كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عن أرقام مرعبة تسلط الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعيشها أطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُقتل أو يُشوَّه طفل واحد كل 15 دقيقة، في مشهد متكرر تعجز الضمائر عن احتماله. 

وبينما تهز هذه الأرقام وجدان العالم، يبرز في خلفية المشهد متهمان رئيسيان: الاحتلال الإسرائيلي بسياساته الدموية في فلسطين، ودولة الإمارات بتدخلاتها العسكرية ودعمها للأطراف المتورطة في النزاعات، من اليمن إلى ليبيا والسودان.

أطفال في مرمى النيران: النزاع كجريمة ممنهجة

أفادت “اليونيسيف” أن أكثر من 12.2 مليون طفل قُتلوا أو شُوّهوا أو نزحوا في أقل من عامين، أي بمعدل طفل واحد ينزح كل 5 ثوان، وهي إحصائية تُظهر بوضوح أن الحروب لم تَعُد تستثني أحداً، بل باتت تستهدف الطفولة مباشرة. 

المنظمة أشارت إلى مقتل ما يقرب من 20 ألف طفل، وإصابة أكثر من 40 ألف، في حين بلغ عدد الأطفال النازحين أكثر من 12 مليون، وهو رقم يشير إلى انهيار البيئة الآمنة والحاضنة في المنطقة.

المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوارد بيغبيدر، عبّر عن حجم الكارثة قائلاً: “حياة طفل واحد تنقلب رأسا على عقب بمعدل كل خمس ثوانٍ بسبب الصراعات”، وأضاف: “نصف أطفال المنطقة البالغ عددهم 220 مليون طفل يعيشون في بلدان متأثرة بالنزاعات”، ما يعني أن الصراع بات القاعدة لا الاستثناء في حياة أطفال المنطقة.

الاحتلال والإمارات: الأسباب الخفية وراء الأرقام

في السياق الإقليمي، لا يمكن فصل هذه الإحصاءات عن أسبابها السياسية والعسكرية. الاحتلال الإسرائيلي يواصل منذ سنوات استهداف المناطق المدنية في فلسطين، وخاصة قطاع غزة، حيث تؤكد تقارير أممية أن إسرائيل لا تميز في قصفها بين المدنيين والمقاتلين، وتستخدم أسلحة فتاكة على نطاق واسع في مناطق مأهولة، ما يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.

وفي الوقت ذاته، تلعب الإمارات دوراً محورياً في تأجيج النزاعات بالمنطقة، من خلال تدخلاتها العسكرية المباشرة في اليمن، ودعمها لمليشيات مسلحة في ليبيا والسودان، وتمويلها لعمليات عسكرية تركت آثاراً مدمرة على المدنيين، وخاصة الأطفال. ففي اليمن وحدها، تشير تقارير حقوقية إلى أن غارات التحالف الذي تقوده السعودية بدعم إماراتي، تسببت في مقتل وتشويه آلاف الأطفال، فضلًا عن تدمير المدارس والمراكز الصحية.

أزمة ممتدة ومستقبل قاتم: أين الضمير العالمي؟

تُظهر بيانات “اليونيسيف” أن حوالي 110 ملايين طفل في المنطقة يعيشون في بلدان “متأثرة بالصراعات”، يعانون من تدمير شامل لحياتهم اليومية. الأطفال يُحرَمون من التعليم والرعاية الصحية، وتُدمّر منازلهم، ويُجبرون على الهرب من مناطقهم، ويُتركون ضحايا لصدمات نفسية عميقة تستمر مدى الحياة.

الأخطر من ذلك أن المنظمة الأممية حذّرت من أن التوقعات المستقبلية قاتمة، إذ تُقدَّر الحاجة إلى مساعدات إنسانية لـ 45 مليون طفل في عام 2025، مقارنة بـ32 مليون فقط في 2020، أي زيادة بنسبة 41% في خمس سنوات فقط. والأسوأ أن التمويل الدولي لليونيسيف يوشك أن ينخفض بنسبة 20% إلى 25% مع حلول 2026، ما يعني خسارة تبلغ نحو 370 مليون دولار، وهو ما يعرض برامج إنقاذ الحياة في المنطقة للخطر، كعلاج سوء التغذية، وتوفير المياه النقية، والتطعيم ضد الأمراض القاتلة.

مواقف غائبة: ازدواجية المعايير الدولية

رغم أن الأرقام صادمة والحقائق واضحة، فإن المجتمع الدولي لا يزال يتعامل بازدواجية مع هذه الكارثة. تُفرض العقوبات على بعض الأنظمة بحجة حقوق الإنسان، بينما تُستثنى دول كإسرائيل والإمارات رغم تورطهما المباشر في هذه المآسي. وغالبًا ما يتم تجاهل هذه الأرقام في الإعلام الغربي أو اختزالها في سرديات “الحرب على الإرهاب” أو “الحاجة لمحاربة الحوثيين”، في حين أن الضحايا في النهاية هم أطفال لا علاقة لهم بهذه الحسابات السياسية.

دعوة عاجلة: الصمت شراكة في الجريمة

ما كشفته “اليونيسيف” ليس مجرد تقرير إحصائي، بل هو نداء إنساني عاجل. ومع استمرار الدعم الغربي لإسرائيل، والصمت الدولي تجاه جرائم الإمارات في اليمن والسودان، تتحول الأرقام إلى شاهد على تواطؤ دولي مخزٍ.

إن إنهاء الأعمال العدائية ضد الأطفال يجب أن يكون أولوية عالمية، لا مجرد شعار. وبدون محاسبة حقيقية للمسؤولين عن هذه الكوارث، سيظل كل طفل يُقتل أو يُشوَّه أو يُهجر في هذه المنطقة وصمة عار على جبين العالم.

خاتمة: الأطفال لا يصنعون الحروب.. لكنهم يدفعون ثمنها

الشرق الأوسط يحترق بنيران السياسة والمصالح والنزاعات المسلحة، لكن من يدفع الثمن الحقيقي هم الأطفال. وفي كل 15 دقيقة يُسجَّل ضحية جديدة، وسط صمت دولي مريب. إن لم يتم كبح جماح الاحتلال، ووضع حد لتدخلات أنظمة مثل الإمارات، فستستمر ماكينة الموت في حصد أرواح الأبرياء.. وستبقى المنطقة رهينة مستقبل بلا أمل.

اقرأ أيضًا : أرقام كارثية.. كيف تفتك المجاعة بأطفال غزة؟