائفية السياسية”، وهو المفهوم الذي لم يُسعَ إلى إلغائه واقعيًا تطبيقًا لروح الاتفاق، حيث إن الأجواء الطائفة بلغت مستوىً بالغًا من التعقيد قد يعوّق سبل القضاء عليها.

ومما يزيد الطين بلة ويسعر الحرب بشكل أكبر بين الحريري وعون، هو أن الخلاف بينهما لم يعد بسبب الالتباس بالمواد الدستورية فقط أو بسبب الخلاف على تفسير الصلاحيات، وإنما تخطى الأمرُ ذلك وبدأ الصراعُ يأخذ طابعًا شخصيًا بينهما، لا سيما وأنه من المعلوم أن الرئيس لم يكن يريد الحريري أساسًا، وأنه فُرض عليه من الأغلبية البرلمانية، وتحديدًا من الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل.

بعد ما يقارب الأشهر الستة على الفراغ السياسي في لبنان، أثبتت الطبقة السياسية تمسكها بالأعراف الطائفية والانتماءات المذهبية على حساب لبنان والشعب اللبناني. ولا شك أن انتشال البلد من أزمتها المتشابكة سيكون عن أحد طريقين؛ إما أن تُعلى الطبقة الحاكمة من مصلحة الشعب اللبناني على انتماءاتها ومعتقداتها، أو أن تتغير هذه الطبقة برُمّتها.

اقرأ أيضًا: لبنان.. الحريري ينشر نموذجًا يقول إنه من الرئاسة.. والأخيرة تُكَذّبه