من جديد، باءت مفاوضات سد النهضة بالفشل. ففي السادس من شهر إبريل/ نيسان الجاري، أعلنت الأطراف المشاركة فشل المفاوضات التي عقدت في دولة الكونغو، البلد الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي. وبعد الإخفاق في التوصل لاتفاق، اتهمت كل من مصر والسودان إثيوبيا بـ”غياب الإرادة السياسية” للدفع بالمحادثات، والرغبة الجدية في الوصول لاتفاق مرض للجميع.

كما صرح وزير الخارجية سامح شكري أن “كل ما تم تداوله من أطروحات مختلفة بشأن أزمة سد النهضة، كان دائمًا يجد رفضًا من الجانب الإثيوبي، وصل إلى درجة التنصل من الإجراءات التي نشأت على أساسها المفاوضات من البداية”. وصعد “شكري” لهجته أيضًا، حيث أضاف: “مصر ستتخذ ما تراه ملائمًا في الفترة المقبلة لحماية الأمن القومي المائي”.

ومن الجانب السوداني، أتت تصريحات مماثلة تدلل على أن الإدارة السودانية تشارك نظيرتها المصرية في الانزعاج من التعنت الإثيوبي، حيث جاء رد الخرطوم بنفس الحدة على ما آلت إليه هذه المفاوضات عبر بيان لوزارة الري والموارد المائية السودانية، قالت فيه إن “هذا التعنت الإثيوبي يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي”.

كذلك قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن “سد النهضة الإثيوبي يحمل مخاطر حقيقية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل، وشدد على أن المخاطر على السودان أكبر من إثيوبيا، التي يقع السد على حدودها، ومن مصر التي تبعد عنه آلاف الأميال”، مضيفًا: “لو تعرض سد النهضة لا قدر الله، لمخاطر، فإن أول بلد سيعاني من هذه المخاطر هو السودان، ولهذا تحدثنا من البداية عن ضرورة التوافق”.

تصعيد في الخطاب مع خيارات محدودة..

إذن هناك شعور متنام لدى القاهرة والخرطوم بالخطر المحدق للسد، كما أن لهجة خطاب الدولتين تغيرت بعض الشيء  تجاه أديس أبابا، لتكون تصعيدية وأكثر حدية. لكن السؤال الذي يبرز هنا هو ما السيناريوهات التي قد يذهب إليها المشهد؟

كان “شكري” قد وصف مفاوضات الكونغو بأنها “الفرصة الأخيرة”، كما أنها قد أتت بعد تصريحات قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، بأن مساس حصة مصر من نهر النيل “خط أحمر”. كذلك حذر السيسي، في مناسبة أخرى، من”كلفة المواجهة” في أزمة السد، مشددًا على أن “الخيارات (المصرية) كلها مفتوحة”. وأضاف: “التعاون أفضل من الاختلاف والصراع، وبلاش المساس بنقطة مياه من مصر، واحترمنا حقكم في التنمية بشرط عدم المساس بمصلحتنا”.

لكن للأسف، فإن واقع الحال يشي بأن الخيارات المصرية تجاه التعامل مع السد محدودة، وتتراوح بين الانسحاب من اتفاق المبادئ، أو استخدام الضغط الدولي، بما في ذلك رفع الأمر إلى مجلس الأمن. وبالطبع، فإن الحل العسكري ليس مستبعدًا بالكلية من المشهد.

وفيما يخص خيار الانسحاب من إعلان المبادئ، الذي وقعه قادة الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، عام 2015، فإن هناك مَن يرى أن هذا من شأنه أن يمثل ضغطًا على الحكومة الإثيوبية من جهة. ومن جهة أخرى، فهو بمثابة الإعلان للمجتمع الدولي أن مصر قد سحبت شرعية بناء السد، طالما أنه لا يوجد اتفاق على الملء والتشغيل. وفي هذا، فإن عرض “إعلان المبادئ” على مجلس النواب المصري ليتم رفضه، قد يكون “تخريجة” منطقية لمثل هذا القرار.

بينما يرى آخرون، أن الحل هو أن تدفع مصر والسودان تجاه أن يكون هناك اجتماع على مستوى قادة المستوى الأول من الدول الثلاث، حيث إن ذلك في رأيهم قد يفضي للتوصل إلى جدول زمني ومشروط بتوقف إثيوبيا عن أي إنشاءات من شأنها البدء في الملء الثاني لبحيرة السد. لكن يشكك كثيرون في جدية هذا الحل، حيث من الواضح أن النظام المصري والسوداني قد فقدا القدرة على إقناع الطرف الإثيوبي بتأجيل الملء الثاني، خصوصًا في ظل التعنت الإثيوبي الواضح، وعدم الإصغاء إلى أي حل مقترح.

 اللجوء لمجلس الأمن الدولي..

في هذا السياق، يرى مراقبون أن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي قد يمثل عاملًا ضاغطًا على إثيوبيا، وذلك لأن المجلس لديه القدرة على اتخاذ توصية بعدم قيام إثيوبيا بأي إنشاءات، ثم البدء في المفاوضات فورًا، كحد أدنى.

وقد ذهب لهذا الحل الدبلوماسي محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية المصري سابقًا، الذي كتب عبر صفحته على فيسبوك أن الشكوى يجب أن تتضمن طلب تدخل المجلس استنادًا إلى أن استكمال وملء بحيرة السد بدون اتفاق مسبق وواضح يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، وأن هذا الأمر ليس موضوعا فنيا أو اقتصاديًا عاديًا، وأنه بمثابة إعلان حرب على البلدين يمنحهما الحق في اتخاذ كل ما بيدهم من تدابير وإجراءات للحفاظ على حقهما في مياه النيل.

لكن لكي تضمن مصر والسودان أن قرار مجلس الأمن في هذا السياق سيكون في صالحهما، فإنهما – بكل تأكيد – يحتاجان إلى دبلوماسية نشطة، تُقنع الدول الكبرى بعدالة قضيتهما.

الحل العسكري..

وفي الحقيقة، فإن الحل العسكري طرح مرارًا – بشكل غير رسمي – منذ 2011 خصوصًا من قبل مصر، وقد تصاعد الحديث في الإعلام المصري حول هذا الحل خلال الفترة الأخيرة. ربما يكون هذا التصعيد الإعلامي يأتي في إطار التهديد، وربما يكون في إطار التمهيد لشن عملية عسكرية. لكن ليس من الواضح الآن الجزم بأي الخيارين.

وفي السياق ذاته، تقوم القاهرة والخرطوم بمناورات عسكرية منذ شهور، ففي أواخر العام الماضي حدثت أول مناورة عسكرية بين البلدين منذ عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير. كما أن البلدين أجريا تدريبًا جويًا مشتركًا، تحت اسم (نسور النيل-2) منذ أيام. وجاء في البيان الرسمي للمناورات أن هدفها هو “الوقوف على مدى جاهزية واستعداد القوات لتنفيذ أي مهام توكل إليها”.

وفي النهاية، المشكلة صعبة وخطيرة ولا يمكن فيها التأجيل، وخيارات مصر والسودان فيها محدودة ومكلفة، لكن كلفة السكوت عن الملء الثاني للسد ستكون أضخم؛ لذلك فإن الواقع يحتم على العاصمتين العربيتين أن يحميا حقوقهما بشتى الطرق الممكنة. والأيام القليلة القادمة كفيلة لتخبرنا بما ستؤول إليه الأحداث.

اقرأ أيضًا: إثيوبيا تعلن استعدادها لإطلاع السودان على الملء الثاني للسد