سلطت صحف فرنسية الضوء على اتفاق التعاون استراتيجي الموقع بين بكين وطهران رغم العقوبات الأمريكية، حيث أكدت أنه بالنسبة للعديد من المراقبين، يُنظر إلى هذه الصفقة على أنها “صفقة زائفة” مرهونة بموقف واشنطن.
والاتفاق عبارة عن وثيقة مكونة من خمس صفحات، مكتوبة بالصينية والفارسية، تحمل عنوان “اتفاقية التعاون الاستراتيجي لمدة 25 عامًا”، وقعها يوم السبت 27 مارس/ أذار في طهران رؤساء الدبلوماسية الصينية والإيرانية محمد جواد ظريف ونظيره وانغ يي.
وتقول صحيفة “لوريان لو جور”: إن الاتفاقية التي يجب أن تعزز مجالات التعاون (السياسي والاستراتيجي والاقتصادي) بين البلدين، تقدر بنحو 400 مليار دولار، ولم يتم الكشف عن تفاصيلها بعد، لكن الصيف الماضي، نشرت الصحافة الأمريكية نسخة من 18 صفحة من الاتفاقية التي أعدتها وزارة الخارجية الإيرانية.
وبحسب ما نشر، ستزيد الصين من وجودها في عشرات القطاعات بإيران مثل البنوك والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل مقابل الحصول المنتظم على النفط الإيراني بسعر مخفض خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وفي حين تعد الصين، من أكبر مستورد للخام الأسود في العالم، فقد كانت واحدة من المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني، غير أن الانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع عام 2018، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، وجه ضربة لهذه لواردات.
وتقول الصحيفة في الأسابيع الأخيرة، قد لوحظ تحسن ويبدو أنه مستمر، حيث من المتوقع أن يصل استيراد بكين من طهران في مارس/ أذار، ما يقرب من 850 ألف برميل يوميًا، بزيادة قدرها 130٪ تقريبًا عن فبراير/ شباط.
خروج من العزلة الدولية
وتأمل طهران أن تسمح لها هذه الاتفاقية بالخروج من عزلتها الدولية، منذ سياسة الضغط القصوى التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والعواقب الاقتصادية الناتجة عن وباء كوفيد -19، إذ وصف حسام الدين أشينا، أحد مستشاري الرئيس الإيراني الرئيس حسن روحاني، الاتفاق بأنه “نموذج للدبلوماسية الناجحة”، ومؤشر على “مشاركة النظام الإيراني في التحالفات، وليس البقاء معزولاً”.
وعن مدى جدوى هذه الاتفاقية نقلت “لوريان لوجور” عن دينا اسفندياري، الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية(ICG) القول: “هذا الاتفاق يسمح للنظام الإيراني بإظهار أنه ليس وحده ويحظى بدعم قوة عظمى أخرى، حتى لو كان مدى هذا الدعم غامضًا”.
وتابعت “في الوقت الحالي يوجد تعهد بالاستثمار والتعاون، والصين معروفة بتوقيع هذه الأنواع من الاتفاقيات ثم التباطؤ فيما يتعلق بتنفيذها”.
لكن على الرغم من الغموض الذي يكتنف هذه الشراكة الاستراتيجية، تنوي إيران أن تُظهر للقوى الغربية أنها تمكنت من الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، تشير الصحيفة.
من جهته يرى علي فتح الله نجاد، الأكاديمي في جامعة بروكسل الحرة (مركز دراسات التعاون الدولي والتنمية)، أن أحد الأهداف الرئيسية لسياسة إيران الخارجية هو إقامة علاقات وثيقة مع الصين، لا سيما في إطار توجهها الاستراتيجي المتمثل في” التوجه نحو الشرق”.
ويؤكد أن هذا التوجه كان هو السائد خلال رئاسة أحمدي نجاد، وعاد إلى الظهور قبل بضع سنوات بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية فيينا ونقص المساعدة الاقتصادية الأوروبية الأمر الذي خلق إحباطات في إيران.
تنازلات أمريكية؟
ويشير إلى أنه منذ وصوله إلى السلطة، أشار الرئيس الجديد جو بايدن إلى نيته العودة إلى الاتفاق النووي، لكن الخلافات تحول دون تقدم الملف، خاصة أن طهران تطالب برفع العقوبات المفروضة عليها قبل الرد على أي طلب من واشنطن، ومن وجهة نظر طهران، توقيع الاتفاق الاستراتيجي مع بكين قد يكون بمثابة ضغط للحصول على تنازلات أمريكية.
