تتجه الحكومة البريطانية نحو إبرام اتفاق تجاري بقيمة 1.6 مليار جنيه إسترليني مع دول الخليج العربي، في خطوة وصفت بأنها خيانة مزدوجة لقيم رعاية الحيوان وحقوق الإنسان، وبالأخص لالتزامات رئيس الوزراء تجاه المزارعين البريطانيين الذين يشعرون أن حكومتهم تضحي بصناعتهم في سبيل أرباح مشبوهة قادمة من أنظمة لا تلتزم بأي معايير تُحترم.
الاتحاد الوطني للمزارعين البريطانيين أطلق تحذيرات شديدة اللهجة، مؤكدًا أن إدخال لحوم الدجاج القادمة من دول الخليج، التي تُربى في ظروف لا تقترب حتى من الحدود الدنيا المقبولة في المملكة المتحدة، من شأنه أن يقوّض كليًا معايير الرفق بالحيوان التي تفاخر بها بريطانيا وتنتظرها جماهير المستهلكين. فما يُعتبر غير قانوني في المزارع البريطانية، سيكون مرحبًا به في الأسواق البريطانية بمجرد أن يحمل ختم “نظيف” من منظور صحي فقط، دون أن يعبأ أحد بكيفية إنتاجه.
المسألة تتجاوز مجرد ظروف تربية الحيوانات. جمعيات حقوق الإنسان حذرت من أن الاتفاق الجديد يغضّ الطرف بالكامل عن استعباد العمال في دول الخليج. فهؤلاء الذين يرعون الدجاج الذي سيملأ أرفف المتاجر البريطانية يُجبرون على العمل تحت نظام الكفالة القمعي، بلا حقوق، بلا أجور عادلة، وفي ظل ظروف توصف بأنها أقرب لمعسكرات السخرة. ومع ذلك، لم تضع الحكومة البريطانية أي التزام قانوني يتعلق بحقوق الإنسان أو العبودية الحديثة ضمن بنود الاتفاق.
وزير الأعمال البريطاني اكتفى بالقول إن الاتفاق “سيتضمن فصولًا تتعلق بحقوق الإنسان”، لكنها ستكون رمزية وغير ملزمة. تصريح لم يُطمئن أحدًا، بل أكد أن الحكومة مستعدة للتغاضي عن القيم الأساسية للمجتمع البريطاني، سواء فيما يتعلق برفاهية الحيوان أو كرامة الإنسان، مقابل حفنة من المصالح الاقتصادية المحدودة.
الاتفاق يفتح السوق أمام منتجات دجاج تُذبح وفقًا لمبادئ الحلال، غالبًا دون صعق، وتُربى في بيئات مكتظة ومغلقة بسبب حرارة الخليج القاسية، وهو ما يخالف صراحة اللوائح البريطانية التي تشترط توفير 750 سم مربع لكل طائر على الأقل، بينها 600 سم مربع قابلة للاستخدام. في الخليج، لا توجد هذه المعايير أصلًا.
رئيس الاتحاد الوطني للمزارعين البريطانيين، توم برادشو، شدد على أن الحكومة ستفقد مصداقيتها ما لم تثبت التزامها بعدم السماح بدخول أغذية مُنتجة بطرق محظورة داخل البلاد، وطالب بمعاملة متوازنة على غرار ما جرى في اتفاقيات التجارة مع الهند والولايات المتحدة. ومع ذلك، لم تُبد الحكومة استعدادًا حقيقيًا لضمان هذه العدالة، بل تسير نحو توقيع الاتفاق وكأن شيئًا لم يُقال.
الانتقادات لا تقتصر على القطاع الزراعي. منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان ربطت هذا الاتفاق بتوسع غير معلن في تغطية على انتهاكات دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، التي توظف صفقات التجارة لتلميع صورتها وتجنب المساءلة عن ممارساتها القمعية. وبدلًا من أن تكون بريطانيا صوتًا مدافعًا عن القيم، باتت مستعدة لتكون شريكًا في التواطؤ.
رغم أن الحكومة تروّج بأن الاتفاق سيعود بالنفع على قطاعي السيارات والخدمات المالية، إلا أن التقديرات الرسمية تؤكد أن تأثيره على الناتج المحلي الإجمالي سيكون أقل من 1% بحلول عام 2035، وهو ما يضع علامة استفهام حول جدوى هذا التنازل الأخلاقي الكبير مقابل مكاسب اقتصادية محدودة للغاية.
الاتفاق المرتقب يكشف عن سياسة تتخلى عن المبادئ تحت شعار الواقعية الاقتصادية. لكنه يُرسل أيضًا رسالة خطيرة إلى العالم: في بريطانيا ما بعد البريكست، لم تعد حقوق الإنسان ولا الرفق بالحيوان من أولويات السياسة التجارية، بل مجرد حواجز يمكن تجاوزها حين تكون الجهة المقابلة مستعدة للدفع بسخاء.
اضف تعليقا