في تحول مفاجئ قد يعيد رسم خارطة التوترات في الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق “وقف إطلاق نار شامل وكامل” بين إيران و”إسرائيل”، بعد وساطة معقّدة شاركت فيها قطر، على خلفية التصعيد الأخير الذي كاد يشعل حربًا واسعة النطاق تمتد إلى ما وراء الخليج.

إعلان مفاجئ من ترامب

في منشور رسمي له، كشف ترامب عن أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ خلال ست ساعات، على أن يمتد مبدئيًا لمدة 12 ساعة، ويُعلن بعدها انتهاء الحرب رسميًا. وجاء في بيانه:

“تهانينا لإسرائيل وإيران على شجاعتهما وقدرتهما على التحمل والذكاء في إنهاء هذه الحرب، التي كان من الممكن أن تستمر لسنوات وتدمّر الشرق الأوسط بأكمله. حفظ الله إيران وإسرائيل”.

ووفقًا لمسؤول في البيت الأبيض، أجرى ترامب مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الاثنين، كانت حاسمة في التوصل إلى هذا الاتفاق، مشيرًا إلى أن الطرفين قبلا بالوساطة القطرية والاقتراح الأميركي كصيغة لإنهاء القتال.

قطر على خط الأزمة: الوساطة التي أوقفت الانفجار

بحسب وكالة “رويترز”، فإن الوساطة القطرية جاءت بعد تصاعد غير مسبوق في حدة القتال، كان ذروته القصف الإيراني لقاعدة العديد الأميركية في قطر فجر أمس، في عملية سُميت بـ”بشائر الفتح”. وأشارت التقارير إلى أن وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أجرى مكالمة مباشرة مع القيادة الإيرانية، ضامنًا موافقتها على المبادرة الأميركية.

كما أبلغ ترامب أمير قطر بأن “إسرائيل” وافقت مبدئيًا على وقف إطلاق النار، وطلب منه التدخل لدى طهران، وهو ما تم بالفعل وفق مصادر مطلعة.

هذه الوساطة كانت محل تأكيد من عدة مصادر، بينها موقع “أكسيوس” الأميركي، الذي أفاد بأن التوصل إلى الاتفاق جاء بجهد مشترك بين الدوحة وواشنطن، وبتنسيق مع أطراف دولية أخرى.

إيران: لن نواصل الرد إذا توقفت “إسرائيل”

من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده لا تنوي مواصلة الرد العسكري إذا ما توقفت “إسرائيل” عن عدوانها.

“إذا أوقفت إسرائيل عدوانها غير القانوني بحلول الرابعة صباحًا، فإننا لا نملك نية مواصلة ردنا. القرار النهائي بشأن وقف العمليات العسكرية سيتخذ لاحقًا”.

تصريحات عراقجي تُشير إلى أن طهران لم تغلق الباب تمامًا أمام التصعيد، لكنها تركت نافذة للتهدئة، مشروطة بالتزام “إسرائيل” بعدم شن هجمات مستقبلية، وهو ما يُعد تحولًا في الموقف الإيراني، الذي كان حتى الأمس القريب يتحدث عن “رد قاطع وحاسم” على الضربات الأميركية والإسرائيلية.

خلفية التصعيد: من حرب الظلال إلى المواجهة المباشرة

العدوان الإسرائيلي على إيران بدأ في 13 يونيو/حزيران، حين استهدفت “تل أبيب” منشآت نووية ومواقع عسكرية داخل إيران، واغتالت شخصيات بارزة مثل قائد الحرس الثوري الإيراني ورئيس الأركان، في عملية بدت وكأنها تسعى إلى شلّ القدرات الإيرانية قبل أي مفاوضات.

وجاء رد طهران عنيفًا لكنه متدرج، حتى قررت فجأة استهداف قاعدة العديد الأميركية في قطر – وهو تحول استراتيجي فاق كل التوقعات.

وفي تطور دراماتيكي، دخلت الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر فجر الأحد، حين شنّت ضربات على مواقع تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو وأصفهان، مدعية استهداف البرنامج النووي الإيراني بشكل “دقيق”.

الرد الإيراني لم يتأخر، لكن سقف التصعيد كان يرتفع بشكل خطر، وسط توقعات بأن يشهد الخليج أيامًا سوداء قد تجر المنطقة بأكملها إلى نيران الحرب.

واشنطن تتراجع خطوة: حسابات الربح والخسارة

مصادر في البيت الأبيض كشفت أن الرئيس ترامب تعرض لضغوط متزايدة من الكونغرس والبنتاغون لاحتواء التصعيد، خاصة بعد المخاوف من تهديد الملاحة في مضيق هرمز واحتمال تعطل إمدادات الطاقة العالمية.

وذكرت “رويترز” أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، والسيناتور جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، شاركوا في محادثات مباشرة وغير مباشرة مع الإيرانيين من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.

لكن مراقبين يرون أن الاتفاق لا يزال هشًا، ما لم تُترجم الوعود إلى التزامات ميدانية، خصوصًا في ظل هشاشة الثقة بين الأطراف.

إلى أين تتجه الأمور؟ نهاية الحرب أم استراحة محارب؟

بين إعلان ترامب وانضباط الميدان مسافة من الشكوك. فإسرائيل اشترطت، وفق المسؤولين الأميركيين، تعهدًا إيرانيا بعدم شن أي هجمات مستقبلية، بينما تتحدث طهران بلغة مشروطة وتُلمّح إلى إمكانية الرد إذا تكرر العدوان.

وفي ظل غياب ضامن دولي قوي، تبقى قطر –بحكم موقعها وعلاقاتها– أحد أبرز اللاعبين القادرين على تثبيت التهدئة، ومنع العودة إلى التصعيد.

لكن الأهم من التهدئة هو السؤال الأكبر: هل تمثل هذه الوساطة نهاية فعلية لمخططات “تغيير النظام” أو ضرب المشروع النووي الإيراني؟ أم أنها مجرد هدنة تكتيكية استعدادًا لجولة قادمة؟

ختامًا: ترامب يبحث عن نصر دبلوماسي

بالإعلان عن هذا الاتفاق، يسعى ترامب لتقديم نفسه كـ”صانع سلام” بعد أيام من كارثة كانت على وشك إشعال حرب كبرى.

لكن هذا “النصر” الدبلوماسي الهش، يبقى مرهونًا بمدى التزام الطرفين، وبتحولات السياسة الأميركية – الإسرائيلية في المرحلة القادمة.

وفي حين يكتب ترامب “حفظ الله إيران وإسرائيل”، فإن الشعوب التي دفعت ثمن التصعيد الأخير – في طهران وتل أبيب وغزة وقطر – لا تزال تنتظر إجابة أكثر وضوحًا: هل انتهت الحرب فعلًا، أم أن ما حدث ليس سوى هدنة قصيرة على طريق الانفجار الكبير؟

اقرأ أيضًا : مجلس الأمن يشتعل بعد الضربات الأميركية لإيران: بين تحذيرات الحرب ومطالب الهدنة