يتصدر اسم الشيخ منصور بن زايد آل نهيان عناوين الصحف العالمية معظم الوقت بصفته “مالك مانشستر سيتي” وصاحب الاستثمارات الرياضية اللامعة، لكن تغيب عن الأضواء حقيقة دوره العميق والخطير في تغذية الحروب، دعم أمراء الحرب، والمشاركة في أكبر عمليات الغسيل السياسي والمالي في المنطقة.
لم يكن الشيخ منصور مجرد رجل أعمال إماراتي مهتم بالرياضة، بل كان أحد أبرز مهندسي التدخلات العسكرية السرية لدولة الإمارات في إفريقيا والمنطقة العربية. لعب دور “المنسّق” والممول والموجّه لتحالفات مشبوهة مع ميليشيات دمّرت دولًا مثل السودان وليبيا واليمن.
في السودان، شكّلت علاقة الشيخ منصور بالجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) نموذجًا صريحًا لهذا الدعم المدمر؛ فرغم أن الإعلام الإماراتي حاول ترويج صورة إنسانية عبر إرسال “مستشفى ميداني”، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية أن هذه المبادرات لم تكن سوى غطاء لشحنات طائرات مسيّرة وأسلحة ثقيلة دعمت بها أبو ظبي ميليشيات “قوات الدعم السريع” التي ارتكبت جرائم إبادة واغتصاب جماعي وتهجير قسري بحق المدنيين السودانيين.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون أن الشيخ منصور كان على اتصال مباشر مع حميدتي خلال الحرب، حيث اعترضت الاستخبارات مكالمات منتظمة بينهما، ما يثبت أنه لم يكن مجرد مشاهد صامت، بل شريك فاعل في إذكاء الصراع الأكبر في إفريقيا.
في ليبيا، كرّر الشيخ منصور السيناريو ذاته، دعم الجنرال خليفة حفتر الذي قاد هجومًا عسكريًا على العاصمة طرابلس بدعم إماراتي مباشر، في خرق سافر لحظر الأسلحة الأممي. تقارير أمريكية أكدت أن أسلحة إماراتية، بعضها من صنع أمريكي، وصلت إلى يد حفتر عبر وسطاء تابعين للشيخ منصور، كما موّل مرتزقة من مجموعة “فاغنر” الروسية للقتال إلى جانب قواته.
في الغرب، يقدَّم الشيخ منصور بصفته “رجل الرياضة”، مالك إمبراطورية مانشستر سيتي الذي حوّل النادي من نادٍ متعثر إلى آلة ألقاب بمليارات الدولارات، إلا أن هذه الصورة البراقة تخفي وجهًا مظلمًا: الاستثمار الرياضي لم يكن حبًا في الكرة، بل خطة دقيقة لتجميل صورة النظام الإماراتي، وشراء شرعية دولية مغسولة بالمال.
فخلف صفقات اللاعبين ورعاية الملاعب، استُخدمت مانشستر سيتي أداة دعاية سياسية، إذ نظم النادي لقاءات إعلامية تهدف لتشويه خصوم أبو ظبي السياسيين، مثل قطر، بزعم دعمها للإرهاب. كما أن الشيخ منصور لم يحضر إلا مباراتين فقط منذ استحواذه على النادي، ما يدل على أن اهتمامه بالرياضة كان تكتيكيًا لا شخصيًا.
واليوم، يواجه النادي أكثر من 130 تهمة بالتلاعب المالي وغسيل الأموال عبر شركات إماراتية وهمية، في فضيحة قد تنتهي بحرمانه من الألقاب أو الطرد من الدوري الإنجليزي. هذه الفضيحة تهدد بكشف شبكة الغسيل المالي والسياسي التي نسجها الشيخ منصور بمهارة على مدار سنوات.
امتدت فضائح الشيخ منصور إلى ماليزيا، حيث وُصف بـ”المتآمر الأعلى” في فضيحة صندوق التنمية المالي 1MDB، التي نُهب خلالها أكثر من 4.5 مليار دولار من أموال الشعب الماليزي. تم استخدام جزء من هذه الأموال لتمويل يخته الفاخر “توباز” بقيمة 688 مليون دولار، والذي قضى عليه عطلة مع رئيس الوزراء الماليزي الأسبق نجيب رزاق.
كما كشفت التحقيقات عن تحويلات سرية بمئات الملايين إلى شركات مرتبطة بالشيخ منصور، وسط صمت مطبق من السلطات الإماراتية وغياب أي محاسبة حقيقية.
وفي الولايات المتحدة، تورط الشيخ منصور في صفقة مشبوهة مع عائلة ترامب لتمويل مشروع رقمي بالعملات المشفّرة بملياري دولار، ما دفع إدارة ترامب لاحقًا للموافقة على صفقات أسلحة جديدة للإمارات، رغم الاتهامات بدعمها للإبادة في السودان.
رغم هذا السجل الأسود، تمتع الشيخ منصور بحصانة دولية بفضل المال والنفوذ. إلا أن هذه الحصانة بدأت تتصدّع. فقد أُجهضت محاولته لشراء صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية بسبب مخاوف من التأثير السياسي على حرية الصحافة. كما أصبح هدفًا لانتقادات في الكونغرس الأمريكي، حيث اتُّهم بالمشاركة في دعم إبادة جماعية في السودان.
بات واضحًا أن صورة “الشيخ الرياضي” لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة: الشيخ منصور بن زايد ليس مجرد رجل أعمال ناجح، بل مهندس تدخلات عسكرية، شريك في جرائم ضد الإنسانية، ورمز للغطرسة الخليجية المغلّفة بالبريق والمال.
اضف تعليقا