ويوافقه هذا الرأي، بيل فيغيروا، الباحث في العلاقات الإيرَانية الصينية في جامعة بنسلفانيا، حيث نقلت عنه صحيفة “لاكروا” القول: الاتفاقية وثيقة طموحة لكنها لا توفر طرقًا للتنفيذ، ولا أهدافًا قابلة للقياس أو حتى برامج محددة”، وتدعو إلى “تعاون” غامض من خلال “تعزيز الاتصالات” في عدد من المجالات.
هذا المختص، يؤكد أيضا أن إيران تريد قبل كل شيء إظهار “قوتها” و “الخروج من العزلة الدبلوماسية” التي فرضتها عليها الولايات المتحدة.
غير أن علي الفونة، المتخصص في الشأن الإيراني بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن، يستبعد أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى هدف طهران، لأن إدارة بايدن غير مستعدة أو حتى قادرة على إغضاب حلفاء إسرائيل في مجلس النواب ومجلس الشيوخ من خلال رفع العقوبات المفروضة على إيران.
ويرى أنه “على الأكثر، يمكن لإدارة بايدن أن تعد إيران برفع ثلث الإجراءات العقابية أو عدم فرض عقوبات عليها، لكن العقوبات الأخرى والتصنيفات الإرهابية ستمنع الشركات الأمريكية من العمل في إيران”.
وينوه علي الفونة بأن داخل إيران اتفاقية التعاون هذه قضية استقطابية: في المناطق التي أهملتها الحكومة المركزية لفترة طويلة، إذ يرحب السكان المحليون بآفاق الاستثمار والتوظيف، أما في الوسط يتهم المثقفون النظام ببيع البلاد للصينيين.
على الجانب الأخر، يقول جوناثان بيرون، الخبير في مركز أبحاث إيتوبيا ومقره بروكسل: هذه الاتفاقية تشبه تلك التي وقعتها الصين بالفعل مع عدة دول في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أنها تسمح للصين بإعادة التوازن تجاها علاقاتها في الشرق الأوسط، ويعيد أيضًا الاتفاق النووي لعام 2015 إلى المسار الصحيح، والذي لا تزال الصين عضوًا فيه، ونص على مثل هذه التبادلات.
وإن كان من الواضح أن هذا التقارب هو أيضًا جزء من رغبة السلطات الصينية في إعادة إطلاق “طرق الحرير”، التي تهدف إلى ربط أراضيها ببقية العالم بشكل أفضل، غير أن الاتفاق، بصيغته الحالية، لن يسمح للرئيس حسن روحاني – ومعسكر المحافظين المعتدلين – بتحسين سجلهم الاقتصادي قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
صفقة “زائفة”
أما أرمين أريفي، الكاتب والصحفي في جريدة “لوبوان”، من وجهة نظره هذا الاتفاق لا يعدو كونه صفقة “زائفة”، لأنه من حيث المبدأ، تحترم الصين العقوبات الأمريكية وتقيم تبادلات تجارية مع الولايات المتحدة أكثر من إيران، وحتى لو استمرت في الحصول على مئات الآلاف من البراميل شهريًا بشكل غير قانوني، تظل المملكة العربية السعودية موردها الرئيسي للنفط.
ويقول بالنسبة لعلي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات “نجاح الاتفاق بين طهران وبكين يعتمد إما على خفض التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى رفع العقوبات الأمريكية، أو على تصعيد في التوترات بين بكين وواشنطن، مما يقلل من أهمية العقوبات في نظر الصين”.
لذلك يؤكد أن مستقبل العلاقات بين إيران والصين يبدو مرتبطا بالاتفاق النووي الذي وقعت عليه بكين أيضًا، ومع هذا فإن إعلان “اتفاقية التعاون الاستراتيجي” أثار أيضا “قلق” الرئيس الأمريكي، على الرغم من نيته العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني “بشرط عودة طهران إلى الوفاء بالتزاماتها”، لكن الدولتان تتعثران فيمن يتخذ الخطوة الأولى.
للإطلاع على النصوص الأصلية اضغط هنا
اقرأ أيضًا: إيران تقترح تفعيل ممر بديل لقناة السويس
اضف تعليقا