دخل وقف إطلاق النار الشامل بين إيران والاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ صباح اليوم الثلاثاء، بعد اثني عشر يومًا من التصعيد العسكري غير المسبوق الذي شاركت فيه الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل، واستهدف منشآت عسكرية إيرانية وبنى تحتية حيوية.
الاتفاق، الذي جاء بوساطة أمريكية مباشرة وبمساهمة قطرية، أُعلن عنه على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف الحرب بـ”القصيرة ولكن الحاسمة”.
ومع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، شهدت الساعات الأخيرة من المواجهة رشقات صاروخية إيرانية وُصفت بالأعنف منذ اندلاع الحرب، خلّفت قتلى ودمارًا في العمق الإسرائيلي، وهو ما طرح تساؤلات عن مدى صمود هذا الاتفاق الهش في ظل تهديدات متبادلة.
إيران تختتم الحرب برسالة نارية: صواريخ ما قبل الصمت
في مشهد يوحي بأن طهران أرادت إنهاء الحرب بشروطها أو على الأقل بصوت مرتفع، نفّذت القوات الإيرانية ضربات صاروخية كثيفة استهدفت مواقع حيوية داخل الأراضي المحتلة في الدقائق الأخيرة قبل بدء سريان الاتفاق. ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، أسفرت هذه الرشقات عن مقتل 8 إسرائيليين على الأقل، وألحقت أضرارًا واسعة في مدينة بئر السبع وعدد من التجمعات الاستيطانية، بالإضافة إلى قصف منشآت عسكرية في حيفا وقاعدة رامات ديفيد الجوية.
اللافت أن التلفزيون الإيراني شدّد على أن “هذه الضربات نُفذت قبل لحظة دخول الاتفاق حيّز التنفيذ”، في محاولة لنفي أي خرق لبنود وقف إطلاق النار. كما أكدت وكالة “فارس” أن هذه الضربات تمثل “ردًا على العدوان الإسرائيلي الأمريكي الذي استهدف السيادة الإيرانية ومفاعلاتها النووية”. وقدّر مراقبون أن طهران أرادت إيصال رسالة مفادها أن أي اتفاق لا يعني غفرانًا للعدوان، بل هو هدنة مشروطة بقوة الردع.
الموقف الإسرائيلي: قبول على مضض وتحذيرات من الرد
من جانبه، أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو رسميًا الموافقة على وقف إطلاق النار، وجاء في البيان أن “إسرائيل قبلت مقترح الرئيس ترامب بوقف النار، بعد أن تم تحقيق الأهداف العسكرية للعملية”. إلا أن البيان لم يخلُ من لغة التهديد، إذ أشار إلى أن “أي خرق للاتفاق سيقابل برد قوي وفوري”.
القبول الإسرائيلي بالهدنة لا يبدو أنه يعكس راحة سياسية أو عسكرية، بل أقرب إلى الخضوع لضغوط أمريكية بعد تصاعد وتيرة الهجمات الإيرانية وبلوغها مستويات أربكت الجبهة الداخلية. كما أن دخول حليف رئيسي مثل واشنطن في قلب المعركة، دون القدرة على حسمها أو تدمير المنشآت الإيرانية بشكل كامل، جعل الخيار السياسي هو المخرج الوحيد لمنع انهيار الهيبة الإسرائيلية.
أمريكا: من شريك في العدوان إلى راعٍ للتهدئة
المفارقة الكبرى في هذا المشهد أن الولايات المتحدة، التي شاركت بشكل مباشر في قصف منشآت نووية ومراكز عسكرية إيرانية، ظهرت في النهاية كوسيط وصانع سلام. وقد احتفى الرئيس ترامب بالاتفاق، معتبرًا أنه “انتصار للدبلوماسية الأمريكية وللسلام في الشرق الأوسط”، متجاهلًا أن التصعيد العسكري بدأ بعد قراره بدعم العمليات الإسرائيلية المفتوحة ضد طهران.
ويرى محللون أن الإدارة الأمريكية استشعرت خطورة استمرار الحرب وتوسعها، خاصة بعد الضربات الإيرانية العنيفة التي شلّت جزئيًا البنية التحتية في عدد من المدن الإسرائيلية، فضلاً عن احتمال تدهور الأوضاع في الخليج، مع تهديدات متكررة من طهران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره أكثر من 20% من إمدادات النفط العالمية. لذا، سعت واشنطن إلى وقف التصعيد قبل أن تتحول المنطقة إلى ساحة حرب إقليمية شاملة.
هل يصمد الاتفاق؟ نقاط توتر مرشحة للانفجار
رغم دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، إلا أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى اتفاق مستقر أو دائم.
فقد سبق أن تعهّدت إسرائيل وواشنطن بأن هدفهما لا يشمل “تغيير النظام” في إيران، لكن الهجمات الأخيرة كانت قريبة من تحقيق هذا الهدف بالفعل من خلال استهداف مراكز القرار النووي والسياسي.
في المقابل، أظهرت إيران خلال الحرب امتلاكها قدرات هجومية دقيقة وقدرة على ضرب أهداف حساسة داخل إسرائيل، مما يجعل استمرار الوضع الحالي محفوفًا بالمخاطر، في ظل غياب ضمانات واضحة.
كما أن غياب أي آلية رقابة دولية، أو طرف ضامن ملزم، يفتح الباب أمام الطرفين لإعادة إطلاق النار عند أول اشتباك أو خرق، خاصة أن حدود “تحقيق الأهداف” تبقى فضفاضة من الناحية العملية، ويصعب قياسها في ظل التصريحات المتضاربة.
خاتمة: وقف إطلاق النار.. خطوة للخلف أم استراحة محاربين؟
في المحصلة، فإن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي ليس تتويجًا لانتصار طرف على آخر، بل هو أقرب إلى هدنة اضطرارية بين خصمين يدرك كلٌّ منهما أن استمرار الحرب قد يفتح أبواب الجحيم في المنطقة.
وبينما تحاول إسرائيل تصوير الهدنة كجزء من خطة استراتيجية محسوبة، ترى إيران أنها نجحت في إرساء معادلة ردع جديدة أظهرت قدرتها على إيلام العدو في العمق.
يبقى السؤال الكبير: هل ستستمر هذه الهدنة؟ أم أنها مجرد استراحة محاربين في حرب مرشحة لجولة قادمة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة، في ظل استمرار التوتر الإقليمي، وتصاعد الغضب الشعبي في العالم العربي تجاه ما جرى من عدوان واسع تحت غطاء أمريكي.
اقرأ أيضًا : ضربات إيرانية موجعة تتوالى على إسرائيل.. موجات صواريخ تشل البنية الحيوية وتكشف هشاشة الجبهة الداخلية
اضف تعليقا