في تطور أمني يثير قلق المؤسسة العسكرية والأمنية في تل أبيب، أعلنت سلطات الاحتلال عن اعتقال ستة إسرائيليين خلال 48 ساعة، على خلفية الاشتباه بتورطهم في شبكات تجسس مرتبطة بإيران، ما يؤشر إلى تصعيد نوعي في حرب الظلال الاستخباراتية بين الجانبين، وانتقالها من ساحات الخارج إلى عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
الاختراق من الداخل.. مطار بن غوريون ليس آمنًا بعد الآن
أحدث الاعتقالات تم تنفيذها في مطار بن غوريون، حيث ألقت وحدة مكافحة الاحتيال القبض على شاب يبلغ من العمر 25 عامًا، بعد معلومات استخباراتية دقيقة من جهاز “الشاباك”، تشير إلى ضلوعه في التجسس لصالح إيران لمدة عام ونصف.
هذه الحادثة تؤكد أن طهران لا تكتفي بالتجسس من الخارج أو عبر الوكلاء، بل أصبحت تخترق النسيج المجتمعي الإسرائيلي نفسه، مستفيدة من التقنيات الرقمية، والعملات المشفرة، والهويات السياسية المتنوعة داخل إسرائيل.
من شعارات “يسارية” إلى مواقع عسكرية.. تصعيد في نوعية المهام
اللافت في ملف التجسس الأخير هو بساطة البدايات وتصاعد الأهداف. فقد بدأ التواصل بين “عملاء إيران” وبعض المتهمين عبر تطبيق “تلغرام”، متخفيين خلف هويات “نشطاء يساريين”، وطالبوهم بمهام رمزية مثل كتابة “بيبي ديكتاتور” وحرق الورقة، مقابل أجر بالعملات الرقمية.
لكن لاحقًا، تطورت المهام بشكل خطير إلى تصوير مواقع حيوية وأمنية حساسة في تل أبيب وحيفا ونتانيا، منها مستشفى “إيخيلوف” ومراكز تسوق، ورصد تفاصيل دقيقة حول أنظمة الحماية وكاميرات المراقبة وأعداد الحراس، وهي معلومات توصف بأنها ذات قيمة استخباراتية عالية.
ملفات متعددة.. واعترافات تثير الذعر
لائحة الاتهام ضد “مارك مورغان بينسكي” (33 عامًا) تكشف عن تواصل مباشر مع شخصية مجهولة تُدعى “أليكس” عبر الإنترنت، وعرض الأخير عليه أجورًا تصل إلى 2000 شيكل يوميًا مقابل تنفيذ مهام تشمل إثبات الهوية، ما يوضح وجود تمويل منظم وسخاء في التجنيد.
وبحسب النيابة، استمر المتهم في التعاون مع الجهة المجهولة حتى بعد تأكده من ارتباطها بإيران، قائلاً: “لا يهمني، ولا أريد أن أعرف المزيد”، في دلالة على غياب الوعي الأمني أو تغليب الدوافع المادية أو الأيديولوجية لدى بعض الأفراد.
زوجان في قبضة “الشاباك”.. إيران تستهدف كل الفئات
ضمن موجة الاعتقالات، تم توقيف زوجين من مدينة رعنانا (31 و29 عامًا)، بتهم خطيرة تشمل نقل معلومات سرية والتآمر والتواصل مع جهات أجنبية معادية. هذه الحادثة تعزز فرضية أن الاختراق الإيراني لا يستهدف فئة عمرية أو سياسية معينة، بل يتغلغل في مختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي.
هجوم سيبراني ناعم.. وإخفاق استخباراتي صامت
هذه القضايا تأتي وسط تحذيرات متكررة من أجهزة الأمن الإسرائيلية من نشاط متزايد لإيران عبر الفضاء الإلكتروني. طهران، وفق التقديرات الإسرائيلية، تبني شبكات تجنيد عبر الإنترنت تستغل منصات التواصل الاجتماعي والتشفير الرقمي والتمويه الأيديولوجي لتجنيد عملاء داخل العمق الإسرائيلي.
لكن المقلق أكثر هو تأخر الكشف عن هذه الشبكات رغم امتداد نشاط بعضها لأكثر من عام، ما يطرح تساؤلات حساسة حول فعالية “الشاباك” والموساد” في رصد التهديدات الداخلية، مقارنة بنجاح طهران في كسر الجدران الأمنية الإسرائيلية.
إيران لا تضرب بالصواريخ فقط.. بل بالمحادثات المشفرة أيضًا
تظهر هذه السلسلة من الاعتقالات أن ميدان الصراع الإيراني–الإسرائيلي لم يعد محصورًا في سوريا أو البحر الأحمر أو ملف النووي، بل بات مفتوحًا على جبهة داخلية في قلب إسرائيل نفسها.
طهران، في حرب التجسس هذه، لا تعتمد على العملاء التقليديين، بل تجنّد شبابًا عبر محادثات إلكترونية، وتدفعهم من اللاوعي إلى تنفيذ مهام استخباراتية خطيرة، دون أن يطلقوا رصاصة واحدة.
اقرأ أيضا: مهندس الصفقات القذرة: كيف غطّى منصور بن زايد حروب الإمارات بالاستثمار الرياضي؟
اضف تعليقا