في خطوة وصفها مراقبون بأنها إعدام للصحافة الحرة وتكريس علني لنظام الترهيب في السعودية، أقدمت سلطات المملكة في 14 يونيو/حزيران 2025 على إعدام الصحفي المعتقل تركي الجاسر، بعد احتجازه تعسفيًا لأكثر من سبع سنوات في ظروف غامضة، ودون محاكمة عادلة.

جاء تنفيذ الحكم في وقت ينشغل فيه العالم بتطورات الحرب بين إيران و”إسرائيل”، ما يعكس استغلالًا سياسيًا مفضوحًا للتعتيم الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان المتصاعدة داخل المملكة.

أول صحفي يُعدم في عهد ابن سلمان: الرأي جريمة تستحق الموت

بإعدام الجاسر، دخلت السعودية مرحلة جديدة في سجلها الحقوقي المتدهور، إذ باتت أول دولة تنفذ حكم إعدام بحق صحفي على خلفية نشاطه السلمي منذ مقتل جمال خاشقجي.

وكان الجاسر، في الأربعينيات من عمره، يدير مدونة “المشهد السعودي”، ويُعتقد أنه كان يدير حساب “كشكول” على تويتر، الذي كشف ملفات فساد داخل العائلة الحاكمة. ووفقًا لوزارة الداخلية السعودية، حُكم عليه بالإعدام بتهم “الإرهاب” و”الخيانة العظمى”، وهي تهم مطاطة كثيرًا ما تُستخدم لتبرير قمع الأصوات المستقلة.

لكن منظمات دولية، أبرزها مراسلون بلا حدود (RSF)، اعتبرت أن الجاسر لم يُرتكب أي جريمة حقيقية، بل دُفع ثمنًا باهظًا لممارسته حقه في التعبير.

اعتقال سري وتعذيب ممنهج: القتل كان متدرجًا

اعتُقل الجاسر في مارس/آذار 2018، بعد اقتحام منزله ومصادرة أجهزته الإلكترونية، وتم إخفاؤه قسريًا ونُقل إلى سجن الحائر سيئ السمعة.

وخلال فترة احتجازه، ترددت أنباء عن تعرضه لتعذيب شديد أدى إلى وفاته داخل المعتقل، غير أن السلطات السعودية رفضت نفي أو تأكيد هذه الروايات، مما عزز الشكوك حول التصفية البطيئة التي تعرض لها.

وقد ظل الصحفي محرومًا من الاتصال بعائلته أو توكيل محامٍ، وهو ما يُعد خرقًا صارخًا لكل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

ردود دولية غاضبة… ولكن دون عقوبات

أثار إعدام الجاسر موجة إدانات حقوقية، ووصفت “RSF” الحادثة بأنها “منعطف مروّع في تاريخ القمع السعودي”، داعيةً الدول الغربية إلى التحرك الفوري.

وقالت آن بوكانديه، مديرة التحرير في المنظمة:

“ما حدث يعيد إلى الأذهان جريمة اغتيال خاشقجي. وإذا لزم العالم الصمت الآن، فهو شريك في جريمة إعدام الصحافة”.

الإعدامات في تصاعد… والانفتاح وهم كبير

بحسب منظمة العفو الدولية، نفذت السعودية 88 إعدامًا على الأقل منذ بداية عام 2025، ما يضعها في مصاف الدول الأكثر تنفيذًا لعقوبة الموت، بجوار إيران والصين.

وتُظهر هذه الأرقام أن حملة “الانفتاح” التي يروّج لها محمد بن سلمان—من خلال الحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية—لا تعدو كونها واجهة لتبييض الوجه الاستبدادي للنظام، فيما تُكمّم الأفواه وتُغتال الصحافة خلف الكواليس.

مسؤولية الغرب: دعم بلا حساب

ما يزيد من فداحة المشهد هو الصمت الغربي والتواطؤ الفعلي من قبل دول تدّعي الدفاع عن حرية التعبير، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

ففي الوقت الذي تُعدَم فيه أصوات مثل تركي الجاسر، تواصل هذه الدول دعمها العسكري والسياسي للرياض، دون أي مساءلة حقيقية، ما يُفهم كضوء أخضر لاستمرار سياسة القمع.

هل يتحرك العالم؟

إعدام تركي الجاسر ليس مجرد “حدث حقوقي”، بل جريمة دولة تعكس كيف تحوّلت السعودية إلى نظام لا يتحمل حتى تغريدة مجهولة، ويضع كل من يختلف مع السلطة في مرمى السجن أو الموت.

إذا لم يُقابل هذا الإعدام بموقف دولي حازم، فإن المملكة قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من الرعب الرسمي، يكون فيها القلم أقصر عمرًا من السيف.