في خطوةٍ اعتبرها ناشطون صفعة جديدة في وجه حرية التعبير والدعم الشعبي المتصاعد لفلسطين، أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر حظر حركة “بالستاين أكشن” (Palestine Action) وإدراجها ضمن قائمة “المنظمات الإرهابية”، بعد عملية رمزية نفذها نشطاء اقتحموا خلالها قاعدة “بريز نورتون” الجوية وقاموا برش طائرات حربية بطلاء أحمر، احتجاجًا على مشاركة بريطانيا في دعم آلة القتل الإسرائيلية في غزة.

ببساطة، لم تطلق الحركة رصاصة، لم تهدد حياة أحد، بل استهدفت رموز القتل — طائرات حربية ترسل الموت إلى المدنيين الفلسطينيين. ومع ذلك، وجدت نفسها على قوائم الإرهاب، فيما شركات تصنيع السلاح التي تسلّح الاحتلال ما زالت تتلقى عقودًا من الحكومة البريطانية.

لكن المفارقة أن أصواتًا من داخل البرلمان ذاته، وبينها رئيسة لجنة الشؤون الخارجية ميلي ثورنبيري، طالبت بالاعتراف الفوري بدولة فلسطينية، محذّرة من أن تأخّر التحرك الدولي سيجعل “الاعتراف بلا معنى”، لأن إسرائيل تنفذ مخططًا ممنهجًا لابتلاع الضفة الغربية.

بالستاين أكشن.. صوت طلائي في وجه آلة القتل

تأسست حركة بالستاين أكشن عام 2020، كرد فعل مباشر على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة بعد الهجمات الوحشية على غزة، والتي تزامنت مع تصاعد عمليات التطبيع، واستمرار تورط شركات بريطانية مثل “إلبيت سيستمز” في تصنيع وتصدير مكونات أسلحة تُستخدم ضد الفلسطينيين.

اتخذت الحركة نهجًا مباشرًا للمقاومة السلمية عبر أعمال التخريب الرمزية للمقرات والمنشآت التابعة لشركات متورطة في الإبادة. استخدم نشطاؤها الطلاء الأحمر للتعبير عن الدم الفلسطيني، واقتحموا مباني “إلبيت” مرارًا، معرّضين أنفسهم للاعتقال والمحاكمات.

رغم ذلك، جذبت الحركة تضامنًا واسعًا من شرائح شبابية وطلابية ونقابية، ونجحت في تعطيل بعض مقرات إنتاج السلاح البريطاني، مما جعلها هدفًا للمخابرات والشرطة البريطانية التي تترصدها منذ 2022، وفق تقارير مسرّبة.

من الطلاء إلى الإرهاب.. كيف تغسل بريطانيا وجهها؟

الحكومة البريطانية اختارت أن تحارب اللون الأحمر لا الدم الحقيقي. وبدلًا من فتح تحقيقات في الدعم العسكري الإسرائيلي، قررت شيطنة الصوت المعارض ووصم مناهضي الإبادة بـ”الإرهاب”.

وزيرة الداخلية إيفيت كوبر وصفت اقتحام قاعدة “بريز نورتون” بـ”العمل المخزي” و”التهديد للأمن القومي”، متناسية أن القاعدة العسكرية نفسها تنسّق طلعات جوية تشارك في تسليح الاحتلال، وأن الطائرات التي رُشّت بالطلاء قد شاركت في دعم مباشر للعدوان على غزة.

هذا الحظر يتجاوز حركة بالستاين أكشن. إنه رسالة لكل من يرفض الاحتلال، لكل من يناصر القضية الفلسطينية، أن أي احتجاج حقيقي سيوصم بالإرهاب، ما دامت المصالح التجارية والصفقات العسكرية فوق المبادئ.

أصوات من البرلمان: اعتراف بدولة تُخنق

لكن الحظر لم يمرّ دون مقاومة. ففي جلسة داخل البرلمان البريطاني نفسه، دعت النائبة البارزة ميلي ثورنبيري إلى تحرّك سياسي جاد للاعتراف بدولة فلسطينية، مشيرة إلى أن الزمن ينفد، وأن إسرائيل تكرّس الاحتلال وتبتلع الأرض بشكلٍ يهدد بقيام أي كيان فلسطيني في المستقبل.

تصريحات ثورنبيري جاءت بعد إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون، في أبريل الماضي، أن بلاده قد تعترف بدولة فلسطين، مما دفع بريطانيا للتفكير في “التحرك المتزامن”. هذا الحراك البرلماني يواجهه ضغط غير معلن من اللوبي الإسرائيلي ومصالح شركات السلاح، بحسب منظمات حقوقية بريطانية.

الطلاء لا يُقتل.. لكن الحقيقة تُرعب

لم تقتل حركة بالستاين أكشن أحدًا. لم تفجّر منشأة، ولم تهدّد حياة مدني. ما فعلته هو فضح التواطؤ الرسمي البريطاني في سفك الدم الفلسطيني، وتحويل الصمت الدولي إلى حالة من الوعي الشعبي.

لكن في عالم تديره صفقات السلاح والضغط السياسي، قد تكون الحقيقة أخطر من القنابل. لذلك، كان لا بد من إسكاتهما معًا.

اليوم، يكتب التاريخ أن حركة مدنية، بأدوات سلمية، واجهت آلة حرب دولية، فصُنّفت “إرهابية”. ويكتب التاريخ أيضًا أن الحكومات الغربية التي طالما تغنت بالديمقراطية والحقوق، سقط قناعها في أول اختبار حقيقي لحرية التعبير إذا مسّت إسرائيل.

خاتمة: هل نصبح كلنا “بالستاين أكشن”؟

بمنع الحركة، لا تُمنع فقط بالستاين أكشن. بل يُفتح الباب أمام ملاحقة أي نشاط طلابي، أو احتجاج نقابي، أو حتى حملة تضامن إلكترونية مع فلسطين.

الأسئلة تتصاعد: هل تتحول بريطانيا إلى دولة تُجرّم التعاطف مع شعب تحت الاحتلال؟ هل يصبح الدعم الإنساني جريمة؟ وهل يحق لحكومة تسلّح الجلاد أن تحاكم الضحية إذا صرخت؟

حظر بالستاين أكشن ليس النهاية، بل بداية مرحلة جديدة من النضال، يتجاوز المقرات المادية ليصل إلى كل بيت وشارع ومنصة. لأن الدم الفلسطيني ليس جريمة.. والجريمة أن نصمت أمام من يموّله ويباركه.

اقرا أيضًا : الإمارات تغذي المجاعات.. تقرير أممي يحذر: غزة والسودان وسوريا والصومال على شفا الكارثة